المقالات والسياسه والادب

العاشر من رمضان شهر الانتصارات وأعظم الفتوحات

كتب وجدي نعمان

رمضان شهر البركة والخير والرحمة، وهو أيضاً شهر الانتصارات قديماً وحديثاً، نعم، بطولات وفتوحات كبيرة في تاريخ أمتنا الإسلامية، قدَّر الله لها أن تكون في رمضان.

وفي تاريخ مصر أيام لا تنسى، منها العاشر من رمضان عام (1393هـ) الموافق السادس من أكتوبر (1973م)، والذي تمكنت فيه القوات المصرية من عبور قناة السويس ـ التي كانت توصف بأنها أصعب مانع مائي في العالم ـ، وتحطيم أكبر ساتر ترابي ألا وهو خط بارليف الذي كان جبلا من الرمال والأتربة، ويمتد بطول قناة السويس في نحو (160) كيلو متر من بورسعيد شمالاً وحتى السويس جنوباً، ويتركز على الضفة الشرقية للقناة، وهذا الجبل الترابي ـ الذي كانت تفتخر به القيادة الإسرائيلية لمناعته وشدته ـ كان من أكبر العقبات التي واجهت القوات الحربية المصرية في عملية العبور والانتصار. وقد اعتبر المؤرخون المعاصرون هذا الحدث أول انتصار عسكري للمسلمين والعرب في العصر الحديث على اليهود ـ إسرائيل ـ الذي شفى الله به صدور قوم مؤمنين، وأذهب غيظ قلوبهم.

لقد خاض الجيش المصري البطل تلك المعركة وهو يعلم أنها معركة مصير، لأن هزيمة الجيش المصري فيها لو حدثت فإنه يعني سيادة إسرائيل على المنطقة كلها، وذلك لأن مصر كانت قد انكسرت قبلها بست سنوات انكساراً شديداً بهزيمة يونيو (1967م)، التي أتاحت للعدو الصهيوني أن يقدم نفسه للعالم كسيد وحيد، وأن جيشه هو الجيش الذي لا يُقهر، وظل بالفعل يعربد في أجواء مصر طوال سنوات ما عُرِفَ بحرب الاستنزاف.

إن الجندي المصري في حرب (1973م) هو نفسه في حرب (1967م) من حيث الشكل والمظهر، ولكنه يختلف من حيث الباطن والجوهر، فالإنسان يُقاد ويتغير من داخله لا من خارجه، ولا يقود الناس في بلادنا شيء مثل الإيمان بالله عز وجل، ولا يحركهم مثل الجهاد في سبيل الله، فإذا حركته بـ (لا إله إلا الله والله أكبر)، وقلت: يا ريح الجنة هبي، وذكَّرتَه بالله ورسوله، وسيرة الأبطال العظام: خالد وأبي عبيدة وسعد وطارق وصلاح الدين وقطز وعمر المختار، فقد خاطبت قلبه ونفسه، وأوقدت جذوته، وحركت وبعثت عزيمته، وهنا لا يقف أمامه شيء، إنه يصنع البطولات، ويتخطى المستحيلات، لأنه باسم الله يتحرك، وعلى الله يتوكل، ومن الله يستمد عونه وانتصاره: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} (الطلاق:3)، {وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم(آل عمران:126)، {إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون(آل عمران:160).

لقد أنهت حرب العاشر من رمضان أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر، وكانت بداية الانكسار للعسكرية الإسرائيلية، ومن ثم سيظل هذا اليوم العظيم ـ العاشر من رمضان (1393هـ) السادس من أكتوبر (1973م) ـ مصدر مجد وفخر يحيط بقامة العسكرية المصرية على مر التاريخ، ويظل وساماً على صدر كل مسلم وعربي، كما نرجو أن يكون شفيعاً للشهداء الأبرار الذين ضحوا بأرواحهم ودمائهم لله تعالى، من أجل أن تعيش أمتنا تنعم بالعزة والكرامة، فطوبى للشهداء، قال الله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون} (آل عمران:169).

و  حرب العاشر من رمضان التى كانت فى عام 1973م، وانتصر فيها المصريون على العدو الإسرائيلي، وعادت سيناء الحبيبة إلى حضن الوطن.

ويؤكد العلماء أن رمضان هو شهر الانتصارات، وأعظم الفتوحات كان فى شهر رمضان، حيث يعد هذا الشهر ميدانا كبيرا لانتصارات المسلمين على الأعداء، كما أن الإيمان بالله وحسن التخطيط وروح الفريق الواحد من أهم عوامل النصر فى هذه المعركة، إلى جانب التخطيط الجيد من قبل قادة القوات المسلحة والاستعداد التام، إلى جانب وقوف الشعب وراء جيشه، قلبا وقالبا.

ويرى الدكتور محمد عبده نور، أستاذ التاريخ الإسلامى، بجامعة الأزهر، أن حرب أكتوبر كانت فى شهر عظيم ارتبط بالروحانيات العالية، ومن هنا كان النصر، وسطر المصريون بإيمانهم بالله وتوكلهم عليه وحسن التخطيط الجيد، حربا يتم تدريسها فى أغلب دول العالم، لدقة التنفيذ الميداني، وقدمت نماذج بطولات فريدة فى ساحة المعركة.

ويضيف: كانت هناك تضحيات، رواها لنا هؤلاء الأبطال بأنفسهم، بالإضافة إلى هذا كانت هناك روح الفريق الواحد، ولذا صاحبهم الله بعنايته وقدرته فأعزهم بهذا النصر العظيم، وكان النصر حليفنا لعدة أسباب منها: الإيمان بالله وحسن التوكل عليه، وثانيا، عبقرية التخطيط الاستراتيجي، بكل أبعاده المختلفة، سواء على المستوى السياسى أو العسكرى أو الاقتصادى أو الإعلامي، هذا بالإضافة إلى الصبر والثبات، وهذا فى قوله تعالي: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ»، وقوله تعالي:«وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِى سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاتُظْلَمُونَ»

ثبات فى المعارك

ويوضح، أنه قد سبقنا المسلمون الأوائل فى كثير من المعارك، فكان الثبات فى المعركة وذكر الله كثيرا بالنداء الخالد شعار المسلمين فى معاركهم، بل وفى سائر أمورهم: «الله أكبر»، كما كان بالأمس البعيد، عندما هزم المسلمون اليهود فى خيبر، وكبر النبى ثلاثا معلنا خراب خيبرهم: (اللَّهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرِينَ) قالها ثلاثا. وكان الإعداد لهذه المواجهة العسكرية، وهو ما يمثل الأخذ بالأسباب، من حسن التوكل على الله، كذلك، فى بدر، حينما نفذ المسلمون ما جاءهم بقول الله تعالي: (وأعدوا لهم…)، وحينما علمهم النبي، أحاديثه الشريفة، وذلك فى قوله صلى الله عليه وسلم: (وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا )، وقوله صلى الله عليه وسلم: (يا أيها النَّاسُ، لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوِّ، وَسَلُوا اللَّهَ العَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الجَنَّةَ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ)، ثُمَّ قَالَ: (اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الأَحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ)

ويشير، إلى أن الصبر والثبات، جاء فى العصر الحديث فى هذه الحرب المجيدة، والدليل على ذلك، أن الحرب تم تحديدها وارتباطها بهذا الشهر، فكان تحديد الوقت، عنصرا مهما لرفع معنويات المقاتلين، بعد الإعداد الجيد وعلمهم بأن الله ينصر من يتقرب إليه، فى قوله تعالي: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز), وقوله: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)، وقوله تعالي: (أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)، فالصبر والثبات من أهم أسباب النصر، التى علمها الإسلام للمؤمنين، وقد جسدهما الجيش المصرى فى ميدان معركة العاشر من رمضان على أحسن صورة فى العصر الحديث.

ويضيف، لا ننسى أن قادة الجيش المصرى فى هذه الحرب شهد لهم الجميع بقدراتهم، وإيمانهم بالله، وكان متأصلا فى قلوبهم حب الوطن والأرض والحفاظ على العرض، والتفافهم وحب الشعب لهم، فكانوا من ورائهم، وكانوا يثقون فى نصر الله لهم، وقدرته على ذلك، لأن القادة زرعوا بينهم أنها حرب استرداد الكرامة والشرف، واسترداد الأرض.

ويؤكد الدكتور وجيه محمود، أستاذ الدراسات الإسلامية، بجامعة المنيا، أن رمضان هو شهر الانتصارات، لأن الحالة الإيمانية تكون مرتفعة، فيكون المؤمن فى أفضل حالاته مع الله، فالشياطين مصفدة، والأهواء مقيدة، والنفس فى حالة طهارة، والرحمات من الله كثيرة، فهو شهر الخير والبركة، وتضييق سبل الشر والفساد، ولذا كان رمضان ميدانا لانتصارات المسلمين على الأعداء.

ويتابع أن من أهم المعارك التى حدثت فى شهر رمضان، معركة بدر، فى السنة الثانية الهجرية، وفتح المسلمين لمكة، وفتح البويب، وكبح جماح الفرس عام 13 هجرية، وفتح الأندلس، وفتح عمورية، وانتصار صلاح الدين فى معركة حطين، والانتصار على المغول، وفتح قبرص، وأخيرا، انتصار مصر على إسرائيل فى العاشر من رمضان، وهذا من أجمل الذكريات التى نتحدث عنها..

الاستعداد المتكامل

وأكد العميد خالد عكاشة، الخبير الأمني، أن من أهم أسباب النصر فى معركة العاشر من رمضان، وقوف الشعب خلف جيشه والاستعداد المتكامل، حيث إن الخطة التى وضعها رجال أقوياء وعرفت بـ«خطة الخداع الاستراتيجي»، كانت تمثل الإجراءات الأساسية التى تعدها دولة أو قوى معينة قبل القيام بهجوم مرتقب منها على العدو، وذلك لتضليل هذا العدو، من خلال أجهزته المختلفة وخاصة رجال المخابرات الحربية، عن التقدير الصحيح لقوة واستعداد وتخطيط تلك الدولة أو القوى المهاجمة؛ مما يحدث أثرا كبيرا لصالح القوى المهاجمة، وضد العدو المستهدف.

ويوضح أن تلك الخطة، تقوم فى أحد أبعادها، على صرف نظر العدو عن الاهتمامات الإستراتيجية والإعدادات التكتيكية الخاصة بالحرب بالنسبة للدولة المهاجمة، وإيهام العدو باهتمامات أخرى لا تتسق مع توجه الدولة للحرب أو مهاجمة العدو، وقد تشمل إجراءات خطة الخداع الإستراتيجى معظم الأبعاد الخاصة أو ذات الصلة بالإعداد والهجوم، السياسية والاقتصادية والإعلامية.

وتعتبر هذه الخطة، هى الأساس الداعم والمكمل لخطة الهجوم العسكري، وأثرها يتركز على عدم، أو ضعف استعداد العدو للهجوم المرتقب ضده، مما يجعل بداية الهجوم، على الأقل فى صالح الدولة المهاجمة، وعادةً ما تكون هذه المرحلة حاسمة فى إرباك العدو وعدم تحكمه فى إدارة المعركة بالوضع المناسب له.

ويضيف أن هذه الخطة أعدت بعناية فائقة وتم تنفيذها بدقة بالغة، وقد بدأت (خطة الخداع الاستراتيجي)عندما عينت القيادة السياسية المشير أحمد إسماعيل رئيسا لجهاز المخابرات العامة فى (مايو 1971م)، وكلفت المخابرات بإعداد (خطة الخداع الإستراتيجى)بدأها المشير على الفور فى رسم وتنفيذ هذه الخطة، وكان التنسيق مشتركا مع جهاز المخابرات الحربية وهيئة العمليات بالقوات المسلحة. وفى أوائل يوليو 1972 عقد الرئيس السادات اجتماعات فى مقر المخابرات العامة لبحث الشكل الأولى لـ «خطة الخداع الإستراتيجى»، واعتمدت الخطة الإستراتيجية على المزج بين جهود كل الأجهزة التنفيذية لمصر، وفى مقدمتها وزارات الحربية والخارجية والإعلام، قبل البدء فى العمليات العسكرية بنحو ستة أشهر، وكان المقصود تحقيق هدفين: أولهما إخفاء الاستعداد العسكرى المصرى للقيام بالهجوم، والعمل على استشعار العدو للعكس، والثاني، حجب بدء موعد الهجوم المصرى السورى لتحقيق مبدأ المفاجأة، وما يترتب عليه من ارتباك العدو وعدم إجهاض الاستعدادات المصرية والسورية..

مقالات ذات صلة