منوعات

حكايات تحت الحظر /حكاية ندى.

بقلم د. أمل درويش.

تقدمت الأيام، وعبرت في سرعة لم تعتدها، برغم الملل؛ إلا أنها عبرت وكأن الشهر أسبوع، أو أقل..
الجميع ينتظر العيد، دون لهفته المعتادة في كل عام، دون ترتيب المواعيد، دون أي شيء.. يوم كأيّ يوم..
استيقظتْ على صوت مكبر المسجد يرسل صوته المتألم باكيًا..
الله أكبر الله أكبر..
لم ينتظر الشيخ كثيرًا، لم يكمل تكبيراته وخفت..
لقد همّ البعض بغزو المسجد، ودفعوا الباب دفعًا فغادر الجميع بعد فزع المؤذن وخوفه من كسر القوانين..
هكذا حكى أخوها بعدما عاد مهرولًا حين لاحت سيارة الشرطة من بعيد، دون نفير ينذر بقدومها، لكي يُحاصَر الجميع متلبسين بالجرم المشهود..

_ لقد حذرتك، ولم تستمع لكلامي..
انفعل والدها موبخًا أخاها..

تركتهم وعادت لغرفتها دون تعليق..
مرّ اليوم الأول ما بين السرير الذي تأرّق واشتكى طول مكوثها عليه، وما بين نافذتها تطل على الشارع الخاوي، دون أقدام أحدهم تداعب الحصى وتلقيه على أطراف الطريق، أو صيحات الصبية المتذمرين على الامتحانات وقت انصرافهم من مركز الأستاذ سليمان، بعد حصّة بدأها بالتوبيخ لعدم حلّهم الواجب وانتهت كما بدأت لعدم فهمهم الدرس..
لا شيء جديد، فقَدَ الشارع أنفاسه التي كان يستمدها من همس المارّة، وحكاياتهم التي تترك بعض حروفها معلقة على شجيرات “الڤيكس” المتقزمة، ربما تجمعت واستطاعت فك طلاسم لوح الكلمات المتقاطعة ليومياتهم وما تحمله من مشكلات فيلتقطونها في طريق العودة في رضا..
صالَحَ النوم أهدابها بعدما قدمت له فروض الولاء، ودمع الطاعة وأمضت ليلتها تستجديه الرضا، حتى أتاها..
استسلمت للنوم، واستسلم لها طواعية رأفة بحالها، وهروبًا من يومٍ آخر..
وما بين النعاس والصحو مسافات أنين لا يصل لمسامع أحد، سوى من ضبط قلبه على نفس ترددات موجة الألم..
لم يتبقَّ من العيد سوى يوم..
استيقظت ولم تصدق كيف مرّت الأيام، هل هذا هو العيد؟
خرجت من كهفها لتجد أسرتها يلتفون حول طاولة الطعام، وكأنهم اعتادوا غيابها، فلم يعرها أحدهم اهتماماً..
التقطت قطعة من البسكويت الذي طالما كانت تحبه وتتسابق مع أخيها من ينال منه أكثر، كان مُكدّسًا على الطبق وكأنه لم يمسسه أحد.
ذاب البسكويت في فمها وأحست بطعم السكر؛ فابتسمت ابتسامة سخرية وعادت لغرفتها..
نظرت لمرآتها فوجدت وجهًا شاحبًا يطل عليها، ساءها ما وصل إليه حالها..
والتقطت مساحيقها لتعيد لوجهها بعضًا من رونقٍ فقده، ومشطت شعرها الأشعث بعدما خاصمته الفرشاة لأيام..
وفتحت دولابها لتلتقط ما جهزته للقائه في العيد من جديد الثياب..
كان ثوبًا يحمل من الروض أجمل أزهاره وكأنه للتو للربيع تبسّم..
ثم عادت لمرآتها فوجدت أخرى غير التي رأتها منذ دقائق، وكأن الحياة فيها دبّت..
تذكرت يوم التقت به أول مرة، وبقايا نبضه تركها على أناملها بعد السلام، قبّلت أناملها، وتحسست اسمه محفورًا على خاتم وحيد مازال يحتضن إصبعها.. ثم أمسكت بهاتفها وفتحت على اسمه في دفتر رسائلها لتكتب له هذه الكلمات:
إن لم تكن حاضرًا بجسدك؛ فروحك ما زالت تحلق من حولي في السماء..
ثم انهمرت دموعها بعدما تذكرت أن رسالتها لن تصله؛ فقد رحل مع من رحلوا في صراع هذا الوباء..
لطخت وجهها، ثم أزالت مساحيقها وألقت بثوب العيد وعادت من جديد لسريرها ترجوه أن يمنحها الأمان، وتمضي معه بقيّة اليوم..

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى