” جملة تتردد دوما بكثير من الأمور الحياتية، الغالب الأعم يقولها بشكل اقرب للعبثية، غير قانع أنها حقيقة، بالفعل لكل منا من يشبهه، ملامح روحا، فكرا، فليبحث كل منا عن المتشابهين معه، ليأتنس بهم ” ..
أحمد طايل
يُصدر الكاتب روايته بهذه العبارة كا إشارة ودلالة علي محتوي الأسم الذي تحملهُ هذه الرواية التي تتضمن ومن عِنوانها و كعتبةِ نصٍ يحملُ من الغموض بقدرِ ما يحملُ على سطحه مِن معنىٌ واضحٍ ومعلومٍ من سياقِ الإستشهادُ به في الأمثال العامة التي تجريِ على ألسنتِا في حياتنا العامة .
تزدحمُ وتتعدد ُالشخصياتِ لِحد التماثل أو ( التشابه ) وهو قريبٌ مما يُشيرُ إليهِ عنوان هذه الرويات وفي تنوعها ما يجعلها تحملُ سَمتاً واحداً ومميزاً يؤكد ما يُشيرُ إليهِ الكاتب في نهاية الرواية :
” * قد تتباعد بنا الحياة، وتأخذ كل منا إلى مسار مغاير، لعمل مختلف، لحياة مختلفة، ولكن بيننا جميعاً ما ينادينا، التشابه، لكل إنسان ما يشبهه، وليس المقصود تشابه الملامح والقسمات ولون البشرة، التشابه هنا هو تشابه الأفكار، تشابه الأرواح، بالرؤى، بتحلالات المشاهد والمواقف، هناك فهم مشترك بيننا، التشابه متوارث عبر الأجيال لو راجعتم سيرة الآباء والأجداد ستجدون أن لكل منهم أصفياؤة والأصفياء يحملون تشابها مع الآخرين، حتى لو كان تباعدنا لأعوام طويلة، لذا كانت عودتنا، لذا كان تقاربنا، لذا كان إرتباطنا الروحى والفكرى والإنساني، علينا إن كنا نريد الحياة الهادئة المتصالحة مع الذات أن نبحث دائماً وبلا كلل عن من يشبهنا ” .
تعدد الشخصياتِ في الرواية أدى بالضرورة إلي تعدد الأحداث بنفسِ القدرٍ الكبيرٍ من التشابه ؛ وإختلاف هذه الأحداث وتنوعِها جاء بحرفةٍ سردية قوية يربطُ بينها وبين تدفقها فضلاً عن الزخم الوصفي في تصوير المشاهد و ربطِها بالجمل الحوارية المصاحبة للمشهد ؛ ( وإن جاء في الكثير منها ما يُشبه الرسائل والتقارير المُحملة بأجواء و ملامح وبيئة وثقافة وإهتمامات الكاتب نفسهِ ) لكنها في النهاية لا تخرجُ عن سياق التدليل والتأكيد علي سِمة التشابه الواقعي والحقيقي بين البشر ولو تعددت الحِقب ( الزمنية ) وإختلفت البيئات ( المكانية ) .
نجح وأجاد الكاتب من خلال شخصياتهِ في نقل أجواء الثقافة العامة وإختلافِها بين الطبقات في مستوياتها المُختلفة في بيئاتٍ مُتعددة داخل مصر وخارج مصر عربياً وغربياً .
ركز الكاتب وهذا من سيماتِ إبداعاتهِ في رصد وتأصيل الثقافة والهوية المصرية وخاصة ثقافة الموروث والسلوك البيئي المميز للقرية المصرية وهو موروث حضاري قادرٌ على الصمود والتحدي ومواجهة أحماض نحر ودحر القيم الدينية والسلوكيات العربية التي تتسرب إلينا عبر العديد من الوسائل كا الإغتراب ، والنقل والتقليد الأعمي لسلوكيات وأدوات تكنولوجية وتقنيات حديثة غير موائمة للبيئة والتراث العربي الممتد بنجاح عبر حضاراتٍ سادت العالم قبل الإنتكاسة التي أتت بها جحافل الغزو الإستعماري و ما تمخضت عنهُ مِن إزاحة لِما هو أصيل وتثبيت لِما هو دخيل من مفاهيم إقتصادية وفكرية حولت الدول والبشر إلي كائناتٍ لا ترتدي مسوح البشرية والإنسانية بقيمِها الرفيعة .
نجح الكاتب من خلال إستعراض ذلك ومدى تأثر – قبولاً أو رفضاً – من شخصياتهِ بهذا الطوفان الغير عاصمٍ لكثيرٍ من الناس .
كان لإهتمام الكاتب بإجواء الرومانسية وإعلاء الفضائل كالحبِ والكرمِ والعطاءِ والتسامح والإيمان الراسخ بما جاء في من سمو في العقائد والمذاهب الدينية و الفكرية المختلفة التي تسعى للرقي الإنساني عبر وسائل وتعدد الإكتشافات الحضارية المتنوعة .
أجاد الكاتب في ذلك من خلال جماليات اللغة التي يُتقنها ومن خلال المعايشة الحقيقية والصادقة التي يرصدها و يُعبر عنه بقدراتٍ إحترافية ؛ الأمر الذي جعلنا نستعيدُ كلاسيكيات الرواية القديمة التي كِدنا نفتقدها بين تلال الإصدارات الزاعقة في الإغتراب او التقليد ، أو الإستغراق والهرولة نحو حداثة غير أصيلة تُعنى بالشكلِ دون المحتوى .
الرواية عملٌ جديدٌ و مُميز لأديب وجه بصرهِ وبُصلةُ رصدهِ للبيئة المصرية و للقيم المصرية والعربية الأصيلة .