في لحظة من السكون حين يطأ الإنسان ثرى الأرض يظن أن العالم منبسط بين قدميه وأنه سيد الوجود ومالك الدروب غير أن للأرض سرها العميق فهي لا تنحني إلا لتعلن خضوعها للخالق ولا تلتف إلا لتخبئ في جوفها كنوز الأسرار وذاكرة الدهور انحناءتها ليست ضعفًا بل تواضع أصيل فيه يتجلى معنى العظمة الحقيقية أن تكون شامخًا حتى وأنت تنحني.
وحين تشتعل السماء وترتعش أهدابها بالبرق والرعد لا تكون تلك الارتعاشة خوفًا أو اضطرابًا بل هي رجفة حياة تذكرنا أن السماء ليست قبة صامتة بل قلب نابض بالرحمة والهيبة معًا فارتعاشتها هي نداء خفي بأن فوق كل صمت هناك صوت وفوق كل غيم هناك مطر وفوق كل رجفة هناك ولادة جديدة لزمن أبهى.
بين انحناءة الأرض وارتعاشة السماء يقف الإنسان حائرًا ممدودًا بين جاذبية تسحبه إلى أعماق التراب وشوق يرفعه نحو علو الروح الأرض تقول له منك خلقت وإلي تعود والسماء تهمس إلي تصعد أرواحك وأحلامك وكأن بينهما عقدًا أزليًا يتناوبان فيه على تربية قلبه تارة بالثبات والجذور وتارة بالتحليق والآفاق.
إنها الثنائية التي تصوغ وجودنا ثقل المادة في الأرض وخفة المعنى في السماء وما الإنسان إلا جسر بينهما إن مال إلى الأرض أكثر غرق في الطين وإن اشتاق إلى السماء أكثر نسي أن له جذورًا وحده التوازن يصنع إنسانيته حين ينحني بخشوع كالأرض ويرتجف حبًا كالسماء.
فيا أيها السائر في دربك إذا رأيت الأرض تنحني أمام المطر فاعلم أن التواضع سر الخصب وإذا سمعت السماء ترتعش بالبرق فاعلم أن الرجفة ليست نهاية بل بداية ولادة للنور ما بين التراب والغيوم يتجلى سر البقاء وتكتمل معادلة الحياة.
فما بين انحناءة الأرض وارتعاشة السماء يتعلم القلب أن العظمة في التواضع وأن الرجفة ليست ضعفًا بل مهد نور جديد…