منوعات
ترانيم الطفولة
المهندس والكاتب عزام حدبا
نشكو دوما من الاجيال الشابة التي نراها “خسعة”؟؟ لكننا لا نتساءل عن السبب؟؟ لذا حاولت جاهدا التصدي -شخصيا- للموضوع ونجحت على ما اظن في سبر اغواره بجهد يسير من عبقريتي الفذة.. وأترك الحكم لكم واثقا في عدالة رأيكم ورجاحته.. (في النهاية أنا اعرف من اختار كاصدقاء عندي.. ويا ويله الذي.. )
ماذا ننتظر من جيل تربى على اغنية نانسي “يلي بيسمع كلمة امو شو منقلو؟؟ شاطر شاطر”.. ماذا ننتظر منه حينما يكبر سوى ان يدندن في اللاوعي “يلي يسمع كلمة مرتو.. شو منقلو؟؟ شاطر شاطر؟؟” وهذا لا يعني اني احرض على الانقلاب على حكم الزوجات.. معاذ الله.. هناك شوبك في المرصاد في النهاية.. انا فقط اترحم على ايام زمان..
كانت حياتنا قاسية وجلفة.. كان هناك “دعك” جسدي ومعنوي.. كان اهلنا “يدعكوننا” بالليفة حتى يحمر جلدنا ومن ثم يغسلون شعرنا بالماء وشامبو خاص اشك ان الصهاينة استخرجوا منه الغاز المسيل للدموع الذي استعملوه لقمع انتفاضة الحجارة.. اما عن ترانيم ما قبل النوم فكانت غاية في العذوبة والرومانسية كما سترون معي.. خذ مثلا ترنيمة “يلا ينام يلا ينام لادبحلو طير الحمام” ما الهدف من ذبح الحمام؟؟ لا نعرف؟؟ العبارة التالية “روح يا حمام لا تصدق” تكشف لك ان ليس هناك نوايا عدوانية تجاه الحمام.. “عم اضحك على البوبو تينام” بل الهدف تسلية الطفل “البريء” بقصة مسلية كي ينام فلم نجد الا قصة ذبح الحمام.. وهذا يقودنا الى التساؤل عن هوية الكاتب الحريف المبدع الذي ابتكر هذه العبارات الشاعرية العميقة.. بعد التحريات توصلت الى قناعة ان مؤلفها هو الكونت دراكولا نفسه وساعده بتلحينها السيد فرانكشتاين .. ويغلب على ظني ايضا ان ان نجاح ترنيمة النوم لهذا الثنائي دفعهما لتسجيل البوم ثاني للاعياد يحمل ايضا نكهة الذبح بصيغة اكثر دموية.. “بكرا العيد ومنعيد” افتتاحية جميلة ومبتكرة وواقعية.. “ومندبح بقرة السيد” عادة نذبح خروفا ولكن لا مشكلة في ذبح بقرة خاصة ان كانت من تلك التي ترتع قرب جامعة الهندسة في القبة.. “والسيد ما لو بقرة” عادي بتصير .. “مندبح بنتو هالشقرة” .. خيار منطقي ومتوقع.. ان لم نجد بقرة فالبديل الطبيعي هو اي فتاة شقراء.. (تمييز عنصري ضد السمراوات)… اظن هذه الاغنية نتاج تلاقح الحضارات فقد كانت ثقافة المايا والأنكا تقوم بطقوس تضحية بالعذراوات الجميلات.. وربما هذه الاغنية مستقاة من تراثهم.. هذا ولا تخبرنا هذه الأغنية ماذا سنفعل بلحم هذه الفتاة الشقراء.. لكني ارجح ان المطلوب وضعها في طنجرة ورق العنب على غداء العيد…
وما دمنا نتحدث عن العيد فلنستذكر سوية اهزوجة المراجيح.. تتدخل الاهزوجة منذ اللحظة الاولى في خصوصيات الحاج محمد مما يجعلني ارجح ان مؤلفتها هي جارتنا ام شعبان فمن غيرها يسأل اسئلة مشابهة؟؟ “يا حج محمد قديش مصمد؟” وهو سؤال فقد قيمته اليوم ومعناه، ويجب ان نستبدله ب “يا حج محمد قديش مديون” او “يا حج محمد قديش مقسط من حق السيارة؟”.. السؤال كما ترون مستفز لذا يحاول الحج محمد ان يطردنا من وجهه فيقول “قوموا انزلوا” لكن هنا تتجلى روح الثورة فينا فنقول “ما مننزل” ورغم كل التهديدات الخطيرة بالتعذيب “من امثال “منشقلبكم.. منقليكم.. منشويكم”.. يصر الأطفال على الرفض.. ” ما مننزل”.. حتى يقول الحاج محمد الكلمة السحرية “هولا” فننزل كلنا الا من كان يملك ربع ليرة اضافية.. ليت شعري كم نحتاج لمن يقول للحكام الذين حكمونا كل هذه السنين “هولا” ويخلصنا منهم.. (ويأخذ منهم كل الأرباع المتبقية)
أما آخر أغاني المرحلة الطفولية التي اتذكرها فهي اغنية للعبة سخيفة اسمها باح يا باح .. يمسح البالغ كفه على كفك ويقول “باح يا باح يا ورق التفاح” ثم يمسك اصابعك واحدا تلو الآخر ويعدد كل انواع القتل التي لم تخطر على بال محاكم التفتيش باسبانيا “هذا قتلو هذا ضربو.. هذا خنقو.. هذا حرقو.. هذا رماه عالبرندة (الشرفة) ثم تسأل الطفل “قرقة ام صيصان” ومهما اجاب تمشي باطراف اصابعك على يده حتى تصل رقبته وانت تقوقي كالقرقة او تصوصو كالصوص.. ومن ثم تدغدغ الطفل في رقبته فيضحك..
لا يفوتني أن أنسى أن تراث طفولتنا كان مطعما باهازيج فرنسية معدلة.. مثلا : “فريرو جاكو دورمي فو” وهذه تنتهي عندهم بعبارة “دين دان دون”.. لكن المقتبس لم يرض بهذه الخاتمة الباهتة التي لا تناسب ثقافتنا الطفولية الرومانسية فأضاف اليها مشكورا عبارة “عضك الجردون”. لا اعرف من اي جاء هذا الجرذ وكيف دخل الأغنية وما علاقته بالاخ جاك؟ ولا اعرف لماذا علمونا حينما نمر قرب جرذ ميت -دهسته سيارة او اردته عصا طفل حريف – ان نشد شعرنا ونبصق عليه؟ وما علاقة هذا التصرف بانتقال الجراثيم والطاعون الاسود؟ اذ كنا يومها ننفذ ولا نعترض..
في الختام اعود لاشكر دراكولا وفرانكشتاين على كل الجهود التي بذلوها لاسعاد طفولتنا البائسة وعلى الرومانسية الدموية التي زرعوها في اغانينا واهازيجنا.. اما عني فقد صرت من اتباع نانسي “يلي بسمع كلمة مرتو شو منقلو؟؟ شاطر شاطر”.. وليتها ترضى..
تمت المشاهدة بواسطة ١
أعجبني
تعليق