المقالات والسياسه والادب

بين البوح والصمت  معادلة إنسانية بقلم هالة عكاشة 

 

في لحظات كثيرة من حياتنا، نجد أنفسنا بحاجة ملحة لمن يصغي إلينا، ليس فقط للاستماع إلى كلماتنا، بل لفهمها والشعور بما وراءها.

نبحث عن أذن تحتوينا دون مقاطعة، وعينين تقرآن ما تعجز ألسنتنا عن قوله، وصمتٍ مُطمئن يُشعرنا بأن وجودنا مفهوم حتى وإن تعثرنا في التعبير.

 

لكن هناك أوقات أخرى، نميل فيها إلى الجلوس في الخلفية، نصمت بإرادتنا، ونترك مساحة للآخرين كي يتحدثوا. لا نريد أن نكون محور الحديث، بل نرغب فقط في الاستماع، وكأننا نمنح أرواحنا راحة من ضجيج أفكارنا.

 

التنقل بين هاتين الحالتين ليس ضعفًا أو تناقضًا، بل هو جزء من إنسانيتنا. ففي بعض الأيام، نحتاج إلى أن نُسمَع لنُشفى من وجع الكلام المكبوت، وفي أيام أخرى، نكتفي بدور المستمع، نبحث عن حكمة جديدة، أو ربما نُقدّم لغيرنا ما كنا نحتاجه ذات يوم.

 

وفي أحيان معينة، لا نريد حتى أن يشرح لنا أحد سبب ما نشعر به، لا نبحث عن إجابات مستندة إلى أبحاث علمية أو كتب أو مراجع، ولا نرغب في تحليلات نفسية تفسر حالتنا. نريد فقط أن يُقال لنا “أنا هنا، أسمعك”، دون محاضرات طويلة عن كيف يجب أن نشعر أو ما هو التصرف الصحيح. ففي لحظات التعب، يكون الاحتواء أهم من التفسير، والوجود الصادق أهم من النصيحة الجاهزة.

 

المهم أن ندرك قيمة كل حالة، أن نعطي ونأخذ بالتوازن الذي يحافظ على سلامنا الداخلي. فالحياة ليست مجرد حديث مستمر أو صمت مطلق، بل هي تناغم بين الاثنين، حيث نجد في الإصغاء حكمة، وفي البوح راحة، وفي المساحة الخالية من الأحكام طمأنينة لا تُقدَّر بثمن.

مقالات ذات صلة