شبهات حول الدعوة إلى الله تعالى (الجزء الثاني)
إسلام محمد
يقول بعض الناس: يجب علينا أن
نترك الناس وشأنهم ولا نتدخل في
شؤونهم الخاصة بأمرهم بالمعروف
الذي لا يرغبون في فعله، ونهيهم عن
المنكر الذي يرغبون فيه، لأن هذا
يتعارض مع الحرية الشخصية الثابتة
في الإسلام. ويستدلّ هؤلاء على
رأيهم بقوله عز وجل: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ [البقرة/256].
والرد على هذه الشبهة من عدة أوجه ، على النحو الآتي:
يتبع
الوجه الثاني : الخطأ في فهم معنا
الآية : كما يخطئ البعض في فهم
قوله تعالى: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾[البقرة/ 256]. فليس معنى الآية بأن للناس كلهم فعل ما يشاءون وترك ما يشاءون،
وليس لأحد إلزامهم على فعل الخير الذي تركوه أو اجتناب الشر الذي فعلوه، بل المراد بالآية كما يقول الحافظ ابن كثير:
«أي لا تُكرهوا أحدًا على الدخول في دين الإسلام؛ فإنه بيِّنٌ واضحٌ، لا يحتاج إلى أن يُكره أحدٌ على الدخول فيه»().
فهذا الأمر خاصّ بأهل الكتاب، وفي هذا يقول الإمام ابن جرير الطبري بعد نقله أقوالًا مختلفة في تفسير الآية: «وأولى
هذه الأقوال بالصواب قول من قال: نزلت هذه الآية في خاص من الناس، وقال: عني بقوله تعالى ذكره: ﴿ لاَ إِكْرَاهَ فِي
الدِّينِ﴾[البقرة/256] أهل الكتاب وكل من جاء إقراره على دينه المخالف دين الحق »().
الوجه الثالث : أن وجوب الدعوة إلى الله تعالى قد ثبت بنصوص الكتاب والسنة. فإن هؤلاء أخذوا آية واحدة وحاولوا
تأويلها وفق أهوائهم وتجاهلوا تلك النصوص الكثيرة الصريحة الواضحة التي لا تترك مجالاً للشك والتردد في فرضيّة
الدعوة إلى الله تعالى، فأين هؤلاء من تلك النصوص التي وردت فيها صيغ الأمر للقيام بالدعوة، وصيغ النهي للمنع عن
تركه ؟ وذلك مثل قوله تعالى: ﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ﴾[آل عمران/104]. ومثل قوله صلى الله عليه وسلم: “مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا فلا
يُستجاب لكم”()، ومثل قوله: “لا يمنعن أحدكم مخافة الناس أن يتكلم بحق رآه أو عرفه”().
وكيف يؤول هؤلاء النصوص التي قُرِن الإيمان فيها بالدعوة، فحُكِم فيها بقوة الإيمان وضعفه مع قوة الدعوة وضعفها ؟
وذلك مثل قولهصلى الله عليه وسلم : “من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك
أضعف الإيمان”().
وبماذا يفسر هؤلاء تلك النصوص التي تجعل (التواصي بالحق) من شروط نيل الفوز والفلاح ؟ وذلك مثل قوله تعالى: ﴿
وَالْعَصْرِ. إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ والنصوص التي
توعد الله تعالى ورسوله فيها المجتمع بالفتنة والعذاب إذا تُرك واجب الدعوة إلى الله، وذلك مثل قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُواْ فِتْنَةً
لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾[الأنفال/25] ومثل قوله تعالى ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن
بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ . كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ
مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ﴾[المائدة/ 78].
الوجه الرابع : تفنيد الشبهة استنادًا إلى قيام الرسول الكريم بالدعوة. فلنا أن نسأل أصحاب هذا القول: على من أنزلت
الآية ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ أعليكم أنزلت أم على سيّد الأولين والآخرين إمام الأنبياء وقائد المرسلين ؟ أأنتم أعلم بمرادها أم
هو الذي أسند إليه أمر بيان المنزل؟، يقول تعالى ﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾
[النحل/44].
وهل أمر عليه الصلاة والسلام الناس بالمعروف ونهاهم عن المنكر أم تركهم وشأنهم مراعيًا مبدأ الحرية الشخصية ؟!
لقد قام بالدعوة إلى الله تعالى في البيت وفي المسجد والسوق، وفي الحضر والسفر، وفي الحرب والسلم، ويغنينا في هذا
المقام عن ذكر أمثلة دعوته وصف أصدق القائلين اللطيف الخبير له بقوله: ﴿يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ﴾
[الأعراف/157]
وقد أمرنا الله تعالى بالاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ يقول سبحانه وتعالى:﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ
لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾[الأحزاب/21].