
دراسة نقدية لقصيدة ( أري …لا أري )
بقلم الدكتور : محمد آدم أبو قرون
أري …لا أري
هل يأتي يوم ميلادي
أراني اولد بعد ألف عام
بلا رأس ولا ذراع
ولا قدمين
ليس سوي لسان يلعن الجميع
أري …لا أري
نساء عرايا
بلا نهود ولا مؤخرات
لا شيء منطقي
أشعر بالجوع إلي شىء ما
حكاية الخلود تراود نفسي
رأسي تجري خلف رأسي
يظل العبد بداخلي يسبح
بحمد الآلهة
ألقي بنفسي في ظلمة نفسي
أردد صلوات القديسين
و أتلو كل الآيات التي اعرفها
مازال الشيطان يسكنني
ما بين وجه الشيطان
وقلب العبد
لا أنا أنا
ولا أنا شىء آخر
أشعر بالجوع
****
مع الدراسة النقدية
🔱ركن ديوان العرب 🪯
📝🎤يقدم الاستاذ محمد فتحي شعبان 🕌📝📑📜⁉️
……………………⁉️⁉️⁉️⁉️⁉️⁉️⁉️………………….
✨✨✨✨✨✨✨
أيها العابر بين الظلال، أيها الحائر بين الرؤى، أراك تسير على خيط رفيع بين الوجود والعدم، بين الصراخ والصمت، بين أن تكون ولا تكون.
نصك ليس مجرد كلمات، بل هو ارتعاشات روح تحت وطأة الجوع، ليس الجوع الجسدي الذي يلتهم اللحم، بل ذاك الجوع الذي يبتلع الوعي، الذي يقتات على التساؤل، على الحيرة، على الغوص في اللامرئي.
تبدأ رحلتك بولادة غير مكتملة، ولادة خارج الزمن، ميلاد مؤجل حتى إشعار آخر. رأسك غائب، أطرافك مبتورة، لكن اللسان وحده ينجو، يلعن، يصرخ، كأنما لم يعد الجسد إلا ثقلًا زائدًا، وكأن اللعنة وحدها صوتك الناجي من مقصلة العدم. أي رؤية هذه التي تسبقك فيها كلماتك؟ أي كيان هذا الذي لا يحتاج سوى لسانٍ كي يعلن تمرده على كل شيء؟
تستمر الرحلة في مشهد سريالي تنحت فيه النساء بلا ملامح، بلا تفاصيل، كأنهن أشباح مجرّدة من الرغبة ومن الغواية، كأن الجسد قد تفكك، وكأن العالم فقد منطقه. في هذا الفراغ الذي تخلقه، يصبح الجوع حالة وجودية، لا جوعًا للطعام، بل جوعًا للمعرفة، للحقيقة، للخلود. تشتد الغواية، ليس غواية الجسد، بل غواية الأسئلة، تلك التي تلاحقك في مساحات اللاجدوى، فتبدأ رأسك بالركض خلف رأسك، كأنما أصبحت فكرة مجردة تطارد نفسها بلا نهاية، كأنما الزمن ينقلب عليك، فتظل بين الحضور والغياب، بين أن تكون إنسانًا أو مجرد صدىً للشك.
يتحول العبد في داخلك إلى كائن هلامي، يسبح بحمد آلهة لا تراها، يردد صلوات القديسين كأنه يبحث عن قشة يتعلق بها وسط هذا التيه، لكن الشيطان لا يزال يقيم في داخلك، لا كخصم، بل كشريك، كوجه آخر للصورة نفسها. هنا، تتقاطع الأضداد، يختلط المقدس بالمدنس، تتحطم الحدود بين الخير والشر، بين العبادة واللعنة، بين التقوى والرذيلة. أهي أزمة يقين؟ أم صراع أبدي بين الظلمة والنور؟ أم أن الإنسان ليس سوى مزيج من هذين النقيضين، لا انفكاك لأحدهما عن الآخر؟
يبلغ النص ذروته حيث تتلاشى الهوية، فلا أنت أنت، ولا أنت شيء آخر. تصبح كينونتك حقلًا مفتوحًا، معلقًا بين الوجود والفناء، بين الذكرى والنسيان، بين الامتلاء والفراغ. كل شيء يفقد ثباته، حتى اللغة تبدو كأنها تتداعى، تنهار فوق ذاتها، تتحول إلى صدى يكرر نفسه في فضاء معدني بارد، حيث الجوع هو كل ما تبقى، جوع بلا نهاية، بلا تفسير، بلا إشباع.
محمد فتحي شعبان، قصيدتك ليست نصًا عاديًا، بل لوحة مسكونة بالأطياف، صرخة في ممرات العقل المظلمة، تجربة وجودية تتلبس ملامح الجنون في أوج العقل، نصك لا يُقرأ، بل يُعاش، يُنزف، يُسافر بالقارئ إلى مجاهل ذاته، إلى ذاك الركن القصيّ حيث يتساءل كل منا: هل أنا أنا؟ أم أنني شيء آخر؟
…..
📜في قراءة نقدية فلسفية
✍️د. محمد ابوقرون… الكاتب والناقد الأدبي