دروب علمتني الحياة أنها كسماء متقلبة؛ تارةً تمنحك دفء شمسٍ تفتح لك النوافذ على مصراعيها، وتارةً تغلقها بسحب رمادية تحجب عنك الرؤية، فتبحث عن الطريق بخطوات مرتدة. تشبه البحر في يوم متقلب؛ مرة يضحك لك بموج هادئ، ومرة يقذفك بموجة باردة تُربك خطواتك، تمضي بلا موعد ولا إذن، وتتركك تتعلم كيف تمشي بتوزان. علمتني الحياة أن الفرح غير دائم، لكنه يترك في قلبك ألوانًا دافئة تذكرك بأنك كنت حيًّا حقًّا. وأن الحزن، مهما طال، لن يدوم أيضا، لكنه يمنحك جذورًا أعمق في أرض الصبر، فيجعلك كل مرة تكون أكثر ثباتا أمام الرياح. أشبه بألوان قوس قزح ؛ ألوانه لا تنطق إلا حين تمتد أشعة الشمس من خلف السحب، والضحكات تتشابك فيها مع دموع صامتة. وأدركت أن لا أحد يدوم… كم من شخص ظل قربك لسنوات، تحفظ تفاصيله كأنها جزء منك، ثم يختفي فجأة، لا لأنك قصّرت، بل لأنك كنت صادقًا أكثر مما يحتمل. وكم من عابر التقيته للحظة واحدة، لكنه بقي فيك ما حييت، كنسمة لا تراها، لكنك تشعر بها في كل حين. الحياة تعيد ترتيب المقاعد في قلبك؛ فجأة تجد من كنت تظنه بعيدًا أقرب الناس اليك يجالسك كتف بكتف، ومن كنت تظنه قريبًا في الواقع هو أبعد ما يكون عليك دون سابق إنذار يغادر بصمت، حتى تدرك أنك الوحيد الذي بقي حتى النهاية. علمني الحياة أحيانًا تأتيك هبة لا تتوقعها، كابتسامة غريبة في لحظة انكسار، أو خبر سعيد بعد صبرٍ طويل، وأحيانًا يأتيك شيء كامتحان عسير يجردك من يقينك، وفي نفس الوقت يدفعك لتصنع يقينًا جديدًا مما تبقى منك. ومع كل تقلباتها، تدفعك دوما لحماية قلبك كما تحمي شيئًا هشًّا في حقيبة سفر، وتحتفظ دوما بأحلامك قريبة منك، وتمشي… حتى لو كان الطريق مليئ بالأشواك غير واضح المعالم . أما أنا فأراها دربًا مليئًا بالمنعطفات؛ أتعثر فيه أحيانًا كثيرة وأقفز أحيانًا أخرى، أغيب عن وجوه كثيرة وألتقي بوجوه لم أتوقع أبدا أن ألقاها. وكلما تأملت تقلباتها، ازددت يقينًا و إيمانا أن الحياة، رغم قسوتها، جديرة بأن تُعاش… لأنها لا تتكرر، ولأن جمالها في كونها لا تشبه الأمس ولا تعدك بالغد. وأنها ما هي إلا طريق ولابد أن ينتهي لكن نهايته مقرونة بما قدمناه خلال سيرنا في هذا الطريق فإما نهاية كلها نور وإما نهاية مليئة بالظلام .