العنكبوت والصياد – قصة قصيرة المهندس عزام حدبا
ماذا اخبرك عني يا صديقي الصياد؟؟ الحياة قبلك كانت مملة الى درجة الغثيان.. كنت اعاني من روتين مدمر.. وحدة قاتلة..
وبقدومك تغيرت كل حياتي.. فقد تعلمت منك الكثير.. والأهم من ذلك اني امتلكت اخيرا سميرا يؤنس حياتي البائسة.. باختصار أشعر اني ولدت من جديد..
لا تسألني يا صديقي من هم اهلي فأنا لا اتذكر.. لا اتذكر الكثير عن طفولتي البائسة.. اقدم حادثة
اتذكرها حينما كنت طفلا وهجمت علي حشرة عملاقة كادت ان
تلتهمني لولا ان اختبئت منها ببراعة
في جحر صغير لم تستطع الدخول اليه.. وعندها تعلمت شيئا مهما.. كي تعيش في هذه الحياة القاسية عليك ان تدافع عن نفسك..ومن
حسن حظنا ان الطبيعة امدتنا- نحن معشر العناكب- بسلاح عجيب فتاك.. خيوط العنكبوت.. امتن الخيوط على الاطلاق.. واكثرها م
. وهكذا تحولت من طريدة الى صياد.. صرت مثلك يا صديقي..
بدأت حياتي كصياد بشبكة صغيرة متواضعة غزلتها بصعوبة.. كانت فوضوية الى حد كبير .. لم يكن هناك من يعلمني.. لم يكن هناك من حافز يحثني على الاتقان.. كنت التقط فيها البعوض المزعج الذي يلتصق بها بمجرد محاولة عبورها.. وكلما حاولت واحدة منهن ان تقاوم كان الوثاق يشتد عليها أكثر فأكثر.. ولا يستغرق الأمر في العادة أكثر من دقائق حتى تيأس المسكينة وتستسلم لقدرها المحتوم.. كنت اترك ضحاياي حتى المساء في العادة حتى تتخمر.. لكن يحدث أحيانا أن اكون جائعا فالتهمها على الفور متجنبا النظر في عينيها ان كانت ما زالت حية.. لست متوحشا الى هذا الحد.. وهكذا ظلت حياتي ردحا طويلا على هذا المنوال إلى أن التقيتك..
لا أخفي عنك اني تضايقت منك حينما جئت الى هذا الكوخ.. لا تعتب علي فالعنكبوت عدو ما يجهل.. كنت معتادا على الوحدة زمنا طويلا.. وكنت تؤرق روتيني اليومي بالضجيج.. اعتبرتك لأول وهلة محتلا لمنزلي.. وفكرت بعدة طرق كي ازعجك واجبرك على الرحيل.. نعم انا آسف.. انا كنت مسؤولا عن اللدغات اليومية التي كنت تراها في وجهك كل صباح.. فقد كنت اتسلل ليلا والدغك في كل مكان تتاح لي الفرصة أن أصل اليه.. وانا الآن نادم على فعلتي وأطلب منك السماح.. واعرف أن قلبك كبير وستسامحني.. اعترف كذلك اني كنت أحرر بعض البعوض من شباكي كي تزعجك بطنينها وبلدغاتها.. لكن للأمانة لم اكن يوما التهم اي بعوضة لدغتك وامتصت دمك.. لم اكن سفاحا لهذا الحد.. ولم استسغ يوما دم البشر..
مر شهر كامل وأنا على هذا المنوال.. لاحظت فيه انك كنت تقابل اذاي بالصبر وإساءتي بالمغفرة.. تغيرت نظرتي اليك ولم اعد اراك محتلا بل صرت أراك ضيفا ثقيلا فحسب وصرت أعد الأيام لرحيلك.. لكنك لم ترحل.. قررت يومها ان انظر الى النصف الملآن من الكوب.. وأن أنظر الى ايجابيات وجودك معي وأحاول التكيف.. فالأرض كما تعرف واسعة والموارد تكفي الجميع.. خاصة في غياب اي نوع من انواع المنافسة فلا أنا آكل السمك ولا أنت تأكل البعوض..
وهكذا بت أراقبك من فوق.. من السقف.. والناظر من فوق يرى الامور بشمولية أكبر.. راقبتك وانت تعد شبكتك للصيد وكنت مشدوها أن رأيتك تضع الاسماك الصغيرة التي اصطدتها في اليوم السابق في شبكتك.. ما هذا الغباء تساءلت في سري ؟؟؟ وحمدت ربي على نعمة العقل..
لكن في اليوم نفسه رأيتك تعود الى المنزل بسمك كبير لم اشاهده معك من قبل فأيقنت عندها انك ما تركت السمك الصغير في شباكك اهمالا لقيمته انما طمعا في سمك أكبر منه وفهمت أن هذا السمك الصغير لم يكن الا طعما للسمك الأكبر منه.. تعلمت منك قاعدة اخرى عن الحياة كنت اجهلها سابقا.. وهي ان عليك ان تضحي احيانا بالرخيص لتكسب الغالي وهذه قاعدة جديدة علينا نحن معشر الحشرات.. فنحن لم نتقن التضحية من قبل.. والاهم من ذلك كله اني بدأت ارى التشابه بيننا على رغم اختلاف الاحجام.. وعذرا لا تفهمني خطأ.. لا ارى في ضخامة حجمك عيبا كبيرا.. او بالأحرى لم أعد أراه الآن.. فقد كنت عنصريا فيما مضى وبدأت اتغير الآن..
التشابه بيننا يا صديقي كبير الى حد كبير.. فأنت صياد وانا صياد.. وكلانا يستعمل شبكة.. لكن أنت تتقن عملك اكثر مني لذا حاولت ان اتعلم منك.. دمرت شبكتي الفوضوية وأعدت غزلها بطريقة هندسية رائعة تشبه شبكتك.. ولا ادعي اني وصلت لنفس درجة اتقانك لكن حاولت قدر المستطاع ان اقتدي بك.. وبدأت مثلك اترك بعض البعوض طعما لحشرات اكبر في شبكتي.. وكم كان فرحي عظيما حينما نجحت طريقتي هذه في اجتذاب حشرات لم اذق طعمها من قبل..
وها اني أراك اليوم تعد العدة لزفافك.. لا أقول أن الموضوع سهل علي.. لقد عشنا لفترة طويلة سوية أنا وانت ولم يكن لي شريك فيك.. والآن الوضع سيتغير.. اعترف لك اني سأغار قليلا.. لكن هذه سنة الحياة.. والحب الحقيقي لا يكون بالتملك انما بالرغبة باسعاد الآخر.. وأنا أريد سعادتك… وقبل أن انسى.. أريد أن اطمئنك.. لن اتجسس عليكما في الليل بل سآوي الى شبكتي باكرا قبل أن تأوي مع زوجتك الى الفراش.. اتفهم انكم مختلفون عنا.. وتحتاجون لكثير من الخصوصية في اللحظات الحميمة.. آسف مرة أخرى وشكرا لك ألف مرة والف مبروك..
——————
هزت زوجة الصياد كتف زوجها الراقد في السرير بلطف وقال: زوجي العزيز.. ألن تذهب للصيد؟ لقد تأخر الوقت..
– لن أذهب اليوم للعمل.. قال الزوج وهو نصف نائم.. أخذت اجازة بمناسبة شهر العسل..
– السقف متسخ كما ترى.. لم لم تنظفه من خيوط العنكبوت؟؟ سألت الزوجة
فرك الصياد عينيه من النوم قبل أن ينظر للسقف وقال: هااا.. خيوط عنبكوت.. أين هي ؟؟ لا أرى شيئا..
– لا مشكلة.. قالت هذا وضربت بيت العنكبوت بمكنستها وقالت: لم يعد موجودا الآن..
الصياد: تمام.. هل تسمحين لي ان اعود للنوم؟؟
هزت زوجة الصياد رأسها وتمتمت: صدقت يأ اماه.. معشر الرجال.. لا يعرفون شيئا عن النظافة والترتيب.. ثم أردفت وقالت: وفوق ذلك كسالى..
———————–
من وحي
ماذا ﻟﻮ ﻛﺎﻥ العنكبوت ﺍﻟﺬﻱ ﻗﺘﻠﺘﻪ ﻓﻲ غرفتك، ﻳﻈﻦ ﻃﻮﺍﻝ ﺣﻴﺎﺗﻪ أنك ﺭﻓﻴﻘﻪ ﻓﻲ السكن!” ( دوستويفسكي)