أدب وثقافه
زمنُ الغُربة/ أمل محمد حيدر
شعورٌ بِالازدراءِ يتملَّكُني.. يطغى علَيَّ..
كلُّ ما حَولنا يدعونا لذلك مُجبرين.. مشاعرُ النّاس التي تبلَّدت لدرجةِ أنَّ إمكانيّة إثارتها أصبحتْ معجزةً، فلم تعُد تستفزُّهم صوَر القتلى
والجثثِ المرميَّة هُنا وهناك، ولا صراخُ طفلٍ يتيمٍ يَقُضُّ مَضاجِعَهم ولا حتّى أنينُ تلك المرأةِ التي فقدتْ وَليدها..
كلُّ ذلكَ أصبحَ شبهَ عاديٍّ لمن حَولنا، حتّى مشاعرُ الحُبِّ أصبحتْ تستدعي الازدراء والقرفَ، لا سِيَما تلك المُغرِقَة بالمظاهرِ الكاذبةِ
المُصطنعةِ والغَزَلِ المُلَفَّق الذي يتناثر هنا وهناك على صفحاتِ وسائلِ التَّواصل الاجتماعي، صورٌ طغى عليها التَّركيب بدلَ براءةِ الحُبِّ
وصِدق المَعنى.
وأكثرُ ما يُثير المَقتَ تلكَ الصَّداقةُ التي استحالَت في مُجتمعاتِنا إلى صفقاتٍ ومصالحَ، والأخوّة التي باتَت هشّة أمامَ أوّل موقف.
غريبةٌ هي مجتمعاتنا بحُلَّتها الجديدة، تِلكَ الحُلَّة المضرَّجة بكحل فتاةٍ تلاعَبَ شابٌّ بحياتها وقلبها فاستولى على أنفاسها وكسرها، وبدمعِ أُمٍّ
فقدتْ ابنَها (الشهيد) في بلادٍ يموتُ فيها من يستحِقُّ الحياة، ويحيا فيها من يستحقُّ الموت، وبأنينِ طفلٍ ووجع عجوزٍ (لا يملك علاجًا) مرميٍّ
على أبوابِ المُستشفيات علَّ واحدًا من أبناءِ عُمَر يستيقظُ فيهِ الإحسان والعدل.
هذه الحُلّة المطرَّزة بقلوب أدمتها الخيانةُ والغدرُ وبطونٌ تزعقُ صقورُها جوعًا، وشبابٌ تائهٌ تمزِّقُه تقاليدُ الأمسِ وتحتلُّه أفكارُ اليومِ فأضاعَ
مستقبلهُ وضاعَ معهُ مستقبلَ أُمَّة.
هذا هو ثوبُ مجتمعِنا الجَديد، حيثُ تلوَّن بألوانِ وجوهِ الناس المتقلِّبة، وهو من خاطهُ جحودِ قادةٍ بِضمائر ميتةٍ ومصالحُ دولٍ وسياساتُ دمٍ
ونارٍ، حيث طغت الحربُ على الحُبِّ، وطغتِ الأنا على الأُمّة، وضاعَ العدلُ في بلادٍ كانت عنوانًا للعدل.
وما زالَ يُثير الاشمئزازَ، أُمَّةٌ تُريد أن تموتَ ميتةَ الصّالحين ولكنَّها تعيش عيشة أبي جهلٍ وأمثاله.
نعم فكل من حولنا تبلَّدوا وأصبحوا كالمنومينَ مغناطيسيًّا مسلوبي الإرادة والإحساس، همهُم ملءُ بطونِهِم وتصنُّع مظاهر كاذِبة.
فأصدقُ ما يُقال: “تحوَّلنا لمجتمعِ أجسادٍ ماتت فيها الأرواح والعقول والإدراك”…