الأستاذ سليم لن يحكي لنا قصته بنفسه لكن الأحداث هي التي ستروي لنا ما يحدث لسليم مع رفيقه عبد العليم .
ذات يوم يدخل عم ربيع المكتب فجأة وينادي :
– يا أستاذ سليم .. يا أستاذ سليم .. سيادة المدير يريدك الآن
– خير يا أستاذ سليم
– علمي علمك يا مدام نرجس
ينطلق سليم وراء عم ربيع الذي يدق الباب ويفتحه ليدخل سليم على المدير وبعد برهة من الوقت يخرج سليم بوجه جامد لا يشف عن حزن أو سعادة وتحت إبطه ملفا
– لعله خير يا سليم
– مأمورية غدا إلى سعادة مدير مكتب معالي الوزير
– عليك وعلى فالنتينو الحلاق ؛ يضبطك
– على ضمانتك يا عبد العليم
– أنا عمري قولتلك حاجة وطلعت غلط
يذهب سليم لــ ” فالنتينو ” الحلاق وما أن وصل للحلاق
– منور يا أستاذنا عندي لك صبغة شعر أوريجينال ، واللون الكستنائي يليق عليك
– أستاذ عبد العليم يمدح فيك كثيرا .
وما أن جلس سليم على الكرسي وبدأ فالنتينو في تدليك فروة الرأس حتى دخل في النوم كعادته التي لا يعرف علاجاً لها فمنذ طفولته ما أن يجلس تحت يد الحلاق حتي يغط في النوم
– تمام يا أستاذنا نغسل الشعر ونرى النتيجة
وما أن انتهى فالنتينو من غسيل شعر سليم حتى نزل عليه الصمت وكأن على رأسه الطير وأمام المرآة تجحظ عينا سليم لهول المفاجأة
– ما هذا ؟! شعر أحمر .
بصوت مضطرب وابتسامة صفراء باهتة يقول فالنتينو
– اللون الأحمر جميل عليك
– أنت مجنون .. غدا عندي موعد رسمي . أدخل على مدير مكتب الوزير بشعر أحمر . خلصني من تلك المصيبة
– الحل الوحيد نحلق الشعر الوحيد كله .
– احلق بسرعة احلق .
يبدأ فالنتينو بقص الشعر بالماكينة وما أن أزال الجزء الأمامي من شعر الرأس حتى جحظت عيناه ، وبصوت مرتعش يسأل :
– أستاذنا هو لون جلد راسك أخضر ؟!
عبد العليم بجوار سليم في المستشفى :
– حمدا لله على السلامة يا سليم يا خويا
– أرأيت ما حدث لي يا عبد العليم؟
– قدر ولطف يا سليم
– الجو نار يا عبد العليم
– أنت في حاجة لرحلة تروق أعصابك
وبعد تمام الشفاء تمر أيام ويعود سليم للعمل ، مدام نرجس بصوت هادئ :
– الشركة عاملة رحلة للساحل يوم واحد
– متى ؟
– الجمعة القادمة يا أستاذ سليم التفاصيل في الإعلان
– فرصة يا عبد العليم ؛ ناخد الأولاد ونصيف يوم في الساحل
– غالية يا سليم يا خويا . فتحي ابن خالتي يعمل رحلة اليوم الواحد بنصف الثمن
– لكن الشركة ستنقلنا في أتوبيس مكيف ونقيم في قرية سياحية شامل وجبة الإفطار .
– رحلات فتحي ابن خالتي بنصف الثمن وكل الكماليات اسمع مني
– طلعت معاه قبل كده يا عبد العليم
– أنا عمري قولتلك حاجة وطلعت غلط
– إذا خذ احجزلي لخمسة أفراد
وفي يوم الجمعة خرج الأستاذ سليم وأسرته لمكان التجمع حتى وجد أتوبيس فاخراً جداً فارتسمت على وجهه علامات الفرحة
– ألم أقل لكم عبد العليم عمره ما يقول حاجة وتطلع غلط
وفجأة تنشق الأرض عن عبد العليم وأسرته تملأ وجهه السعادة
– يا أستاذ سليم تعالى الاتوبيس على الرصيف الآخر .
وما أن رأى سليم الأتوبيس
– هل هذا الأتوبيس سيوصلنا الساحل ؟!!
– لا تهتم بالشكل إنه صاروخ على الأسفلت .
– هل سافرت به قبل ذلك يا عبد العليم
– أنا عمري قولتلك حاجة وطلعت غلط .
وما أن تحرك الأتوبيس حتى صار كالفرن والجميع يتصبب عرقا
– نتحمل قليلا يا أولاد . عندما نصل نصيف ونبلبط في البحر
وبينما الأتوبيس في طريقه والرمال على جانبي الطريق تشرق الشمس فتزداد حرارة الأتوبيس وإذ فجأة جلبة وأصوات ويتوقف الأتوبيس في الرمال إلى جانب الطريق وقد صارت الشمس في كبد السماء
– انزلوا يا جماعة الأتوبيس تعطل وسنصلحه حالا
– هل يستغرق الإصلاح وقتا كثيرا يا فتحي ؟
– ادع الله يا عبد العليم
يتوجه عبد العليم لأسرة سليم مبتسما :
– لا تقلق يا سليم يا خويا حالا يصلحونه ونصل للساحل ونبلبط في البحر
– أمرنا لله يا عبد العليم
ويمر الوقت وتشتد حرارة الصحراء الجميع يفترش رمال الطريق يستظل بالشماسي يتصبب عرقا وقبيل الغروب تعود الحياة للأتوبيس فيشق صوت فتحي سكون الصحراء
– آسف يا جماعة سنعود لبيوتنا فاليوم انتهى
وفي طريق العودة يخرج سليم رأسه من نافذة الأتوبيس يتلمس الهواء فإذا بسيارة فارهة تمر من أمامه يبرز من نافذتها الخلفية كلب يتدلى لسانه من فمه
– ما بك يا سليم يا خويا
– أتعرف يا عبد العليم . إن هذا الكلب ذهب للساحل وبلبط في البحر ويخرج لي لسانه .
تمر الأيام وتنجح مدام نرجس في الصلح بين سليم وعبد العليم لقرب شهر رمضان المبارك ولا تصح القطيعة بين سليم وعبد العليم ، وذات يوم ينتاب سليم الركود ؛ يشعر بالتعب ربما كان من أثر الصيام ولكن غدا وقفة العيد ، وعبد العليم تغيب عن العمل اليوم ؛ يتصل عليه سليم ليطمئن على حاله :
– ألو يا عبد العليم لم غبت اليوم ؟
– وما سبب دخولك المستشفى ؟
– حمد لله على سلامتك . سأمر عليك بعد انتهاء العمل .
وما أن انتهى سليم من عمله حتى اتصل على زوجته
– سأتأخر قليلا ؛ أزور عبد العليم ، كان في المستشفى
– حاضر لن أنسى الكعك والبسكويت
– مع السلامة
وما أن وصل سليم بيت عبد العليم حتى وجده في سريره يبدو عليه الإجهاد الشديد رغم الابتسامة التي لا تغادر وجهه
– ألف سلامة عليك .. طمني
– وعكة بسيطة .. الحمد لله
– تدخل المستشفى وتقول وعكة بسيطة
– بعد صلاة التراويح قررت الاسترخاء قليلا فحدث ما حدث وربنا ستر والحمد لله
– انتبه لنفسك يا عبد العليم إننا بنكبر لا نصغر
– أنا بخير ، وصحتي بومب
– حمد لله على سلامتك يا عبد العليم
وتدور بينهما أحاديث هامسة تنحدر إلى الهزار فتتعالى ضحكاتهما . و يعطي عبدالعليم لسليم هدية .
– إنها مستوردة يا سليم يا خويا
– هل جربتها يا عبد العليم
– أنا عمري قولتلك حاجة وطلعت غلط . اسمع مني .. ستدعو لي .
عاد سليم لبيته يملؤه الزهو متخيلاً الأهداف التي سوف يحرزها في المرمى في ليلة العيد كما أكد له عبد العليم
وفي صباح العيد ، وبعد أن فرغ المصلون من صلاة العيد
– يا عبد العليم .. يا عبد العليم .. كل سنة وأنت طيب
– أخويا عزام وانت طيب عيد سعيد . أين سليم يا عزام يا ألم يحضر صلاة العيد !!
– سليم في المستشفى من أمس جاءت الإسعاف وأخذته كان في حالة إغماء .
عبد العليم مندهشا :
– يا ترى ما السبب ؟!
تمر أيام العيد ويخرج سليم من المستشفى ، يجلس سليم وعبد العليم على المقهى كالعادة فالأمسيات لا تحلو إلا بالرفقة الجميلة وبينما تتعالى ضحكاتهم إذا بمندوب مبيعات يحمل حقيبة سوداء كبيرة ترتسم على وجهه الابتسامة في حين يتصبب جبينه عرقا يقاطعهما ليعرض بضاعته
– معي عرض مميز شامبو وبلسم وكريم مرطب وشاور چيل . كل هذا بنصف التمن فقط ؛ شركتنا تقدم خصم 50% على العرض
فينطلق عبد العليم كعادته في الكلام
– عرض جميل وفرصة
– هل جربته يا عبد العليم ؟
– لا .. لكن هي فرصة فعلا ؛ عرض لا يتكرر كثيرا
– أشتري على ضمانتك يا عبد العليم
– أنا عمري قولتلك حاجة وطلعت غلط يا سليم يا خويا يقاطعهما مندوب المبيعات مبتسماً تبدو على وجهه فرحة غامرة وبابتسامة يغلفها الود :
– حضرتك لن تندم ؛ شركتنا رائدة في السوق وبضاعتنا عليها إقبال كبير لعروضها المتميزة إنها فرصة يا افندم
يتدخل عبد العليم في الكلام
– نعم يبدو أنني شاهدت إعلان شركتكم في التليفزيون
يقتنع سليم بكلام عبد العليم ويشتري العرض ويعود للبيت يشعر بزهو وفخر ويكأنه ( جاب الديب من ديله ) وبينما يستحم فتح إحدى العبوات ليجربها بنفسه فإذا به يكتشف أن كل العبوات تحوي ” صابون سايل ” نُصب عليه واشترى التورماي ، يخرج دون استحمام يكاد ينفجر غيظاً من عبد العليم ، تسأله زوجته :
– ماذا تفعل عند حوض المطبخ يا سليم ؟
– أغسل المواعين .
في اليوم التالي يلقي عبد العليم السلوم على سليم الذي يكاد ينفجر من الغيظ
– من فضلك يا عبد العليم اتركني
– لماذا ؟!
– العبوات كلها صابون سايل
– ربنا يعوض عليك يا سليم يا خويا
– أين مدام نرجس ؟
– ألا تعرف إنها في المستشفى ستجري عملية الغضروف
– ربنا يشفيها
– لابد أن نزورها
– ولكنني حجزت تذاكر السفر
– إلى أين ؟
– سأسافر مع أسرتي إلى بلدتي وفرصة نزور آثار الأقصر ونؤجر بالون ونعيش يومين وإن سمحت الظروف سنركب باخرة ونقضي يومين في أسوان
– ومتى السفر ؟
– غدا بمشيئة الله
– إذن نزور مدام نرجس اليوم بعد نهاية العمل
– كنت أتمنى أن أزورها لكن لابد أن أجهز نفسي للسفر
– كلها نصف ساعة نعمل فيها الواجب
– دخول المستشفيات صعب الآن خصوصاً مع انتشار الكورونا
– أنا سأتصرف يا سليم أنا أعرف كل دهاليز المستشفى
– لا نريد أن نتعرض للإحراج يا عبد العليم
– أنا عمري قولتلك حاجة وطلعت غلط
وفي المستشفى سار عبد العليم في ممرات المستشفى خلسة يتبعه سليم يدخل عبد العليم من باب ويخرج من باب وسليم وراءه يسير مسلوب الإرادة وما إن وجد باباً عليه لافتة
– يا عبد العليم اللافتة تقول ممنوع الدخول نهائياً لغير الأطباء وهيئة التمريض
– هذا مجرد كلام حتى لا يستخدم أحد غيرهم تلك المسالك المختصرة .
يفتح عبد العليم الباب عنوة يتبعه سليم . المكان يسوده الصمت وما إن وصلوا للباب الأخر حتى وجدوه مغلقا بقفل ولا يمكن فتحه . مضى وقت طويل يبحث فيه عبد العليم عن وسيلة يفتح بها الباب
– لابد أن نعود يا عبد العليم
– معك حق . اتبعني أنا أعرف طريقا آخر
وما أن وصلوا للباب حتى قابلهم شخص في ملابس صفراء مثل رواد الفضاء بدهشة يكلمهما :
– من أنتما ؟ وماذا تفعلا هنا ؟
– دخلنا بالخطأ وكنا خارجين حالاً
– هذا عنبر عزل حالات الكورونا
سليم واجما من هول المفاجأة :
– ألم أقل لك يا عبد العليم اللافتة تقول ممنوع الدخول
– من فضلك أفسح لنا نريد الخروج
– أنتما لن تخرجا إلا بعد حجزكما أربعة عشر يوما
– والرحلة يا عبد العليم
– ربنا يعوض عليك يا سليم يا خويا .
في حجرة العزل ينادي عبد العليم على سليم :
– يا سليم هل سمعت عن القرض الذي تقدمه النقابة للموظفين . يا سليم .. يا سليم .. هل تسمعني؟
سليم زاعقا :
– كفاية يا عبد العليم . كفاية . ارحمني .
_________________________
بقلم الأديب سمير لوبه
تابعنا على