أدب وثقافه
حكايات تحت الحظر… رمضان والحكاية ما بعد الألف..
بقلم د. أمل درويش.
كعادته التي لم تتغير منذ بداية صداقته مع القلم، استطاع بعد الكثير من الحيرة والوقت الذي أهدره في التفكير، يبحث عن موضوعٍ ليكتب
عنه..
وكان نهار أول يوم في رمضان، ولكنه حتى الآن لم يشعر بالفرق..
وبعد عناء كالمعتاد، ورحلة بحث شاقة في أودية عقله التي أصابها الجفاف وما زال الوقت مبكرًا على فتح الهويس لريّها..
ولمعت الفكرة من ركن بعيد، كالعادة في آخر الوقت..
ليترك لقلمه العنان لسردها..
ويحكي تفاصيل تاق لرؤيتها وإشباع الروح بها..
فكيف جاء رمضان هذا العام؟
وقد سبقه الوباء فترك في النفوس مرارةً يشق معها الاحتفال به..
لقد ارتبط رمضان في نفوسنا بالفرحة وأناشيد الأطفال وخروجهم خلف المسحراتي يجوبون الشوارع والحارات منذ الليلة الأولى لميلاد
الهلال.
وتتوالى بعدها سلسلة الليالي الثلاثين أو أقل بليلة..
تنتشر فيها أضواء الفوانيس في أيادي الأطفال منذ المغرب وحتى الفجر..
وفرحة العائلات بالتجمعات واللقاءات التي ربما لا تتحقق إلا في هذا الشهر..
ولكن بعدما تسلل الوباء وسرق من هذه الأسر فرحتها، وخيّم على نفوسها القلق والترقب، وربما ترك الألم لإصابة أحدهم، أو فقدهم..
لطالما كانت قصص ألف ليلة وليلة رفيقة لنا في ليالي رمضان، بكل تفاصيلها الخيالية البعيدة عن الواقع، وكنا نتابعها بشغف، والآن صرنا
نعيشها واقعًا بيننا..
ثم بدأ في وصف الشوارع بعدما أصبحت مهجورة ليلًا، والمساجد التي خوت من مصليها، فكم كانت تعاني طوال العام من قلة الزوار، ولكن
طوفانهم حين كان ينطلق خلال ليالي رمضان كان يمنحها الأمل ويشحذ طاقتها لباقي العام..
هل تغيّر رمضان، أم أننا تغيرنا؟
هل أصابته الحيرة من أمرنا لما كنا نفعله به في كل عام؟
أم أنه قدرنا؟
تجاهل كل هذه الهواجس كعادته؛ حتى تمكنت منه وصارت تحيطه بسياجها..
استسلم لحالة الوجوم التي غيمت على سمائه وفرضت عليه سكون ما قبل العاصفة..
ومرت ليالي رمضان الليلة تلو الأخرى ولم يشعر خلالها بأي فرق، فكل أيام وليالي الحظر متشابهة.. حتى وصل لليلة العشرين..
أمسك بقلمه مجددًا، ولكن القلم عجز حينها أن يترجم مشاعره..
تثاقلت أنفاسه في الصعود وتعثرت الأخرى في طريق الهبوط، وكأنها تتجاوز نقطة عبور متخمة بالعراقيل والسدود، ارتعش القلم في يده،
تخيل أن ذاك الڤيروس اللعين قد سكن حلقه وهاجمه..
انتفض وهرع ليغتسل من درن الروح الذي لم يخلصه منه جوع الأيام الماضية، ثم افترش مصلاه ورفع كفيّه خجلًا فلم يستطع إلا بالهمس
مُكبرًا ليقيم الصلاة، وخر ساجدًا وانفجرت فوهتا البركان تسكبان دموع الندم على ما فرط من سنوات..
هل كانت الليلة ليلة الميلاد؟
أم أنها الليلة ما بعد الألف!