بقلم د/ محمد بركات
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام علي المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فإننا وفي زماننا هذا قد أتيح لنا ما لم يُتح لمن سبقنا من أمور السعة في العمران والتقدم الذي نراه في بعض البلدان، والتقدم في العلوم والمعارف التي هُدي إليها الإنسان ، ولكن..
الإنسان هو الإنسان يخطئ وربما صُوّب له فصوب الخطأ ، وربما نسي أو تناسي، وربما أخذته العزة بالإثم، وربما ناصب الناصحين العداء.
وهكذا ليس كل الناس يقبل الحقيقة، وليس كل الناس يصوب الأخطاء.
من هنا كانت دعوات الصالحين والمصلحين تحتاج إلي أنفاس بعدد من يدعوهم من الخلائق.
وابن الجوزي رحمه الله_أحسبه_ والله حسيبه من الصالحين المصلحين من وقفوا علي أبعاد كبيرة في الدعوة وبها جاهد لله فصارت كلماته حتي الآن لها الوصول والقبول يرحمه الله.
قَـالَ الإمَامُ ابن الجوزي رَحِمَهُ الله:
« أعظم المعاقبة أن لا يحسَّ المعَاقَبُ بالعقوبة ،
وأشد من ذلك أن يقع السرور بما هو عقوبة !
كالفرح بالمال الحرام ،
والتمكُّن من الذنوب ؛
ومن هذه حاله لا يفوز بطاعةٍ .
وإني تدبَّرت أحوال أكثر العلماء والمتزهِّدين فرأيتهم في عقوباتٍ لايحسُّون بها ،
ومعظمها من قِبَل طلبهم للرياسة .
فالعالم منهم يغضب إن رُدَّ عليه خطؤُهُ ،
والواعظ متصنِّعٌ بوعظه !
والمتزهِّدُ منافقٌ أو مراءٍ .
فأوَّلُ عقوباتهم إعراضهم عن الحق ؛
اشتغالاً بالخلق .
ومن خفيِّ عقوباتهم : سلب حلاوة المناجاة ولذَّة التعبُّد.
إلاَّ رجالٌ مؤمنون ونساءٌ مؤمنات
يحفظ الله بهم الأرض ؛
بواطنهم كظواهرهم ؛
بل أجلى ،
وسرائرهم كعلانيتهم ؛
بل أحلى ،
وهممهم عند الثريَّا ؛
بل أعلى ،
إنْ عُرِفُوا تنكَّروا ،
وإن رُئيت لهم كرامةٌ أنكروا.
فالناس في غفلاتهم ،
وهم في قطع فلواتهم !
تحبُّهم بقاع الأرض ، وتفرحُ بهم أملاك السماء.
نسألُ الله عزوجل التوفيق لاتباعهم ، وأن يجعلنا من أتباعهم ».اهـ.
صيد الخاطر (ص/22).
نسأل الله أن يردنا إليه بكل حب وود وأن يجعلنا من أهل النفع والهداية.