حدث في مثل هذا اليوم نياحة البابا شنودة الثالث،والذي يعد من الشخصيات الأكثر زخمًا في تاريخ مصر الحديث، حيث شاركت العديد من الظروف في تكوين شخصيته، بداية من مرحلة الطفولة الصعبة وصولًا لمحطات أخرى، تأرجح فيها بين كونه ضابطًا وطالبًا وراهبًا.
و البابا شنودة الثالث (وُلِد باسم نظير جيد روفائيل) (3 أغسطس 1923 – 17 مارس 2012)، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية وسائر بلاد المهجر، وهو البابا رقم 117. كان أول أسقف للتعليم المسيحي قبل أن يصبح البابا، وهو رابع أسقف أو مطران يصبح البابا بعد البابا يوحنا التاسع عشر (1928 – 1942) ومكاريوس الثالث (1942 – 1944) ويوساب الثاني (1946 – 1956). وقد كان من الكتّاب أيضًا إلى جانب الوظيفة الدينية العظمى التي يشغلها، وكان ينشر في جريدة الأهرام الحكومية المصرية بصورة منتظمة.
1- مرحلة الطفولة في حياة نظير جيد
ولد البابا الراحل في 23 أغسطس 1923، في إحدى قرى أسيوط، وكان اسمه العلماني نظير جيد، وماتت أمه دون أن يرضع منها، فكان طفلًا وحيدًا ولم يكن له أيضًا أصدقاء أو زملاء.
2- مرحلة الدراسة في حياة البطريرك الراحل
درس البطريرك الراحل في مرحلة ما قبل الابتدائي في أسيوط، ودرس الصفين الثاني والثالث الابتدائي في الإسكندرية، ثم عاد إلى أسيوط في السنة الرابعة، وذهب إلى بنها مع أخيه الأكبر، ومنها إلى القاهرة، ثم التحق بمدرسة الإيمان الثانوية في شبرا.
درس التاريخ في جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة) كلية الآداب قسم التاريخ، وفي السنة الرابعة التحق بالكلية الإكليريكية، كما التحق بكلية الضابط الاحتياط، وروى في فيلم وثائقي عن حياته عنوانه «همسات حب»ن قائلًا «هكذا كنت أدرس بالكليات الثلاث في سنة واحدة».
3- البابا شنودة ضابطًا
التحق البابا شنودة الثالث بالكلية الحربية كمتطوع عام 1947، لكنه لم يُستدع للقتال رغم اندلاع حرب عام 1948 آنذاك، وقال البابا شنودة عن العام الذي قضاه بالكلية الحربية كان له «أثر بالغ في حياته في تعلم الانضباط».
4- مرحلة الخدمة
خدم البابا شنودة الثالث في التربية الكنسية، واجتماعات الخدام، واجتماعات الشباب في العديد من الكنائس والجمعيات، منها كنيسة السيدة العذراء بمهمشة عام 1939، وجمعية النهضة الروحية بشبرا في أوائل الأربعينيات، وخدم في بيت مدارس الأحد القبطي.
عندما صار أسقفًا للتعليم وبعدما أصبح بطريركًا اهتم بخدمة التربية الكنيسة ووضع مناهجها، كما اهتم بخدمة وأنشطة أسقفية الشباب وأسقفية الخدمات، كما اهتم باجتماعات أمناء الخدمة، واجتماعات الأسر الجامعية.
5- مرحلة الرهبنة
في 18/7/1954 ذهب نظير جيد إلى دير السريان وترهبن باسم الراهب أنطونيوس السرياني، وكانت له قلاية منفردة في حصن الدير يطلق عليها (قلاية الكرنك)، وفي عام 1956 اشتاق إلٍى حياة الوحدة واختار لنفسه مغارة في الجبل تبعد 3,5 كم عن الدير.
6- الرسامة قسًا
رسم الراهب انطونيوس قسًا في 31 أغسطس عام 1958 حتى عام 1960، حيث ذهب إلى مغارة في منطقة البحر الفارغ، والتي تبعد نحو 12 كم عن الدير، وتعرف علي الراهب عبد المسيح الحبشي.
7- سكرتيرية البابا كيرلس السادس ودرجة الأسقفية
اختير سكرتيرًا لقداسة البابا كيرلس السادس، وفي 30 سبتمبر 1962 سيم أسقفًا للتعليم. وفي فترة الأسقفية وأيضا في فترة البطريركية ارتبط بحب الرهبنة، ولم يتخل عن حياة الدير وسكونه.
8- بطريركية الكرازة المرقسية
في 31 أكتوبر لعام 1971 احتفلت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بتجليس البابا شنودة الثالث ليكون بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية رقم 117.
ومنذ تجليسه حتى مماته، كان البابا شنودة الثالث راعيًا ومعلمًا، فخرج في 104 رحلات في جميع أنحاء العالم زار فيها 195 زيارة، لـ38 دولة، ودشن الكنائس وتفقد الرعية.
واهتم بالبحث والاطلاع، والتعليم والتأليف، وأسس مركز البابا شنوده الثقافي للتعليم وتكولوجيا المعلومات، وألقى مئات العظات التعليمية في الكلية الإكليريكية وفي الندوات واللقاءات التي كان يُدعى إليها. وظل أمينا في خدمته حتى تنيح في 17 مارس لعام 2012.
وتحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، اليوم الخميس، بالذكرى الـ10 لرحيل البابا شنودة الثالث البطريرك الـ117، ويترأس البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، صلوات القداس الإلهى فى الكاتدرائية المرقسية الكبرى بالعباسية، احتفالا بالذكرى الـ10 لرحيل البابا شنودة الثالث.
عظة الوداع
شهدت العظة الأخيرة لقداسته، والتى ألقيت فى الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، حالة من الهياج بين المصلين الحاضرين، حيث تعالت صيحاتهم غضبا لما كانت تمر به الكنيسة من أحداث، إلا أن البابا استطاع أن يسيطر على الشعب الموجود فى صحن الكنيسة بمزيد من التحمل والحكمة.
وأوضح قداسة البابا شنودة الثالث أن الذكاء لا يجب أن يكون هو العامل الأوحد فى تصرفات الإنسان، بل إن هناك عوامل أيضا تعطل قدرات الإنسان الذكائية، كالتعصب والانفعال، الذى يجعل الشخص يخطئ حال غلبت بعض طباعه الشخصية على ذكائه، وأضاف مثلث الرحمات، أن الطمع قد يدفع الشخص لإهدار كل شىء بسبب قدرته الذكائية، وهدفه بأن يكون دوما هو الأول، مشيرا إلى أن الخبرة هى عامل مهم جدا مع الذكاء، فإن ذلك يضيف للإنسان حياة خبرة فوق حياته، سواء بما احتك به أو بما يستعين به من حياة غيره، وكانت أعداد الجمهور التى كانت تنتظر مجىء البابا للعظة – رغم شائعات مرضه وعدم حضوره – كبيرة جدا، حيث كانوا ينتظرونه فى الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، ليسمعوا صوته فقط، ولكن أيضا ما كان لافتا للنظر هو صوت البابا فى العظة الأخيرة، وشعر البعض بعد انتهاء العظة أنها كانت كلمات البابا الأخيرة بسبب نبرة صوته الهادئة، وكلماته التى ينطقها بصعوبة لشدة ألمه ومرضه، كان يحاول أن يكون صامدا أمام المرض لأجل أحبائه، ولكن كان المرض فى أيامه الأخيرة قد وصل لأسوأ مراحله.
وطنى من الطراز الأول
لعل أبرز مواقفه اتضحت خلال حرب 6 أكتوبر 73، حيث بعث عدة منشورات إلى الجنود على الجبهة، والشعب المصرى ككل فى وقت الحرب، نادت بالدفاع عن أرض الوطن وضرورة الصمود والتكاتف.
صاحب قلم
عمل قداسته لسنوات محررا ثم رئيسا للتحرير فى مجلة «مدارس الأحد» وفى الوقت نفسه كان يتابع دراساته العليا فى علم الآثار القديمة، وكان خادما فى مدارس الأحد، كما كان خادما بجمعية النهضة الروحية التابعة لكنيسة العذراء مريم بمسرة، وطالبا بمدارس الأحد، ثم خادما بكنيسة الأنبا أنطونيوس بشبرا فى منتصف الأربعينيات ورسم راهبا باسم «أنطونيوس السريانى» فى 18 يوليو 1954.
البابا شنودة والإمام الشعراوى
علاقته بكثير من الشيوخ والأئمة كانت قوية جدا، ولعل أبرزها علاقته مع الشيخ الشعراوى، فقد عاش البابا شنودة الثالث قبل وفاته مع الشيخ محمد متولى الشعرواى، رحمه الله، رحلة حياة تمتعت بالمحبة والصداقة وكانت قائمة على التأخى بينهما وبين شعبى مصر وبدأت العلاقة بين الشيخ الشعراوى والبابا شنودة بعد إرسال البابا شنودة وفدا من رجال الكنيسة لزيارة الشيخ الشعراوى أثناء إجرائه عملية جراحية فى لندن، وقدم له هدية عبارة عن «علبة شوكولاتة مع باقة من الورود»، بعدها زاره بنفسه وأوصى الأطباء عليه. ووضع قداسة البابا شنودة الثالث صورة الشيخ الشعراوى فى مكتبه الخاص لكى يصلى من أجل أن يتم الله شفاءه، وأن يعود إلى أرض الوطن بكامل صحته بعد إجرائه عملية جراحية فى لندن، إذ وضع الشموع تحت صورته فى لفتة إنسانية تلفها مشاعر الحب والتقدير، وعندما عاد الشيخ إلى مصر سالما، رأى أن من الواجب أن يزور البابا فى الكاتدرائية، فكان استقبال الشعراوى فى الكاتدرائية استقبالا حافلا، وكان عشرات الأساقفة والكهنة فى انتظاره، وتجمع عدد كبير من الأقباط أمام الباب الخارجى لتحيته أثناء دخوله، فكانت فرحة الجميع بالشيخ ظاهرة على الوجوه، وعلى الرغم من أن هذا اللقاء التاريخى كان مقررا له أن يستمر نصف ساعة فقط، لكنه استمر أكثر من 3 ساعات دون ملل، إذ قال الشعراوى وقتها: «من منح الله لى فى محنتى أنه جعلنى أجلس مع قداسة البابا شنودة».