المرأةُ لا الأنثى ابجدية فكرية / بصرية

584

في اعمال الفنانة فاطمة منصور

من جماليات الفن التشكيلي انهُ يُتيحُ للمبدع مساحةً واسعةً للتعبيرعن الظاهرِ والكامنِ فيما حولهُ من إنسانٍ وحيوانٍ ونباتٍ وجمادٍ ؛ وأنه – أعني المُبدع – يوُجد و يبعثُ المعادل المقابل لكل مظاهر الحياة علي الأرض ، فكأن هناك كوناً آخر يُشابهُ هذا الكونِ ؛ قد لا يُطابقهُ ، لكنهُ يُناظرهُ قوةً وحركةً وجمالاً ، بل يُضيفُ إليهِ أمكانية وقف ” اللحظة ” التعبيرية فيما قد نُطلقُ عليهِ ” الزماكانية ” لِيُتاح – أمامنا ولنا – مساحةٍ أكبر وغير محدودةٍ ؛ إما للمتعةِ أو للإدراكِ ؛ و من خلال الدراسة والتحليل نتبين ما قد خَفيىّ عنا و إستتر من مشاعر مُتنوعة أو أفكارٍ ، في الوصول إلي دعائم للأضافة أو الحذفِ أو التعديل أو الإبتكار أو التطوير لهذه الحياة التي تشغَلنا و ننشغلُ بها .

إذا ما صحت هذه العبارة بدرجة أو اُخري نعرفُ بل نلمسُ عبقرية المُبدع حين يَمتشقُ مُعداتهُ وأدواتهُ وخبراتهُ و يقتحمُ ساحة الفن التشكيلي مُتشبعاً بل في كثيرٍ من الأحيانِ منتشياً كونهُ أنشأ معادلاً متوازيا لِما عايشهُ و أدركهُ من جماليات في الحياة ، سواء حياة الإنسان أوالحيوان أوالنبات والجماد قد يغفلُ الكثير عنها ، وخاصةً فيما يتعلقُ بالمشاعر والأحاسيس أو حتي ما وراء ذلك من افكارٍ هي في حد ذاتِها قادرة علي بعث إرادة التغيير و التطوير وخلق وسائل المُلائمة لحياةِ افضل و إزاحة السلبياتِ التي تشوه جمال الحياة و تضيفُ إليها رونقاً تتعطشُ إليه الأنفس .

وقبل أن نمضي قُدما إلي اعمال فنانتنا / فاطمة منصور ؛ استأذنكم في إضافة هذه الفقرة من ” كتاب الفنون البصرية وعبقرية الإبداع ” للناقد القدير د . /شاكر عبد الحميد … جاء فيها نصاً عن تمييز “: توماس كون ” في كتابه ” بِنية الثورات العلمية ” :

( … يمكن التمييز في مجال الفنون البصرية بين فنانيين مُجددين و فنانيين مُجودين ؛ حيث يقدم النوع المُجود من الفنانيين الأفكار الأساسية بالنسبة إلي المدارس و الإتجاهات الفنية الجديدة ؛ ثم يهتم المُجودون بهذه الأفكار و الأساليب وينشغلون .

و قد يكون المجدد ذكياً مُبدعاً ، وكذلك قد يكون المُجود ذكياً و مُبدعاً ، اما الفنان العبقري فهو الذي يجمعُ بين الذكاءِ و الإبداع ، وبين التجديد و التجويد ، ثُم يُصهرُ ذلك كُلِهِ في بوتقةٍ فَذةٍ و نادرة ، فإذا أضيفت إلي ذلك كلهِ مستوياتٍ مناسبة من الذكاءِ العاطفي أو الإنفعالي وكذلك الشخصي و الإجتماعي كانت العبقرية مؤكدة . )

اكتفي بهذه السطور حتي يتبين لنا وتصحبنا وعلي هداها في خطواتنا إضاءات نسترشدُ بها – ودون ليٍّ أو إخضاعٍ لهذه الحقائق النتفقُ عليها ؛ ونحن نَبسطُ امامنا مع السيرة الذاتية اعمال فنانة نُدركُ أن في مشوارِها الأبداعي توفرت لديها ” مستوياتٍ مناسبة من الذكاءِ العاطفي أو الإنفعالي وكذلك الشخصي و الإجتماعي ” ؛ وأن هذه المستويات إرتقت أو لِنقل حققت قدراً من الرقيّ والتميز ملموسين في كلِ أعمالِها .

جاء في سيرتها الذاتية :

” الاسم : فاطمة محمد منصور

فنون جميلة قسم تصوير ، عضو في نقابة الفنانين التشكيليين.

· معرض خاص بمحافظة الغربية قام بافتتاحه الفنان سيف وأنلي سنة 1968.

· الاشتراك بمعارض الثقافة الجماهيرية و الفوز بالمركز الثاني في مسابقة وزارة الثقافة في الفن التشكيلي بعنوان الفن و المعركة سنة 1971.

· معرض خاص بأرض المعارض بمدينة نصر سنة 2012 .

· الاشتراك في معرض ملتقي إبداع الدولي بساقية الصاوى.

· الاشتراك في معرض صحوة الفن الثاني بمركز ثقافة الجيزة.

· الاشتراك في معرض مصر كما يجب أن تكون 2019. “

تأخذُ التكوينات ذات الدلالات ِالكامنة أو الظاهرة فضلا عن عمقها الفكري الذي يُتيحُ للمتلقي براحاً واسعاً لإِعمال الفكر ، وإستدعاء المسبوق حفظهُ في الذاكرة الفكرية من حقائق وافكارٍ ذات بُعد إنساني و وجداني ، وما يُعادلهُ في الذاكرة البصرية من إبداعاتٍ جمالية دارت حولٍها و ابرزتها بصورٍ مُختلفة المذاهب و المدارس الفنية المُتعددة من خلال اعمال لِمُبدعين تشابه لديهم فكرا ، وتعبيراً دورِ ” المراةِ ” أو ” الأنثي ” بوجه عام في الحياة ِ الإنسانية ، وكونِها ” عالماً ” آخر ذو خصوصية مَحضة ؛ فهي إما رمزاً أوملكةٍ في ايقونة تمثلُ الجمال الجسدي ، او مُتمم إفتراضي لا بد منهُ لإكمال ثنائية الحياة من ” ذكرٍ واُنثي ” .

لكن فنانتنا القديرة بوعيٍ ذهبت مُباشرةٍ إلي ذلك الجانب الإفتراضي لِتعيد و تحقق التوازن العادل عن صورة المرأة ” الأنثي ” الذي أحالها التصور الذكوري إلي مجرد أيقونة ” جمالية ” للجسد إلي أنثي ” مُكتملة وإلي “إمرأة ” تتوازي بل تتساوي و تتميز عن الرجل ” الذكر ِ” ، وذلك من خلالِ التعبيرات والمشاعر المُتعددة التي يَضجُ بها هيكلها ” الأنثوي “.

أن النماذج التي تحملُها كل لوحةٍ من لوحاتِها تُقدمُ لنا ” المرأة / الأنثي ” في احوال و أوجه مًتعددة لأنثي ” صارت إمرأة ؛ تنوء مُعانتُها بِحملٍ أقسي بل و أقصي ما يحملهُ ” الرجل / الذكرِ ” من مُعاناةٍ حياتية و أعطتهُ إنفراداً بالتوصيف و الإزاحة حتي أطاح بِتساوٍ مُتحقق في الكتبِ السماوية .

لقد حققت الفنانة القديرة بحق إنفراداً غير مسبوقٍ بأبجدية ” فكرية / بصرية ” لإعادة القراءة في كتابِ الحياة ، عن مغامرة أو مسيرة الحياة الطبيعية التي تجمع ما بين الرجلِ والمرأةِ ، و بعبقرية نسائية / فنية ؛ وجهت عدستِها التصويرية وإضاءاتِها ، بل وإلإقتراب بعدسة مُقربة ؛ ” زووم ” مع تكثيف بؤرى إلي محط الإنفعالات والتعبيرات التي عادةٍ ما تكون بصورة أوضح في العيون أو الشفاة ، وتجاعيد الوحهِ والملامح المُباشرة في الوجه النسوي ؛ مع خلفِيات تُعضد عن الدروب والمسالك التي تمر بها الرحلة الحياتية الإنسانية وصورٍ من الأمالِ الهولامية و غير المُحددة ، والطموحات المُنكسرة حيناً والغير المُكتملةِ حينا آخر ، وثمارٍ غير ناضجةٍ أو غير مُكتملة كا احلام مرةً آخري ؛ وهواجس و تساؤلاتٍ عبثية في العيونِ المُطفاة أوالغائرة في المحجرين بلا أهداب أو حوافٍ كأنها بِئرٌ بلا أشطانٍ لإخراجِ ما لا طبيعةٍ لهُ أو حتي إسماً محدداً ؛ صاغت الفنانة هذا بأبجدية بصرية أعانتها عليها بلا شك قراءاتِها الفكرية بالدرجةِ الإولي ، و جاء الفهم و الوعي بالمؤثر الأقوي والأدق فكان إختٍيارها لأدواتِها و خاماتِها و بعض المذاهب ما يُحقق إكتمال رؤيتها البصرية لأفكارِها كما جاء في سيرتِها الذاتية :

” * انتمى فى أعمالى إلى المدرسة السيريالية والموضوعات التعبيرية التى يشوبها الغموض كالاحلام والخواطر الخاصة .

· الألوان أحيانا تكون قاتمة للتعبير عن موضوع يتطلب استخدام تلك الألوان .

أو ألوان فاتحة شفافة للتعبير عن موضوع أو خواطر خاصة تتطلب فى تنفيذها هذه

الألوان

· بالنسبة للخامات المفضلة ؛ ألوان الزيت والباستيل ” .

******* ********* ********

إن كلِ عملٍ من أعمال فنانتنا القديرة فضلاً عن انهُ مُدهش و زاخر برؤي مُتعددة با القدرِ الذي يحملهُ المتلقي و القارئ من رؤي فكرية وبصرية ؛ بل إن العمل الواحد لا يُتيحُ لنا الإنتقالُ إلي غيرهِ حتي لو مجاوراً لهُ ، و هذا يُعبرُ عن عن مُطلق الطلاقة الإبداعية لفنانةِ تملك رؤي فكرية ، وتقنياتٍ غير عادية لترجمتِها لعملٍ بصري ، فضلاً عن أنه إطلالاتٍ ثرية في رحلةِ ” المرأة / الأنثي ” ، وذلك لإعادة التوازن و تكثيف الإضاءة حول مُعاناتِها الحياتية كا إمرأة و أنها اُنثي في كل الأحوال !

إن العديد من اللوحاتِ تحتملُ قراءات مُتعددة من خلال التركيب والتكوين البصري من ناحية ، وايضا من خلال هذا الإتساق البارع بين التكوينات ، وعناصر الصور من اللّونِ ودرجاته تعددهُ وإضاءاتهِ الذاتية والمؤثرة والمُتسقة مع الفكرة ذاتِها أو الألوان الأخري وما يحملهُ ذلك من تأثيرات مًتباينة علي اللوحة أو علي المُتلقي نفسهُ وهو يجدُ ما يَشدهُ و إلي إمعان السباحة والغوصِ وراء ما هو كامنٍ في اللوحة .

قد يجدُ البعضُ شئ من القتامة أو يقودهُ الفكرِ إلي نوعٍ من الحزنِ او الإحباطٍ أو المُغالاة في إبراز ما هو سلبي في علاقة المرا’ بالرجل ،لمني علي يقين أن هذه مجرد صفحاتٍ من كتابٍ أو موسوعة كبيرة مُتعددة السماتِ الإبداعية تحرص المُبدعة ان تسجل من خلالِها وبإسمها موسوعةُ تحوي إبداعاتٍ مُتنوعة بأبجديات فكرية وبصرية ؛ غير مسبوقةٍ ، وأن هناك صفحاتٍ وصفحاتٍ اُخري قد تكون مُغايرة لكنها ايضا زاخرة بغير المسبوق أو المعتاد والموجود علي ارفف مكتباتِ الأعمال البصرية .

ســيــد جــمــعــه ســيــد

ناقد تشكيلي واديب