المدربة أمل محمد حيدر
في ظلِّ الجائحةِ العالميّةِ، اكتشفنا أنّ هناكَ الكثيرَ من الأوبئةِ التي كُنّا نتعايشُ معها بٍخَفاء. فالأنانيّة ها هِيَ تتجلّى على جميعِ معالمِ الإنسانيّة.
فالقطاعُ الخاصُّ فتحَ فاهُ ليبتلعَ ما تبقّى من نفسيّةٍ مهترئةٍ لدى عمّالهِ: إجازاتٌ مٌنِعَتْ، وتهديدٌ صارخٌ بينَ الطَّردِ والحَسمِ. ومن حالفهُ الحظُّ نالَ
جزءًا بسيطًا من حقِّهِ.
ارتفاعٌ للأسعارِ، احتكارٌ للموادِّ الغِذائيّةِ وقرصنةٌ فكريَّةٌ وتعنُّتٌ أخلاقِيٌّ وإرهابٌ نَفسِيٌّ، أسعارُ موادٍّ أساسيَّةٍ أصبحتْ كما سعرُ الألماس.
العالمُ اليومَ يشهدُ على هشاشةِ النِّظامِ الإنسانِيِّ وعلى جفافِ ما بَقِيَ مِنْ مُرتكزاتٍ أخلاقِيّة.
دُوَلٌ نادَتْ وصدحتْ بِالحُرّيَّةِ الماليَّةِ، وصرختْ بحقوقِ الانسانِ اليومَ تتَّخذُ قرارًا بقتلِ روحٍ ورفعِ العلاجِ عنها لأنَّ هُناكَ أولويّاتٍ بالعلاجِ
للشّابِّ وتركِ المُتَوحِّدِ والمُسِنِّ يلقى حَتفَهُ…
وأنظمةٌ أُخرى قرصنتْ بواخرًا تحملُ مساعداتٍ تتَّجهُ لدُوَلٍ أُخرى، وهُنا نجد رجلًا خابتْ رجولتُهُ فاستبدَلَ قوامَتَهُ بِعُنفٍ لفظِيٍّ وكلامِيٍّ على
أُسرَتِهِ، وهو الذي فقدَ توازنهُ حينَ يجبُ أنْ يتحلّى بِهِ، وهناكَ امرأةٌ اكتشفتْ أنَّهُ بينَها وبينَ أطفالِها مسافاتُ سنينٍ ضوئيّةٍ، فما إن اجتمعت
بهم لأيّامٍ معدودةٍ، حتّى علتْ صرختُها: أنّ أطفالها ليسوا نفسهم ما عهدتهم، والحقيقةُ أنَّها كانت من البداية لا تعرفُهُم.
ولم تقف “الكورونا” هنا حتّى كشفتْ دورَ المُعَلِّمِ المَظلوم في غالبِيّةِ دُوَلِ العالم، فلا الأُمُّ ولا الأبُ استطاعا أن يتحمَّلا عبءَ شرحِ مهارةٍ
واحدةٍ لِابنِهِم الذي أصبح ضحيّة وهمِ “الإمتحان” ورُعب “العلامات” في ظل أنظمة تعليمية-تربوية متعفنة.
كما وضربَ هذا الفيروسُ الهالاتِ المجتمعيّة وبدأ العالمُ يدورُ حولَ الطّبيبِ والمُمرِّضِ الذي كان دائمًا يقفُ خلفَ الفنّانِ و الرّاقصات،
واستُبدلت منابرُ الإعلام الذي سحبَ الميكروفون ليضعهُ شِبهَ 24 ساعة أمام أهل الطِّبِّ، وتبدَّلت أولويّات الشعوب فسقط وهمُ المالِ ليصبحَ
الرُّعب على الصِّحّة وهاجسُ رفعِ المناعة أولوية قُصوى…
فهل ستتوقف “كورونا” عند هذا الحدِّ من كشف المستور وتسدلُ السِّتار أمام مرحلةٍ سادَها من لا يستحقُّ ليأخذ من يستحق حقَّهُ بعدها؟!…
أم أنَّنا متمسكون بالنِّسيان والتَّناسي؟ وسرعانَ ما سنعودُ لحالِنا المُزيّف!
أو أنَّها ستكونُ بوّابةً تفتح أمام الشعوب أجمع فرصةً لتقويم منظوماتٍ هشّة فَشِلَتْ بتقييمٍ جاء من أصغر ما تواجد على الأرض…
فيروسٌ كشفَ قناعَ وكسرَ هالة جبروتٍ عالمِيٍّ!
تابعنا على