المقالات والسياسه والادب

جسد عاري

بقلم : محمد فتحي شعبان

قبل الفجر بقليل أيقظتنى الحاجة إلي التبول ، تعلقت نظراتي بالصورة علي الحائط ، لم أقف أمامها كثيرا …دخلت الحمام ثم عدت إلي الصورة ، لا تحمل أي ذكري في عقلي سوي شعور داخلي ( بالقرف ) ، لا أدري كيف رسمتها ، هل كنت في ساعة سكر وغياب عن الوعي ، عدت إلي غرفة اللوحات ، فالنوم قد فارقني إلي غير رجعة ، أنرت المصباح تنقلت نظراتي بين اللوحات التي ملأت جدران الغرفة ، كلهن عاريات مهما اختلفت الوجوه و الأجساد لكن عاريات ، وحدها الصورة التي في الخارج كنت أشعر ( بالقرف ) كلما نظرت إليها رغم أنها عارية مثلهن ، أطفأت النور وجلست في الظلام أنظر إلي لا شىء .

إنها الواحدة ظهرا …تركت غرفة اللوحات وذهبت إلي غرفة

نومي ، بدلت ملابسي ثم غادرت البيت ، أسير إلي غير وجهة …أتعبني حر الظهيرة التجأت إلي مقهي … اتخذت ركنا منعزل عن الجميع ، أشعلت سيجارة وطلبت قهوة ، ذهبت بعيدا مع دخان السيجارة المتصاعد .

لم أكن أعرف امرأة أخري كانت هي كل النساء ، كنت صغيرا وكبرت أمام ناظريها ، كلما أحزنني أمر ألقيت بنفسي فوق صدرها فأجد الدفئ والطمأنينة .

اخرجت هاتفي المحمول أقلب فيه بلا وعي ، وجوه كثيرة تمر أمامي ، تركت الهاتف …أنظر إلي المارين في الطريق ، تركت المقهي وذهبت إلي الزحام ، تتكاثر الوجوه و الأجساد العارية في عقلي .

عرفت نساء كثيرات لكنها وحدها ظلت في معزل عنهن جميعا ، كان لها كل الجلال … لم أراها مثل أي امرأة كانت وحدها تدور في فلك و الباقيات في فلك آخر ، رسمت الجميع عاريات كما ولدن و رأيتهن عاريات كما ولدن ، تناثرت أجسادهن في غرفة اللوحات كما تناثرت اللوحات ، كل واحدة كانت ترغب أن ارسمها عارية ، لكن هي …كانت الملاذ الذي ألوذ به .

الكل في الشوارع تائه العيون و النظرات شاردة ، الأجساد مرهقة ، لا ملاذ ألوذ به فيعصمنى من نفسي ، أتعبني المسير …حين أفقت إلي نفسي وجدتني أمامه لا أدري كيف وصلت إلي هنا ، محله القديم الذي يصلح فيه الساعات ..محل ضيق يطل علي ميدان فسيح ، كأنه عقولنا الضئيلة التي تطل علي الدنيا الواسعة فتحار فيها ، دلفت إليه نظر إلي مرحبا ، جلست بجواره ولم يسألني عن شىء .

كلما عرفت امرأة و كلما رسمت جسدا عاريا كنت أذهب إليها ، ارتمى فوق صدرها و ابكي …تضمني إليها …أهدأ و أغفو مثل طفل هارب من حيوان خرافي مخيف ثم وجد أمه فشعر بالأمان وذهب في نوم عميق .

تركني حتي حكيت وحدي كل شىء ، اخرجت ما في صدري و عريت نفسي أمامه ، كأنه أب الاعتراف لم أطمع في صك غفران ولا في شىء من الجنة ، كنت فقط أريد أن أحكي ، خرجت إلي إلي الشوارع من جديد لم أشعر إلا و الظلمة أحاطت بكل شىء ، رجعت إلي سجني من جديد استوقفتني الصورة مرة أخري ، هي هي ليست سوي جسد عاري

قد تكون صورة ‏‏‏شخص واحد‏، و‏‏لحية‏، و‏ابتسام‏‏‏ و‏نظارة‏‏

مقالات ذات صلة