المقالات والسياسه والادب

الزير سالم أَبُو لَيْلَى اَلْمُهَلْهِلُ عَدِيُّ بْنُ رَبِيْعَةَ بْنِ اَلْحَارِثِ

كتب وجدي نعمان
أَبُو لَيْلَى اَلْمُهَلْهِلُ عَدِيُّ بْنُ رَبِيْعَةَ بْنِ اَلْحَارِثِ اَلتَّغْلِبِيُّ اَلْجُشَمِيُّ (تُوُفِّيَ 94 ق.هـ / 531 م)، شاعرٌ من أبطال العرب في الجاهِليَّة. مِن أهل نَجْد، وهو خال امْرِئِ القيس قيل: لُقِّب مُهَلْهِلًا؛ لأنَّه أول من هَلْهَلَ نَسْجَ الشِّعر، أيْ: رقَّقَه.

وكان مِن أصبح الناس وجهًا، ومِن أفصحهم لسانًا. عَكَفَ في صِباهُ على اللَّهْوِ والتَغَزُّل بالنساء، فسمَّاهُ أخوهُ كُلَيبٌ «زِيرَ النِّساءِ» أيْ: جَلِيسُهُنَّ. ولما قَتَل جَسَّاسُ بْنُ مُرَّةَ كُلَيبًا ثارَ المُهَلهِلُ، فانقطع عن الشراب واللهو، إلىٰ أن يثأر لأخيه، فكانت وقائعُ بَكرٍ وتَغلِبَ، التي دامت سنوات طِوَال، وكانت للمهلهل فيها العجائبُ والأخبارُ الكثيرة.

وكان المهلهلُ القائمَ بحرب البَسوسِ، ورئيسَ تَغلِبَ، فلما كانَ يومُ قِضَّةَ، وهو آخِرُ أيامهم، وكان على تَغلِبَ، أَسَرَ الحارث بن عباد مُهَلهِلًا وهو لا يَعرفُه، فقال له الحارثُ: تَدُلُّني على عَدِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ المُهَلْهِلِ وأنتَ آمن؟ فقال له «المُهَلْهِلُ»: إنْ دَلَلْتُكَ على عَدِيٍّ فأنا آمن وَلِيّ دَمِي؟ قال الحارث: نعم، قال: فأنا عَدِيّ، فَجَزَّ ناصِيَتَهُ وَتَرَكَه.

ثم خرج مهلهل فلحق باليمن، فنزل في جنب، فخطبوا إليه ابنته وقيل أخته فمنعهم، فأجبروه على تزويجها. وكان قد كبر وتقدم في السن وضعف حاله فجاءه أجله بعد مدة غير طويلة، ويقال إن عبدين من عبيد اشتراهما «مهلهل» ليغزوا معه، سئما منه، فلما كانا معه بموضع قفر أجمعا على قتله، فقتلاه، وبذلك انتهت حياته، وحياة حرب
اسمه ونسبه

شجرة عائلة الشخصيات الرئيسية في حرب البسوس
هو: الفارِسُ الشاعرُ البَدَويُّ المُهَلهِلُ عَدِيُّ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ الحارِثِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ جُشَمِ بْنِ بَكْرِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ تَغْلِبَ بْنِ وَائِلِ بْنِ قَاسِطِ بْنِ هِنْبِ بْنِ أَفْصَى بْنِ دُعْمِيِّ بْنِ جَدِيلَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدنانَ.
و قصة الزير سالم الحقيقية لا تُعد من الأساطير الخيالية التي ابتكرتها العقول، ولا تم تأليفها للتسلية، ولكنها قصة حقيقية تداولها الكثير من المؤرخين، ووُجدت الأشعار الخاصة بها في الكتب الأدبية، وكذلك قام النحاة في العصر العباسي بالاعتماد عليها في شواهدهم النحوية، ولكن القصة تعرضت لما تعرضت له قصة أبي زيد الهلالي، عنترة بن شداد، وقصص الشعراء العذريين من (التحريف، الالتباس، التكرار، الزيادة أو النقصان) حتى أن حرب الزير سالم مع ابن عباد الحقيقيه قد تم الخلط بها في العديد من القصص
الزير سالم هو (عدي بن ربيعة) من قبيلة تغلب وأخوه الفارس الشجاع (وائل بن ربيعة) ولقبه كليب الذي قُتل على يد (جساس بن مرة بن ذهل)، وقد تم تلقيب عدي بن ربيعة بالزير بسبب أنه يُجالس النساء كثيرًا، وكذلك كان لقبه بالمُهَلهِل لأنه أول من عمل على ترقيق الشعر وخصصه لرثاء أخاه كليب بعد موته والذي دُفن في وادي الحصى والجندل، وقد كان الشعر قبل الزير عبارة عن مقطوعات صغيرة وأبيات، وبعد وفاة كليب قام الزير برثائه من خلال قصائد طوال حزينة ومنها الآبيات التالية: [1]
أهاجَ قذاءَ عيني الادّكارُ *** هدوءاً فالدموع لها انحدارُ

دعوْتُك يا كليبُ فلمْ تجبني *** وكيف يجيبني البلدُ القِفارُ

أجبني يا كليبُ ـ خلاك ذمٌّ *** لقد فُجِعـــــــتْ بفارسها نزارُ

خذْ العهدَ الأكيدَ عليّ عمري *** بتركي كلّ ما حوت الديارُ

وهجري الغانياتِ وشربَ كأسٍ *** ولبســـــــي جبّةً لا تُستعارُ

ولستُ بخالع درعي وسيفي *** إلى أنْ يخلعَ الليلَ النهارُ

والقصة تدور وتتحدث عن حرب البسوس التي نتج عنها ظهور ما للزير سالم من شجاعة وبطولة، وكانت نتيجتها قيام حرب قاتلة بين قبيلتي بكر وتغلب، وظلت الحرب قائمة إلى ما يقرب من الأربعين عامًا، وفي قصيدة التبع اليماني بعض الأحداث والصفات التي تتعلق بالزير سالم بقوله:

ويأتي الزير أبو ليلـى المهلهـل
فيصلي الحرب في كل البـلادي
ويقـهـر كـل جبـار عـنـيـد
بضرب السيف في يوم الجـلادي

شخصيات قصة الزير سالم
تلك القصة تحمل العديد من الأحداث والشدائد التي لن يتمكن الزمن من مسحها، إذ أنها نشبت بين أولاد العمومة فشتت شملهم، وبدلت أمورهم وفتكت بالكثير من الفوارس الأشداء فسقط عدد لا يمكن إحصاؤه من القتلى، وشخصياتها كانت بيوتهم تقع في أطراف بلاد الشام التي تحكمهما قبيلتان عربيتان وهما بكر وتغلب، وهم:

ربيعة وكان من الملوك العربان.
أخو ربيعة اسمه مُرّة وكذلك كان من الأمراء.
أبناء ربيعة وهم: كليب، وسالم أو (الزير، المهلهل)، ودرعان وغيرهم، ولديه أبنة فقط ذات شكل جميل وطباعها كذلك واسمها ضباع.
أبناء الأمير مُرّة منهم: جسّاس، همّام، وأبنة نبيلة وجميلة اسنها الجليلة.
بداية قصة الزير سالم
لقد كانت بدايتها قبل الهجرة بما يقرب من المائة عام، وترتبط البداية بالأحداث التي تسبقها، حينما أغار ربيعة على الملك الكندي وفاز في معركة السلاة، والذي دفع الكندي إلى الاستعانة بالتبع اليماني للانتصار على الربيعة فقام بإرسال جيش وأسر الربيعة وقتله، فصار لولدي الربيعة ثأر عند التبّع اليماني على الرغم من صغر سنيهما في ذلك الوقت.

أحداث قصة الزير سالم
لقد كان كليب زعيمًا لقبيلة ربيعة، وكان مُحبًا لابنة عمه جليلة كثيرًا، في حين أن والدها زوجها لملك التبَّع الذي قام بإهداء قبيلتها عدد من الصناديق التي يملؤها الذهب، ونتيجة لهذا عزم كليب على جمع شُبان القبيلة واختبأوا في الصناديق الحاملة لأشياء جليلة، وحين وصولهم إلى القصر خرج الشباب من الصناديق وقتلوا الملك في الليل، وقد كان الزير سالم في ذلك الحين طفلًا صغير السن.

وبعد ذلك رجع كليب ومعه جليلة إلى القبيلة وتزوجا بعد فترة، ولكن كان جساس أخو جليلة يشعر بالضيق والحنق من كليب الذي قام بالسطو الكبير، حتى وصل اليوم الذي قامت البسوس (خالة جسّاس) بترك ناقتها مع إبل جساس للرعي، ثم شاهدها كليب وقد كان لا يقوم بالسماح لغير أنسبائه بالرعي في تلك المنطقة، فقام بتوجيه أحد السهام نحوها فأُصيبت بضرعها وماتت، فقال جسّاس لصاحبة الناقة: “اسكتي فإني سأقتل بها علالًا” (وهو إبل كليب)، ومنذ ذلك كانت بداية مراقبة جسّاس وترصده لكليب.

وفاة كليب
وبعد ذلك زاد الحقد من أفعال كليب إلى اليوم الذي قامت فيه مجموعة من النساء بالذهاب إلى موارد المياه وقام كليب بمنعهن، في حين أن معهن عدد من الفرسان لكي يحميهن ومن بينهم جسّاس وعمرو بن الحارث وحدثت مشادات بينهم وبين كليب بعد أن ذكروا قصة ناقة البسوس، فثارت الحمية بدم الجسّاس وقام بطعن كليب، وقد كان طلب كليب الأخير من الجساس شربة مياه عندما كان على وشك الموت.

وأدرك جساس أن فعلته ستشعل نيران الحرب التي لن تنطفئ فذهب إلى أهله وكشف ركبيته، وقص عليهم ما حدث، فتسارع الناس حتى يخبروا الزير الذي دفن أخاه ورثاه لأعوام طويلة وقد اعتقد الناس أنه نسى ثأر أخيه، وبعد أن اطمأن مرّة وأبنائه من هدوء الزير عادوا إلى ديارهم، ليقوم الزير بعد ذلك بمحاربتهم، ومن الابيات التي كتبها كليب للزير سالم:

هديت لك هديه يامهلهل عشر أبيات تفهمها الذكاه.
أول بيت أقوله استغفر الله إله العرش لايعبد سواه.
وثاني بيت أقول الملك لله بسط الأرض و رفع السماء.
وثالث بيت وصي باليتامى و احفظ العهد و لاتنسى سواه.
ورابع بيت أقول الله أكبر على الغدار لاتنسى أذاه.

وخامس بيت جساس غدرني شوف الجرح يعطيك النباه.
وسادس بيت قلت الزير أخي شديد البأس قهار العداه.
وسابع بيت سالم كون رجال لأخذ الثأر لاتعطي وناه.
وثامن بيت بالك لا تخلي لا شيخ كبير و لا فتاة.
وتاسـع بيـت بالـك لا تصـالـح و أن صالحـت شكـوت لـلالـه.
وعاشر بيت أن خالفت قولـي فأنا وياك إلى قاضي القضاه.

وقد كانت تلك الأبيات هي وصية كليب للزير سالم التي تركها له قبل وفاته.

الحرب
وقد حدث بين القبيلتين نتيجة موت كليب العديد من الحروب التي طالت الأطفال، النساء وكذلك الرجال، وقد تفرقت خلالها قبائل بكر ما بين بين مؤيدين ومعارضين، وظلت الحرب قائمة إلى أربعين عامًا، ولم تنتهي الحرب على الرغم من أن الكثير من القبائل تدخلت لانهاء وخمد نيرانها، ومن أشد خمس وقائع حدثت فيها:

يوم الذنائب: والذي قتل فيه همّام بن مرّة.
يوم الواردات.
يوم عنيزة.
يوم القصيبات.
يوم تحلاق اللمم.
نهاية قصة الزير سالم
وقد أصبح الزير ليس هذا الفارس المُحرك للجيوش حتى يأخذوا الثأر بكلمة منه، إذ أن القبائل كانت قد أُنهكت تمامًا ولجأت للصلح، ولكن الزير رجع وأغار على قيس بن ثعلبة، فظفر به عمرو بن مالك وقام بأسره والإحسان إليه، حتى سمعه يقول شعرًا في ابنته عندما كان مخمورًا، فأقسم بعدم سقيه شربة مياه إلى أن يرِد الخضير، (والخضير هو البعير الذي لا يرِد المياه إلا في سابع يوم)، فلم يرد إلا وقد مات الزير بالفعل، وفي رواية أخرى قيل أن الزير مات على يد عبدين ممن تم وضعهم حتى يخدموه خلال سفره، وهكذا كانت نهايته، وقد تم القول بأن موقع قبر الزير سالم الحقيقي يوجد في منطقة (وصاب) الواقعة في نهاية السلسلة الجبلية الطالة على سهول تمامة باليمن.

وقد قام الهجرس ابن كليب وجليلة بقتل خاله جسّاس بضربة رمح في صدره، إذ سيطرت عليه عصبية الجاهلية الداعية للثأر والتي جعلته ينسى صلة الدم مع خاله.
ألقابه وكنيته
لقب عدي بن ربيعة بألقاب عديدة من أشهرها:

الزير
قيل: إن اسمه سالم ولا يعرف لهذا الاسم مصدر والمشهور بين النسابين أن اسمه عدي، كما ذكر في عدة قصائد منها قصيدته الشهيرة وهو في الأسر التي كانت سببا غير مباشر في مقتله والتي قال فيها:

طَـفـَلـة ما ابْنة المجللِ بـيضـاءُ
حوراء الـعـوبٌ لـذيذةٌ في العناقِ
فاذهبي مـا إليك غـير بـعيدٍ
لايؤاتي العـناقَ مـن في الوثاقِ
ضربتْ نحرها إليَّ وقالت
ياعديّاً، لقد وقـتكَ الأواقي
أما تسميته بالزير فقد سماه أخوه كليب (زير النساء) أي جليسهن.

المهلهل
وقد قيل: لقب مهلهلا لأنه كان يلبس ثياباً مهلهلة، وقيل: لقب بسبب قوله:

لما توغل في الكراع هجينهن
هلهلت أثأر مالك أو سنبلا
كما يقال: إنه لقب مهلهلا لأنه هلهل الشعر أي أرقّه وهو من الشعراء الكذبة لبيت قاله وهو:

ولولا الريح أسمع أهل حجرٍ
صليل البيض تقرع بالذكور
قالت فيه ابنة أخيه وهي اليمامة بنت كليب لما قتل:

من مبلغ الحيين أَنّ مُهلهلا
أَضحى قتيلاً في الفلاة مُجندَّلا
وفي رواية أخرى أنه لما عاد العبدين إلى ابن أخيه الجرو وأخته اليمامة، قالا لهما أن عمهما قال أنشدهما هذا البيت:

من مبلغ الحيين أَنّ مُهلهلا
لله دركما ودر أبيكما
فلم يفهم الجرو مغزى البيتين فنادى اليمامة فلما قال لها العبدان البيتين صاحت وقالت عمي لا يقول أبياتاً ناقصة وإنما أراد أن يقول لنا:

من مبلغ الحيين أن مهلهلا
أضحى قتيلاً في الفلآة مجندلا
لله دركما ودر أبـيــكما
لا يبرح العبدان حتى يقتـلا
أبو ليلى
وهي كنيته وذلك لأنه لم يكن له أولاد ذكور بل فتلقب بأكبر بناته وهي ابنته ليلى وله ابنة أخرى يقال لها عبيدة، وقد زوج ليلى لكلثوم بن مالك التغلبي فولدت له عمرو بن كلثوم بن مالك صاحب المعلّقة الشهيرة وزوج عبيدة لمعاوية بن عمرو بن معاوية الجنبي المذحجي فأنجبت له بني عبيدة. وقد اختلف الرواة في أسماء بناته مع اتفاقهم على أنه لم يكن له من الذرية إلا ابنتان فقالوا ليلى وعبيدة وقالوا هند وعبيدة وقالوا سلمى وسليمى.

أشعاره
كانت أشعار المهلهل هي وسيلة من وسائل الإثارة على الأخذ بالثأر، فقد كان يقيم لأخيه مناحة دائمة في شعره حتى تبقى الفجيعة به حية نابضة يشعر بها أفراد قبيلته كما يشعر بها هو نفسه، ومعظم القصائد التي رثا بها أخاه يصف فيها دموعه وعيونه المتقرحة ويكرر نداءه لأخيه ويذكر مآثره وكرمه وشجاعته، ومن أبرز أبيات شعره ما يلي:

خليلي لما الكل للدهر مني عواذل
ألأنني كنت أنا لو كان ثمة كامل
نعى النعاة كليبًا لي فقلت لهم
مادت بِنا الأرض أم مادت رواسيها
كليب لا خير في الدنيا ومن فيها
إن أنت خليتها في من يخليها
وقال أيضاً:

إِنَّ في الصَدرِ مِن كُلَيبِ شُجوناً
هاجِساتٍ نَكَأنَ مِنهُ الجِراحا
أَنكَرَتني حَليلَتي إِذ رَأَتني
كاسِفَ اللَونِ لا أُطيقُ المُزاحا
وَلَقَد كُنتُ إِذ أُرَجِّلُ رَأسي
ما أُبالي الإِفسادَ وَالإِصلاحا
بِئسَ مَن عاشَ في الحَياةِ شَقِيّاً
كاسِفَ اللَونِ هائِماً مُلتاحا
يا خَليلَيَّ نادِنا لي كُلَيباً
وَاِعلَما أَنَّهُ مُلاقٍ كِفاحا
يا خَليلَيَّ نادِنا لي كُلَيباً
ثُمَّ قولا لَهُ نَعِمتَ صَباحا
يا خَليلَيَّ نادِنا لي كُلَيباً
قَبلَ أَن تُبصِرَ العُيونَ الصَباحا
لَم نَرَ الناسَ مِثلَنا يَومَ سِرنا
نَسلُبُ المُلكَ غُدوَةً وَرَواحا
وَضَرَبنا بِمُرهَفاتٍ عِتاقٍ
تَترُكُ الهُدمَ فَوقَهُنَّ صُياحا
تَرَكَ الدارَ ضَيفُنا وَتَوَلّى
عَذَرَ اللَهَ ضَيفَنا يَومَ راحا
ذَهَبَ الدَهرُ بِالسَماحَةِ مِنّا
يا أَذى الدَهرِ كَيفَ تَرضى الجِماحا
وَيحَ أُمّي وَوَيحَها لِقَتيلٍ
مِن بَني تَغلِبٍ وَوَيحاً وَواحا
يا قَتيلاً نَماهُ فَرعُ كَريمٌ
فَقدُهُ قَد أَشابَ مِنّي المِساحا
كَيفَ أَسلوا عَنِ البُكاءِ وَقَومي
قَد تَفانَوا فَكَيفَ أَرجو الفَلاحا
و له أيضاً:

أليلتنا بذي حسم أنيري
إذا أنت أنقضيت فلا تحوري
وأما القصيدة التي تبدأ ب (يقول الزير أبو ليلى المهلهل وقلب الزير قاسي لا يلينا) فهذه من الروايات الشعبية التي تم تأليفها في العصر العثماني، لأن القصيدة ليست على النظام العروضي ل الفراهيدي، فهي ليست من تأليف مهلهل، بل تنتمي إلى الشعر النبطي الحديث، وهي:

يقول الزير أبو ليلى المهلهل
وقلب الزير قاسي مايلينا
وإن لان الحديد ما لان قلبي
وقلبي من الحديد القاسيينا
تريدي يا أميمة أن أصالح
وما تدري بما فعلوه فينا
فسبع سنين قد مرت علي
أبيت الليل مغموما حزينا
أبيت الليل أنعي في كليب
أقول لعله يأتي إلينا
كأن كليب في قبره وحشا
وتخشاه الذئاب الجائعينا
أتتني بناته تبكي وتنعي
تقول اليوم صرنا حائرينا
فقد غابت عيون أخيك عنا
وخلانا يتامى قاصرينا
وأنت اليوم يا عمي مكانه
وليس لنا بغيرك من معينا
سللت السيف في وجه اليمامة
وقلت لها أمام الحاضرينا
وقلت لها ويحك ما تقولي
أنا عمك حماة الخائفينا
كمثل السبع في صدمات قوم
أقلبهم شمالا مع يمينا
فدوسي يايمامة فوق رأسي
على شاشي إذا كنا نسينا
فإن دارت رحانا مع رحاهم
طحناهم وكنا الطاحنينا
أقاتلهم على ظهر المطهم
أبو حجلان مطلق اليدينا
فشدي يايمامة المهر شدي
وأكسي ظهره السرج المتينا
مقتل كليب مضرم الحرب ازدادت الأحقاد بفعل سطوة كليب وأفعاله حتى بلغ السيل الزبى يوم خرجت مجموعة من النساء لموارد الماء فمنعهن عنها كليب، وكان معهن مجموعة من الفرسان لحمايتهن، وكان منهم جسّاس وعمرو بن الحارث اللذان تلاسنا مع كليب بعد أن استذكرا قصة ناقة البسوس مما أثار الحمية في دم الجسّاس ودفعه لطعن كليب، فطلب كليب من الجساس شربة ماء وهو يعاني سكرات الموت، ليترجل عمرو بن الحارث عن حصانه ويجهز عليه. علم جسّاس أن ما قام به أمرٌ جلل سيضرم نيران حرب لن يطفئها هيِّن فجاء أهله وكشف عن ركبيته، وأخبرهم بما فعل، فتسابق الناس بالأخبار لإيصالها لهمام ونديمه الزير الذي قام بدفن أخيه ورثائه لسنواتٍ طوال ظن الناس فيها أنه نسي ثأره، إلى أن أَمِن مرّة وبنوه غضب الزير فرجعوا إلى الديار، لينتبه الزير بعدها للحرب ويجمع حوله من عرف من فرسان، ويشمّر عن ذراعيه، فجزّ شعره وقصّر ثوبه وحلف ألأ يذوق خمراً، أو يدهن بدهن، أو يشمَ طيباً قبل أن يأخذ بثأره. ويلات الحرب خاضت القبيلتان على إثر مقتل كليب حروباً عدة عانت فيها النساء والأطفال وحتى الرجال من الويلات ما لا يعدّ ولا يحصى، حيث انقسمت فيها قبائل بكر بين مؤيد ومعارض، وقد استمرت هذه الحرب أربعين سنة دارت فيها وقائع عدة توقظها الشحناء والبغضاء، ويضرمها لقاء البكري بالتغلبي، وكان من أبرز تلك الوقعات خمسة؛ هنَّ: يوم الذنائب -وفيه قتل همّام بن مرّة- ويوم الواردات، ويوم عنيزة، ويوم القصيبات، ويوم تحلاق اللمم، ولم تنتهي فيهن الحرب رغم تدخل الكثير من القبائل لإطفاء نارها. نهاية القصة لم يعد المهلهل ذلك الفارس المغوار الذي يحرّك جيوشاً ويحرضهم على الأخذ بالثأر بكلمة منه، خاصة وأن القبائل كانت قد أنهكتها الحرب فلجأت إلى الصلح، إلا أنَّ المهلهل عاد ونقضه عندما أغار على قيس بن ثعلبة، فظفر به عمرو بن مالك فأسره وأحسن إليه، إلى أن سمعه يردد شعراً في بنته مرةً وهو مخمور، فأقسم ألأ يسقيه من الماء شربة حتى يرِد الخضير، والخضير بعيرٌ لا يرِد الماء إلا في اليوم السابع، فلم يرد إلا وقد هلك المهلهل بالفعل، ويشار في رواية أخرى إلى أنّ الزير لقي مصرعه على يد اثنين من عبيده اللذين كانا قد وُضعا لخدمته أثناء سفرهما معه، فكانت بذلك نهاية من أفنى عمره في طلب الثأر وتتبُّع طريق الموت حتى طاله. أمَا جسّاس فقد قُتل على يد الهجرس ابن كليب من زوجته جليلة في ضربة رمح غُرِز في صدره فخرج من ظهره، بعد أن تمكَنت من الشاب عصبية الجاهلية التي تدعو إلى الثأر حتى أنسته رابطة الدم التي تجمعه بخاله.

مقالات ذات صلة