بقلم : يوحنا عزمى
في كل الحروب العربية الإسرائيلية السابقة ، كان لمجلس الأمن الدولي وللجمعية العامة للأمم المتحدة مواقف وقرارات وترتيبات وكان هذا الدور واضحا ومؤثراً حتي في ذروة الحرب الباردة ورغم اشتداد حدة الصراع بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي ومع ذلك فقد تحركت الأمم المتحدة فور نشوب تلك الحروب بدور لاحتوائها وتحجيمها والبحث عن حلول وتسويات لها ..
كانت الأمم المتحدة حاضرة دائما في كل تلك الحروب بدءا من حرب السويس في عام ١٩٥٦ إلي حرب يونيو ١٩٦٧ إلي حرب اكتوبر ١٩٧٣ إلي حرب إسرائيل في لبنان عام ١٩٨٢ وما تزال قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة ترابط في جنوب لبنان حتي اليوم.
لكن هذا الدور الدولي المهم غاب تماما في حرب إسرائيل الحالية علي غزة رغم ما تنطوي عليه هذه الحرب من خطر تحولها إلي حرب إقليمية كبيرة مع اتساع دائرة العنف المسلح فيها ودخول أطراف جديدة إليها ، ورغم ما تنطوي عليه كذلك من انتهاك صارخ لميثاق الأمم المتحدة الذي يحظر استخدام القوة في العلاقات الدولية ، ولمبادئ وقواعد القانون الدولي الإنساني ، ولكل قوانين الحرب ، ولمواثيق حقوق الإنسان التي تحظر مثل هذه الانتهاكات والجرائم ضد الإنسانية وخاصة جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي .. ورغم ان فلسطين عضو في الأمم المتحدة بصفة مراقب ومن حقها بموجب الميثاق ان تطلب من مجلس الأمن تقديم دعمه لها لوقف العدوان الإسرائيلي المسلح علي غزة لكل الأسباب التي يحظرها ويعاقب عليها ميثاق المنظمة العالمية ..
ورغم هذا كله ، فقد غابت الأمم المتحدة من المشهد الحالي باخفاق مجلس الأمن في التوافق علي صيغة قرار دولي يحظي بموافقة الدول الأعضاء الخمس الدائمين فيه .. وكانت النتيجة
هي إستمرار الحرب بكل فظائعها واهوالها والتي كانت من نصيب غزة وحدها.
ليس غائبا عنا جميعا ان استخدام الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن والمنحاز دوما وبلا حدود إلي جانب إسرائيل هو السبب
الذي حال دون قيام المجلس بدوره في حفظ السلم والأمن
في هذه المنطقة المهمة من العالم ..
وفي التعامل مع العدوان الإسرائيلي علي غزة وفق ما تضمنه الفصل السابع من ميثاق الأمم المحدة من تدابير واحكام وعقوبات كما نعلم ان قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي صدر أخيراً عنها باغلبية كبيرة وتضمن إدانة لهذا العدوان ودعا إلي وقف فوري لإطلاق النار في غزة ، لم يجد طريقه إلي التنفيذ بفعل الضغوط الأمريكية علي الدول التي صوتت لصالح هذا القرار ..
وهو ما افقد القرار فاعليته وحال دون وقف إطلاق النار او حتي التوصل إلي هدنة إنسانية مؤقتة لتدارك الوضع الإنساني الكارثي في غزة بإدخال المساعدات الدولية الإغاثية والإنسانية إليها .. ولفك الحصار الإسرائيلي المفروض عليها.
وهذا الموقف السلبي المتخاذل للأمم المتحدة هو مؤشر علي التراجع الخطير في دور الأمم المتحدة في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين ، وهو ما يذكرنا بفشل عصبة الأمم في الماضي
في التصدي للقوي النازية والفاشية التي شكلت خطرا ساحقا
علي السلم الدولي وقتها ، وهو الفشل الذي دفع العالم كله ضريبته بنشوب الحرب العالمية الثانية التي راح ضحيتها عشرات الملايين من البشر في كل قارات العالم الخمس.