المرآه والطفل

الأسرة السعيدة ووظائفها اعداد:هبة منيب الدنف

الأسرة السعيدة ووظائفها
اعداد:هبة منيب الدنف
بحث تخرج “دبلوم الارشاد الاسري”
١ – المقدمة
(( بسم الله الرحمن الرحيم ))
الأسرة السعيدة عبارة قليلة الحروف ، واسعة المعاني ، سامية الواجبات ، دقيقة الأهداف حافظة الحقوق دافئة الحنايا .عندما نقولها يغمرنا الشعور بالرحمة والمودة والعطف واللجوء إلى كهف حريز وملجأ آمن وحياة تزينها المحبة والتعاون على البر والتقوى والإتحاد لإنجاح مشروع التربية الإيجابية التي تحيا بالإحترام ويسودها الأمان ليثمر عنها مجتمع معطاء ناجح .
فعندما تجمع علاقة حب بين زوجين ، يتكون في رحم الام (( جنين )) نتيجة إتحاد خلية الأم التي تسمى البويضة مع خلية الأب التي تسمى نطفة . وكذلك الأسرة تماماً تتكون في رحم الحياة عندما يتعارف شركاء الأسرة من ذكر وأنثى وتمر عبر مراحل نمو مختلفة ، تارةً تتعرّض للإجهاض فلا يصلا إلى مرحلة ولادة الأسرة و طوراً يكتمل نمو الجنين الصحي والسليم ليكوّنا الأسرة السعيدة .
وبما أن تكوين الأسرة بشكل عام والأسرة السعيدة بشكل خاص هو الاساس لبناء المجتمع السليم لانها الشجرة التي يتربى تحت ظلالها الفرد الصالح على قيم الخير والبر والمحبة ، لذلك كان إختياري لعنوان بحثي (( الأسرة السعيدة ووظائفها )) ولو بشكل مختصر إلتزاماً بشروط البحث راجية من الله التوفيق و متأملةً أن يكون عند حسن ظن الأساتذة الكرام .
٢- تعريف الأسرة السعيدة
الأسرة هي خلية إجتماعية تتكون نتيجة زواج امرأة برجل ويكمل بناء صرحها الأبناء الذين يكونون ثمرة ذلك الزواج .
فالأسرة السعيدة هي الأحجار التي يبنى بها المجتمع ولقد وضع أسسها القرآن الكريم ، فقال تعالى :{{ أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقومٍ يتفكرون }}
ولقد عرّفها علم النفس والإجتماع بأنها الوحدة الأساسية والأولى وهي الكيان الذي يرتكز عليه المجتمع وتتكون من أفراد تربط بينهم صلة القرابة والرّحم وتساهم في النشاط الإجتماعي من كل جوانبه المادية والروحية والعقائدية والإقتصادية . ومتى ما كانت قد تأسست على قواعد صحيحة وإيجابية أثمرت زواجاً سعيداً ومستقراً ونشرت السعادة بين أفرادها ومحيطها وعلى قدر ما يسود فيها الإنسجام والتفاهم وينعم الأبناء بجو عائلي تغمره المحبة والإحترام المتبادل بين جميع أفراد الأسرة وتكون قادرة على حل المشكلات وتجاوز التحديات بطريقة ناجحة وإيجابية فمتى ما صلحت الأسرة صلح المجتمع برمته .
٣ – أسس بناء الأسرة
أ-الإرادة الصلبة وحسن التواصل
لا نخفي سراً إذا قلنا بأن تطبيق أسس الزواج الناجح وبالتالي الأسرة السعيدة يحتاج إلى إرادة صلبة ومقدار كبير من التنسيق والتفاهم لإنجاح العلاقة الزوجية من خلال تعبيد سبل التواصل ، حيث أنه تكاد لا تخلو حياةً زوجية من المشاكل والعقبات وهذا أمر طبيعي وليس مستغرباً بسبب تنوع الآداء والمواقف والمبادئ ، وهذا عامل قوة وليس ضعفاً طالما بقيت الأمور تحت السيطرة وحسن التدبير لان هذا الخلاف من المفترض أن يتحول بعد التواصل إلى أرضٍ خصبة صالحة لبدء نقاش بناء وفعال بين الزوجين مع ما سوف يصاحب هذا النقاش من عملية إقناع متبادل وتلاقي في التفكير ومحاولة لفهم الآخر أكثر لتطوير العلاقة وتمتينها من خلال الحوار لتقريب وجهات النظر وإيجاد حلول مناسبة صحيحة وصحية للخلافات والإختلافات التي تطرأ على الأسرة
ب- الأسس المتينة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم (( من سعادة المرء الزوجة الصالحة )) والعكس صحيح فإن الأسرة السعيدة تقوم على أسس متينة ومجهزة لبناء صرح ثابت متين ، تبدأمن حسن إختيار شريك الحياة الذي سوف يشكل معه فريق واحد فيتقبل إختلافه ويحترم وجهة نظره ويكون هناك فرصة لكل فرد في الأسرة للتعبير عن رأيه و يتحمل كل مرد مسؤوليته ويعمل على تعزيز الروابط العاطفية وإظهار الحب وتبادل المشاعر وتقدير الآخر .
ج- إظهار العاطفة والكلمة الطيبة
قد يبدو للبعض جهلاً أن إظهار العاطفة بين أفراد الأسرة بشكل عام وبين الزوجين بشكل خاص أمر يدعو إلى السخرية ، لكن رغم وجود الحب يبقى التعبير عنه أمر في غاية الضرورة لانه يعزز العلاقات ويمتنها ويرسخ جذورها . ولقد أكد الحديث الشريف بأن المرأة لا تنسى كلمة الحب من زوجها أبداً فعن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم : ( قول الرجل لزوجته إني أحبك لا يذهب من قلبها أبداً) وكذلك الرجل يحب ان يلقى الإهتمام والتقدير ويسمع المديح من زوجته فتكون له كما هو لها سنداً ودعماً ويبذلان أقصى جهودهما لحل المشاكل ، مما يجعل كل منهما نصيراً للآخر وعوناً له .
د- العشرة الحسنة
العشرة الحسنة و التنازل من قبل كل طرف عن بعض آرائه ونظرياته لصالح الطرف الآخر وردم الهوة التي ممكن أن تفصل بينهما فيمدان جسور التواصل و إعتماد الحديث بشكل واضح بدل من انتظار المبادرة كل طرف للآخر مما يعقد المشكلة لان لا يستطيع أحد قراءة أفكار الآخر ان لم يدلي بها ، فالمصارحة والوضوح يخفف من الخلافات و يحسن العشرة ويطيّبها .
ه- التفكير بعقلانية
التفكير بعقلانية أيضاً من الأسس التي تؤسس للتفاهم وحل المشكلات والبعد عن التزمّت والعناد والتصلّب في الرأي الذي من شأنه أن يؤدي إلى حدوث تراكمات من شأنها أن تدمر العلاقة .
                                                                                                                                         و- ضبط النفس
التحكم بالإنفعالات وضبط النفس خلال النقاش أمر مهم لان العصبية في الكلام تزيد الأمر سوءاً ولا تحل المشكلات . و ضبط النفس ايضاً يتعلق بالتحكم بالغيرة حتى لا تصل الى حد الإفراط فتصبح تسلطاً يؤدي الى الكذب والهروب . كما لا ننسى الإبتعاد عن اللوم الدائم وتوجيه الكلام الجارح للطرف الآخر الذي ينطوي تحت إطار العنف المعنوي وضرورة الإمتناع عن العنف الجسدي أيضاً ولا يذكرأحدهما الآخر بما مضى من أخطاء سابقة وهفوات حصلت في الماضي بل يجب ان يمدح كل منهما حسنات الآخر ويظهر إيجابياته ويتناسى سيآته إكراماً للعشرة و إستمرارية للمستقبل.
        ز-عدم رفع مستوى التوقعات لان رفع مستوى التوقعات بوجود حياة حالمة وردية يؤدي الى الصدمة عند الوصول الى الواقع . لذلك يجب على كل فرد ان يعلم بأنه ليس هناك من إنسان كامل ، وجلّ من لا يخطئ ، فكل إنسان له سلبياته وتقصيره لذلك فإن تَقَبُّل الآخر بكل صفاته وتذكر حسناته والتغاضي عن الهفوات من الأسس المهمة لإنجاح الأسرة السعيدة .
ح-الصبر
               الصبر هو من أهم وسائل الحفاظ على أسرة سعيدة ناجحة وضمان إستمراريتها ويلجم الغضب ويمنع التسرّع في إتخاذ القرارات الخاطئة التي قد يندم عليها المرء لاحقاً. وللصبر ألوان كثيرة عدد انواع المشكلات التي تواجه الأسرة ، فقد يكون الصبر على الوضع الإقتصادي أوالمادي او الإجتماعي او الصحي او الثقافي او البعد بسبب ظروف العمل وغيرها لان الصبر يذلل العقبات ويهون المشكلات، كما وتعتبر مراعاة إمكانية الشريك في النفقة والمصاريف باب من أبواب الصبر وامتثالاً بقوله تعالى : {{ لا يكلّف نفساً الّا وسعها }}
ط- الإهتمام والمحبة
يجب على الزوجين أن يعيشا تحت ظل المودة والتعاون لإشاعة جو من الراحة والألفة والتظافر بين أفراد العائلة بعيداً عن أستخدام القسوة والإهانة وإعتماد الرفق واللين والرحمة . فالإهتمام والمؤانسة والمحبة هم روح الأسرة السعيدة حيث يتسابق كل فرد ليرضي الآخر ليكون الأجمل والأحب في نظر شريكه وينمو برعايتهم الجيل الصالح داخل هذه الأسرة المتحابة والمتماسكة .
ي- ترميم شبكة العلاقة وحسن التواصل
إن تدعيم أسس الأسرة يحتاج إلى الإنسجام ومهارة في التواصل وصدق النية والوفاء والإخلاص والإصرار على إنجاح العلاقة سر من أسرار الإستمرارية ، فالتوازن بالتنازع والتنازل المتعادل يقوي الصحة النفسية والجسدية فتنجح العلاقات . فيتدرّب أرباب الأسرة على القيام بتمارين المحبة وإعادة إحياء اللحظات الحلوة وتقليص المسافات بين الأرواح وتبادل المشاعر الدافئة وإدمان الإحتضان الذي يعطي تأشيرة سفر نحو عالم الحب والأمن والسكون ، وتكون المواساة بلسماً للجراح ، فتفرح لفرحه وتحزن لحزنه والعكس صحيح . ولا ننسى التواضع وبسط جناح الرحمة والنطق بالكلمة الحلوة التي تسعد القلوب و انعاش نبض الحب الذي به تحيا الأرواح وتتحقق المعجزات.
ك- عدم التردد في طلب المساعدة وإستشارة المتخصصين
كما سبق وذكرنا انه ليس هناك حياة وردية حالمة ولا جنة على الأرض قبل الجنة . لذلك عندما تعصف رياح المشكلات بالأسرة ويصعب على أفرادها تخطيها والتغلب عليها يكون من الضروري جداً العودة الى أصحاب الإختصاص والمعرفة من مرشدين أسرة وغيرهم ليكشفوا الطريق التي غطاها ضباب الخلافات ، لتنجلي الرؤية وتتوضح الأمور فلا يصلوا بقافلتهم إلى حائط مسدود فيحتل علاقتهم الطلاق العاطفي وبرودة المشاعر و فتور اللهفة حيث يصلون بعدها إلى أبغض الحلال عند الله وهو الطلاق فيهدم صرحاً بني بالتضحية والحب ، ويدفع الثمن من هم زينة حياة الدنيا أي الأولاد ويسببوا لهم المشكلات النفسية التي يصعب حلها وعلاجها.
٤- وظائف الأسرة
أ-الوظيفة البيولوجية : تقتصر على إنجاب الأطفال وتنظيم النسل .
ب- الوظيفة النفسية : حيث تعمل الأسرة على بناء نفسية الأبناء على أسس الإحترام والتقدير والثقة بالنفس والإحساس بالأمان والإستقرار حتى ينضجوا عاطفياً ولا ينجرفوا إلى التيارات التي قد تسبب فسادهم وإنحرافهم.
ج- وظيفة الحماية : تكون الأسرة الملجأ الآمن لأفرادها وتحميهم من أي خطر خارجي يهدد كيانها.
د- الوظيفة الإجتماعية : يقع على الأسرة عاتق تعليم الأبناء ثقافة التعامل مع الآخرين والسلوك والمبادئ وتحمل المسوؤولية الإجتماعية .
ه- الوظيفة التربوية : التي تشمل التربية على الأخلاق والقيم وتنمية مهاراتهم وكل ما يبني مستقبلهم العلمي والشخصي.
و- وظيفة منح المكانة : تكون ذات طابع أسري شرعي حيث ينتسب الأفراد إلى هذه الأسرة التي يؤسسها الأب والأم وتمتد للأولاد حيث يحترم كل فرد حقوق الآخرين ويقوم بواجباته ويكتسب حقوقه .
 ز- وظيفة مادية وإقتصادية : حيث أن الأسرة تسعى لأن تحيا أفرادها عيشة كريمة بتوفير البيت وتأمين التعلّم في المدارس وتوفير الرعاية الصحية والإنفاق على متطلبات الأبناء من مأكل ومشرب وملبس ومصاريف حياتية أخرى .
٥- مراحل نمو الزواج
الزواج مثل الطفل يولد صغيراً وينمو بالرعاية والتربية ويضعف بالإهمال والمعاملة السيئة …. ويقسم على مراحل متعددة (من دون التطرق للأخطار وسلبيات المراحل طالما كان بحثنا عن الأسرة السعيدة .)
أ-المرحلة الأولى وهي مرحلة العاطفة فيها ينتقل الزوجين من حالة العزوبية الى حالة الإلتزام وتحمل المسؤولية وتمتد على أول ثلاث سنوات من الزواج وتسمى السنوات الوردية الحالمة يسودها الإنجذاب والرومانسية .
ب- المرحلة الثانية : بعد ثلاث سنوات من الزواج وهي مرحلة إدراك الحقيقة وإكتساب مهارة إرضاء الشريك الآخر وبدء الإحساس بالإرادة المشتركة والإندماج والتقبل لبعضهما البعض .
ج- المرحلة الثالثة: بعد مرور ست سنوات تأتي مرحلة التمرد والتصادم والتي يحتاج فيها الزوجين الى الوعي والإدراك للوصول إلى حلول ترضي الطرفين .
د- المرحلة الرابعة : بعد عشر سنوات من الزواج تأتي مرحلة التعاون حيث إزدادت أعداد الأفراد في الأسرة ويهتم الأهل بتوفير إحتياجات الأطفال وتلبية رغباتهم وتبدأ مرحلة زواج حقيقية يرتبط بها كل شريك بالآخر ويندمج معه ويسكن إليه ويسانده ويدعمه. .
ه- المرحلة الخامسة :بعد مرور سبعة عشر عاماً يظهر شعور الإحساس بهوية الزواج والولاء للأسرة ويزيد الإهتمام ويعزز الإقتراب والتحمل رغم إختلاف بعض وجهات النظر. .
و- المرحلة السادسة :بعد تجاوز العشرين عاماً تأتي مرحلة لم الشمل وهي من أفضل المراحل الزوجية . تقل الإلتزامات وتترسخ الصداقة والمحبة وإعادة إشعال العواطف بالتقرّب والحب .
ز- المرحلة السابعة : تأتي بعد مرور ٢٥ عاماً على الزواج وهي مرحلة الإكتمال حيث يفهم الزوجين بعضهما بشكل تام ويخيّم الإحساس بالرعاية كل منهما للآخر وتسمو العلاقة الزوجية بالمودة والرحمة ويبذل كل منهما قصارى جهده لإسعاد الآخر وتحقيق رغباته وأمنياته.
٦- الخاتمة
 جعل الله السكينة الأسرية هدفاً يقوم على أساسين هما المودة والرحمة . فالمودة هي الباعثة للإرتباط في بادئ الأمر ، وحين تضعف هذه المودة ويخفت وهجها يأتي دور الرّحمة لتكمل طريق الزوجين فيرحمان بعضهما و بالتالي أطفالهما، ويقضيان حوائجهم ويقومان بواحب العمل على تربيتهم وحراستهم وتغذيتهم وكسوتهم وإيوائهم . ولا يتحقق ذلك الا تحت أجنحة المودة والرحمة والصفاء والإخلاص والصدق والوفاء والتضحية و الصّبر فتشرق أنوار الحب من القلب إلى الحياة فتتغنى المحبة بسحرها وتحتضن بجناحيها الأسرة السعيدة .
وهنا أتذكر جبران خليل جبران عندما قال :
إذا المحبة أومت إليكم … فاتبعوها
إذا المحبة ضمتكم بجناحيها … فأطيعوها
إذا المحبة خاطبتكم …. فصدّقوها
المحبة لا تأخذ الا من ذاتها
المحبة لا تعطي الا من ذاتها
لأن المحبة مكتفية … بالمحبة ….
٧ – المراجع
 ● التربية الأسرية ( دروس في ثقافة التربية الزوجية والأسرية)
الإعداد والإخراج الإلكتروني مركز نون للتأليف والترجمة
نشر جمعية المعارف الإسلامية والثقافية
الطبعة الأولى – بيروت 2013
● سيكولوجية المشكلات الأسرية
الدكتور أحمد عبد اللطيف أبو أسعد
الدكتور سامي محسن الختاتنة
دار المسيرة – للنشر والتوزيع والطباعة
● مشاكل الأسرة وطرق حلها ( مشاكل وحلول )
حبيب الله طاهري
دار الهادي للطباعة والنشر
الطبعة الثانية 2003 بيروت

 

 

 

 

 

اعلان

 

 

 

اعلان

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى