كتب الأديب سمير لوبه :
في كانون الذي طال بقاؤه وتحت سمائه الداكنة ، وفي طرقاته الموحلة . يعدو جاهدا ؛ يحاول تفادي الأغصان الحادة المتشابكة التي تتزايد بشدة ؛ رافعا أكف الضراعة أن ينجو من كلاليبها ؛ كي لا تمزق ثيابه الرثة التي كاد طول العهد يبليها ؛ فيفقد ما تبقى من الستر. يصل في نهاية الطريق المعتادة للبئر يفتر ثغره ؛ فاليوم سينال ترياقه فيضمن أن يعيد الكرة الشهرية دون أن يفقد ورقة التوت فيتعرى في تلك الأجواء القارصة البرودة ؛ فتمزقه نظرات شامتة تترقب من يقع فلا ينال سوى الخذلان ، وفي تلك المرة جاء الخذلان من البئر ذاتها ؛ فقد وجدها جافة لا قطرة فيها تقيم الرمق ، وحولها نظرائه قد تعرت أجسادهم وخارت قواهم ؛ فترتعد أوصالهم حول البئر ينتظرون أن تنبع بالترياق . خذلتهم البئر وطال الانتظار المقيت ؛ تلهث الألسنة ضارعة بدعاء درويش الإسكندرية ( هز الهلال يا سيد ) يجهل المنطق سبب تأخر الترياق في حين تبتسم نظرات الشماتة الجاحظة كلما تعرت الأجساد . يمد كل منهم يده لنظيره بجرعة صبر في مرارة الحنظل فتزيد الحلق تشققا وجفافا ، ورغم ذلك يجهدون لينعموا؛ فقد استطاعوا بعد عناء أن يجتازوا الطريق المعتادة شهريا للبئر ، وعليهم أن يتجرعوا الصبر؛ لينالوا ترياقهم ، وإذ فجأة يمد أحدهم أصابعه المرتعدة ؛ يضغط الزر فيعلو صوت ماكينة البئر فينال أولهم الترياق . تعلو الأصوات ؛ يتزاحمون ؛ يتضاربون ؛ تسيل الدماء تمتزج بالترياق المتناثر فوق أجساد لم تتحمل ففارقت الحياء والحياة .
بقلم سمير لوبه
29 / 1 / 2023