الوجهُ الأخر للتجريدِ  في أعمال الفنانة / جيهان محمد علي

394

” همّ يعتقدونَ أن التجريدية تعنيِ الإبّتعادِ عن الواقع ، ولكنّها كَثيراً ما تعني العكسُ تماماً ، فأنتَ تقتربَ مُنهُ .. إِنّها أقربُ إلي الّتفاهم العاطفيِ ” .

هنري مور

تُحققُ الفنانةُ القديرة / جيهان محمد علي.. هذه المقولة من خلالِ رحلة تجارب فنية ، وقراءاتٍ فكريةٍ وبصرية علي مدي مشوارها الإبداعي الزاخمُ بالمهارتِ والقدراتِ الخاصة ، وأيضا من خلال القفز بين المدارس والمذاهب الفنية المتعددة ليكون ذلك في النهاية داعمٌ رئيسي لها ، وهي تُقدمُ بخطيً ثابتةً لِتعتلي مَنصتِها المتفردة في الإبداعِ .

ولعلَ ما يُميزها ليس فقط قدراتِها وتجاربها الخاصة ونجاحاتها السابقة ، لكن هي تملكُ بصيرةً فكرية ، وبصرية غير محدودة ، إِثر ثراء و تراكم معرفي حريصةُ عليهِ .

إن هذا التمكن الرائع الذي نلمسهُ جلياً في الأعمالِ المُتاحةُ لنا ، يؤكدُ أن المُبدعةُ تطوي ادواتها وخاماتها بيسرٍ بين إيديها ، وتقدمُ بجسارة بفرشاتِها أو سكينةِ معجونِها وألوانِها إلي سطح اللوحة تضعُ كل شئ في مكانهِ ، ودرجاتهِ ، حاسبةٍ الفراغاتِ ، والتأثيراتِ المتبادلة بين كل عنصرٍ من عناصر اللوحة حتي درجاتِ الإضاءة ، والظلالِ ، وكأن هذه العناصرِ آلاتِ عزفٍ في سيمفونية موسيقية تعرفُ دورها وتأثيرها في اللحنِ البصري ، إن هذه الهارمونية والإتساق والتكامل بين مجملِ هذه العناصر تشحذُ بقوةٍ ورقةِ فكر و وجدان المُتلقي لِيحصدُ زمناً مثيراً للمتعةِ الفكرية والبصرية آملاً مُضاعفتهُ من فرطِ نشوةِ الإحساس بهذه القدراتِ الجمالية المُتجسدة في اللوحات ، وعمق تجسيد ” الرؤية الفكرية ” من خلال الأيقونات المنثورة بعنايةٍ ومهارةٍ . لِيدرك كما ادركت المُبدعة ” ان التجريد ليس هو الإبتعادُ عن الواقع ، وإنما هو إبتعادٌ فنيٌ عنهُ ، لمزيدٍ من الإقترابِ مِنهُ ، كما قال ” هنري مور ” .

ســيــد جــمــعــه

ناقد تشكيلي واديب