يعد الإرهاب الإلكتروني من أخطر أنواع الإرهاب الفكري في العصر الحاضر، نظرا لإتساع نطاق استخدام التكنولوجيا الحديثة في العالم، لذا من الأهمية بمكان دارسة أسبابه وطرق مكافحته ومصطلح “الإرهاب الإلكتروني”، الذي ظَهر وشاع استخدامه عقب الطفرة الكبيرة التي حققتها تكنولوجيا المعلومات واستخدامات الحواسب الآلية والإنترنت تحديدا في إدارة معظم الأنشطة الحياتية.
ويرى الباحثون أن ما يشرع فيه قراصنة الإلكترونيات من أعمال إرهاب إلكتروني بمثابة حرب إلكترونية دولية، ففي عام 2010 ظهر ما عرف باسم (إعصار ويكيليكس)، إذ تم استغلال شبكة الإنترنت العالمية في تسريب وثائق تحوي معلومات سرية للغاية متداولة بين الإدارة الأمريكية وقنصلياتها الخارجية بدول العالم.
ظاهرة الانحراف الفكري ظاهرة عالمية، لا يكاد يخلو منها مجتمع من المجتمعات، ولا تقتصر على بلد دون آخر، وإن اختلفت صورها وأشكالها ومضامينها.. فالانحراف الفكري لم ينشأ جزافا، ولم يأت من فراغ بل له أسبابه المختلفة، ومعرفة الأسباب التي تؤدي إلى نشوء الانحراف الفكري أمر غاية في الأهمية والحيوية، في ضوئها يمكن تحديد سبل الوقاية والعلاج.
وجاء من ضمن توصيات الباحثين لتحقيق الأمن الفكري للفرد والمجتمع، الدعوة لبناء مرصد علمي متكامل يرصد ما يتعرض للأمن الفكري بالإخلال، ويستطلع الظواهر الفكرية من حيث طبيعتها وتأثيراتها، وذلك من خلال آليات رصد الشبهات المطروحة وجمعها، ووضع الإجراءات العلمية الكفيلة بالرد عليها، ودراسة الظواهر الفكرية الشاذة والغريبة على المجتمع أيا كانت طبيعتها وأيا كان مصدرها، فضلا عن دراسة تراكمية تبدأ من أول نشوء تلك الظواهر، ورصد المداخل العلمية والمنهجية والإعلامية التي يروج الانحراف الفكري من خلالها وصولا إلى المقترحات حيالها.
وكذلك تأسيس قاعدة معلومات حول التعامل مع الفكر بالفكر، ووضع آلية للتواصل بين الجامعات ومراكز التدريب والمؤسسات الفكرية والعلمية، ومواقع الشبكة العالمية، ودراسة الارتباط بين التحولات والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وظواهر الانحراف، ودراسة مظاهر التعاطف مع الأفكار الضالة وأسباب ذلك، وأيضا وضع برامج لاستطلاع الرأي، ومقاييس علمية توضح التأثر والتأثير في المجتمع حيال الأفكار الضالة مع استمرارية التأكيد على دور وأهمية الأمن الفكري ضمن منظومة الأمن الشامل للحفاظ على وحدة وتماسك المجتمع وتنمية الوطن.
ومن هذا المنطلق، أوصى الباحثون بضرورة وأهمية نشر ثقافة حروب الجيل الرابع وما بعده والمسماة بـ”الحروب اللامتماثلة”، والتي يتم استخدامها عن بعد ضد الدول لإفشالها وزعزعة استقرارها وفرض واقع جديد لمواجهته من خلال محاربة تنظيمات محترفة لها خلايا تنتشر وتنشط حول العالم، ومن ثم ضرب المصالح الحيوية للدول الأخرى كالمرافق الاقتصادية، لإضعافها أمام الرأي العام الداخلي، لضرب نفوذها وإجبارها على خوض حرب بالإكراه باستخدام وسائل الإعلام الجديد والتقليدي ومنظمات المجتمع المدني والمعارضة.
جدير بالذكر أن مثل هذه النوعية من الحروب تتسم بالشمولية، حيث تستهدف إسقاط مؤسسات الدولة والمجتمع معا، ولكن مواجهتها ليست مستحيلة، ولعل أنجع الوسائل لمواجهتها، هي تدعيم علاقات أجهزة الدولة بالمجتمعات المحلية، وكذلك تحصين المجتمع بنشر ثقافة تطور الحروب والتعريف بأدوات جواسيس العدو في الداخل والخارج بجانب كسب ولاء وثقة الفئات المستهدفة.
وتعتمد حروب الجيل الرابع وما بعده، في خوضها هذا النوع من الحروب ضد الدول المستهدفة، عناصر أساسية وهي: الإرهاب بكافة أشكاله وصوره، وقاعدة غير وطنية أو متعددة الجنسيات لنشر الفوضى وإسقاط هيبة الدولة، والحرب النفسية المتطورة للغاية من خلال الإعلام ووسائله الجديدة كمواقع التواصل الاجتماعي، واستخدام كل الضعوط المتاحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، وأخيرا استخدام تكتيكات حرب العصابات والتمرد.
وهذا بعينه ما نشاهده في محيطنا العربي، حيث تواجه حربا باستخدام عمليات مركبة تتحالف فيها تقنيات حرب اللاعنف والميليشيات المسلحة، فالأجيال الجديدة من الحروب هي حرب يتم فيها احتلال عقلك لا احتلال أرضك.. وبعد أن يتم احتلالك، ستتكفل أنت بالباقي، ستجد نفسك في ميدان معركة لا تعرف فيها خصمك الحقيقي.
وكشفت دراسة بحثية حديثة لمركز دراسة التهديدات المستقبلية التابع لقوات مشاة البحرية الأمريكية (المارينز) تحت عنوان: (تعريف الحرب الهجينة) أن الحرب اللامتماثلة من الجيل الرابع والخامس تتميز بأنها “حرب هجينة” تدمج مجموعة من أنماط القتال المختلفة، بما في ذلك القدرات التقليدية والتكتيكات والتشكيلات غير المنظمة والأعمال الإرهابية.
ويعني هذا باختصار أن مثل هذه النوعية من الحروب التي تستهدف إسقاط الدولة، وتعد نموذجا عصريا لحرب العصابات يعتمد على كيانات صغيرة يتم تجنيدها وتدريبها على استخدام التكنولوجيا المتقدمة واستخدام السبل الحديثة في حرب المعلومات.