أخبارالسياسة والمقالات

المسؤولية المجتمعية من منظور ديني

بقلم الدكتور /يسري عمار

من القيم الإجتماعية التي لا شك ولا اختلاف علي أهميتها وخطورتها ودورها في بناء المجتمعات وصلاح أفرادها وقد حث عليها العلماء علي اختلاف مشاربهم ووجهاتهم من علماء الدين والتربية والاجتماع وغيرهم ألا إنها :_ ( المسؤولية المجتمعية ) والتي تعني فهم الفرد واهتمامه بقضايا ومشكلات مجتمعه وكذلك مشاركته الإيجابية في حلها.

لذا فإن مشكلة الإنسانية منذ القدم هي مشكلة الفرد والمجتمع والتي تكمن في أين تلتقي اهداف كلا” منهما ؟ وأين تفترق؟

ومما لا شك فيه أن الإنسان بطبعه لديه من الحاجات والأهداف ما يستوي في طلبها والسعي لها إنسان الغابة والإنسان المتحضر كالطعام والشراب والملبس والمسكن حتي وإن اختلفت السبل بين هذا وذاك في تحقيق الغاية إلا أنهما يلتقيان في الحاجة . فإنسان الغابة بطبيعته إنسان فرد لديه شعور وإحساس بنفسه وفقط وينطلق من ( قانون الذاتية ) كما يسميه علماء النفس والاجتماع، فإحساسه بالحياة محصور في ذاته ولا يعينه غيرها ، وهو صاحب الحق ولا حق عليه لأحد . وهذا هو الدافع للأنانية والقسوة وبهما ينأي عن حقيقة الإنسانية..

اما علي الصعيد الآخر فتجد إنسان المجتمع يعيش مع بيئته بشعور آخر فهو يمثل جزء من كل وعضوا في مجموعة ينتظم تحت ظلالها .حقه كحق غيره من أفراد المجتمع والوطن علي قدر حاجته أو حسب جهده بل لا بد من اهتمامه بقضايا مجتمعه ومشكلاته وإسهامه الفعال في حل تلك المشكلات.

ومما يجدر الإشارة إليه أن الدين الاسلامي الحنيف له السبق في الإهتمام بمفهوم المسؤولية الإجتماعية وإرساء قواعدها والتأكيد علي تكاتف وتعاضد المجتمع بكل أطيافه لتحقيق المصالح الكلية لجميع أفراد المجتمع والوطن .

فإذا كان هذا الإنسان لا يمكنه الحياة وحده وتصيبه الوحشة ويفتقر الي بني جنسه ؛فكان لابد من المسؤولية الإيمانية وينبثق منها مسؤولية أخري وهي المسؤولية الاجتماعية والتي تجعل في عنق كل فرد من أفراد المجتمع مسؤولية و هي الالتزام الأخلاقي تجاه الآخرين وتجاه المجتمع والأمة التي ينتمي إليها.وقد أعلي الإسلام من هذا الالتزام الأخلاقي فقال رسوله رسول الإنسانية صلي الله عليه وسلم :_ ( لا يؤمن أحدكم حتي يحب لجاره ما يحب لنفسه ) وهذا ليس قضاءا علي شخصية الإنسان الفردية ولا تكبيلا” لحريته وإنما توسيعا لدائرة تفاعله الإجتماعي وازكاءا لإرتباطه النفسي بإخوته في الله وفي الوطن بل وفي الإنسانية.

وإذا كان هذا كله من الاندماج في وعي جماعي والتعاطف والمشاركة الوجدانية والمجتمعية في الحال الطبيعية فما بالنا إذا كان المجتمع بل والإنسانية جمعاء في حال استثنائية بما حل عليها من الأوبئة والأمراض فإن الأمر عندئذ يستوجب تعزيز وازع المسؤولية الإجتماعية والأخلاقية وتحمل كل فرد ما عليه من مسؤولية وقاية نفسه ومن يعول وحماية المجتمع والوقوف بجانب الدولة ومؤسساتها وما تجريه من تدابير وقائية واحترازية ضد هذا الوباء وهذا الفيروس الذي نحن في تحد وامتحان ومعركة وعي الفائز فيها من يعي أن الأخذ بالأسباب وسبل الوقاية هو عين الحقيقة ومقصد الدين فإن الله تعالى أمرنا أن نسعي للنجاة ونقي انفسنا موارد الهلاك فقال سبحانه : ( قوا أنفسكم وأهليكم نارا ).

لكن من المؤسف أن ما نراه في شوارعنا ومجتمعاتنا من تواكل وتناسي للمسؤلية فإن هذا ليس من الدين في شئ ولاسبيل للمنطق اليه ولا يعرف العقل إليه طريقا !

فإن العبادات مع سمو مرتبتها إذ تمثل العلاقة بين العبد وربه وغذاء للأرواح إلا أنها لا بد أن تنطبع علي صفحة سلوكياتنا فالصلاة مثلا وهي سمو الروح واللقاء المتجدد بين المخلوق وخالقه يتجلي فيها ارتباط الإنسان بوحدة الصف والجماعة وينبني عليها التواصل والرعاية والتكافل والالتزام المتبادل بين الناس .

فما أحوجنا الي الفهم الصحيح لديننا والعمل فيما بيننا علي اجتياز تلك المحنة التي لا تعدوا أن تكون تمحيصا لما في قلوبنا .فلنفق عما نحن فيه من التواكل والغفلة فإن الأخذ بالأسباب وسبل العلم لا يتنافى مع التوكل على الله فهو المستعان وعليه التكلان .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى