المقالات والسياسه والادب

جهاد السعادة..بقلم مستشار محمود السنكري

جهاد السعادة

بقلم مستشار محمود السنكري

في عالمنا اليوم، حيث تزداد ضغوط الحياة وتتعقد التحديات، بات مفهوم السعادة أكثر إلحاحًا وتعقيدًا.

لم تعد السعادة مجرد شعور لحظي بالفرح، بل أصبحت رحلة طويلة تتطلب جهادًا داخليًا مستمرًا،

وهنا سنناقش مفهوم “جهاد السعادة”، باعتباره صراعًا شخصيًا لإيجاد المعنى والرضا في الحياة، مستلهمين ذلك من الفلسفة، وعلم النفس، والتجربة الإنسانية.

يولد الإنسان ولديه ميل طبيعي إلى البحث عن السعادة، لكنه في الوقت ذاته يواجه معاناة لا مفر منها.

يقول الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه: “من كان له سبب للحياة، فإنه يحتمل كل شيء تقريبًا”، هذه العبارة تلخص حقيقة أن تحقيق السعادة ليس أمرًا سهلًا أو فوريًا، بل يحتاج إلى صبر وجهد مستمر، وأحيانًا إلى مواجهة الألم من أجل الوصول إلى حالة من الرضا العميق.

في المقابل، يرى عالم النفس فيكتور فرانكل أن الإنسان يجد السعادة حين يمنح حياته معنى، حتى لو كان يعيش في أصعب الظروف.

من هنا، يصبح “جهاد السعادة” رحلة بحث عن الغاية الشخصية، وليس مجرد مطاردة للحظات الفرح العابر.

يعيش الإنسان اليوم في عالم يبيع له وهم السعادة السريعة: الإعلانات، وسائل التواصل الاجتماعي، والاستهلاك المفرط تعده بأن امتلاك المزيد سيجعله أكثر سعادة.

لكن دراسات علم النفس الإيجابي تؤكد أن السعادة لا تأتي من الخارج، بل من الداخل.

وهناك الكثير من الفخاخ النفسية والإجتماعية يقع فيها الناس في رحلة البحث عن السعادة، منها:

1. الاعتماد على السعادة الخارجية: مثل المال، الشهرة، أو العلاقات العاطفية، دون بناء أساس داخلي قوي.

2. متلازمة التأجيل: الاعتقاد بأن السعادة ستأتي عندما يتحقق شرط معين (عندما أصبح غنياً، عندما أتزوج، عندما أحقق النجاح…).

3. المقارنة المستمرة: رؤية حياة الآخرين المثالية على وسائل التواصل الاجتماعي تجعل الشخص يشعر بالنقص وعدم الرضا عن حياته.

جهاد النفس: الطريق إلى السعادة العميقة

جهاد السعادة ليس مجرد مقاومة الحزن، بل هو جهد مستمر لفهم الذات، وإيجاد التوازن، ومواجهة تحديات الحياة بشجاعة.

يمكن تقسيم هذا الجهاد إلى ثلاثة محاور رئيسية:

1. جهاد الإدراك والفهم

السعادة تبدأ من الوعي؛ وعي الإنسان بذاته، بمشاعره، وبما يجعله حقًا سعيدًا. في هذا السياق، يبرز دور الفلسفة والتأمل الذاتي في مساعدة الإنسان على تجاوز الأوهام وفهم ما يريده حقًا من الحياة.

2. جهاد التغيير والتطوير الذاتي

الرضا لا يأتي إلا من خلال العمل المستمر على تحسين النفس.

يمكن تحقيق ذلك عبر:

تبني عقلية النمو: رؤية التحديات كفرص للتعلم، بدلًا من كونها عقبات.

التخلص من العادات السامة: مثل التفكير السلبي، التعلق بالماضي، والخوف من الفشل.

3. جهاد القيم والروحانية

القيم العميقة والروحانية تلعب دورًا كبيرًا في منح الإنسان إحساسًا بالمعنى. سواء كان ذلك من خلال الدين، الفلسفة، أو العمل من أجل الآخرين، فإن السعادة الحقيقية غالبًا ما تأتي عندما يرتبط الإنسان بشيء أكبر من ذاته.

وأخيراً نتساءل هل السعادة هدف أم رحلة؟؟ فنجد أن السعادة ليست محطة نهائية، بل طريق نسير فيه كل يوم. جهاد السعادة هو إدراك أن الحياة لن تكون مثالية أبدًا، ولكن يمكننا أن نجد فيها لحظات من المعنى، الحب، والسلام الداخلي. في النهاية، لا يتعلق الأمر بالحصول على كل شيء، بل بمعرفة كيفية الاستمتاع بما لدينا، وكيفية إيجاد الجمال حتى في أصعب الظروف.

السؤال الذي يبقى: كيف تخوض أنت جهاد السعادة في حياتك؟

جهاد السعادة..بقلم مستشار محمود السنكري
جهاد السعادة..بقلم مستشار محمود السنكري

مقالات ذات صلة