أدب وثقافه
طريق التوابل سبيل الأدب/ بقلم د/ طــارق رضــوان
يقول الصينيون: “كان الأقدمون يرون أن أحسن الشعر ما كان معناه أبعد من لفظه، وما اضطر قارئه أن يستخلص معناه لنفسه” . الشعر الصيني كالأخلاق الصينية والفن الصيني ذو جمال رائع لا حد له. تخفيه بساطة هادئة مستكنة. فهو لا يعمد إلى الاستعارة والمجاز والتشبيه بل يعتمد على إظهار ما يريد أن يتحدث عنه، وهو يتجنب المبالغات والانفعالات ويلجأ إلى العقل الناضج بما فيه من إيجاز في القول وما يتقيد به من قيود. وقلما تراه في صور روائية هائجة، ولكن في مقدوره أن يعبر عن المشاعر القوية بأسلوبه الهادئ الرصين:
الناس يقضون حياتهم متفرقين كالنجوم تتحرك ولكنها لا تلتقي أبداً.
أما هذه العين فما أسعدها ، إذ ترى مصباحاً واحداً يبعث الضوء لي ولك!
ألا ما أقصر أيام الشباب!
وإن لما منا لتدل الآن على أن حياتنا قد آذنت بالزوال.
بل إن نصف من نعرفهم قد انتقلوا الآن إلى عالم الأرواح.
ألا ما أشد وقع هذا على نفسي.
أما المقالة الصينية فهي أجمل من التاريخ الصيني وأعظم منه بهجة. وأوسع كتاب المقالات شهرة هان يو العظيم الذي يقدر الصينيون كتبه أعظم تقدير ، ويجلونها إجلالا بلغ من قدره أنهم يطلبون إلى من يقرؤها أن يغسل يديه بماء الورد قبل أن يمسها.
الصينيين لا يقرون أن التمثيل أدب أو فن، من أجل ذلك لا نكاد نسمع بأسماء كُتاّب المسرحيات ، والممثلون ينظر إليهم على أنهم من طبقة منحطة. غير أن المسرح لم يصبح نظاماً قومياً معترفاً به إلا في عهد كوبلاى خان. ذلك حين زار كونج دوْفو بلاد المغول ورأى فن المسرح لديهم فنقلوه إلى الصين. وحين فتح المغول الصين أدخلوا فيها القصة المقروءة والمسرحية ، ولا تزال أرقى المسرحيات الصينية في هذه الأيام هي المسرحيات التي كتبت في أثناء حكم المغول. وتقدم فن التمثيل على مهل ، لأنه لم يلق معونة من رجال الدولة ولا من رجال الدين. وكان معظم العاملين فيه ممثلين جوالين، يقيمون طواراً في حقل خال من الزرع ويمثلون ما يشاءون أمام النظارة القرويين الواقفين في العراء.
علاقة الصين بالأدب العربى :
عندما نتأمل تاريخ التبادلات الأدبية بين الصين والعرب، سوف نكتشف أن الصين قد ترجمت، وقدمت، وبحثت في الأدب العربي في فترات زمنية مختلفة. وهناك أكثر من شركة صينية تحول المحتوى العربي الورقي لمحتوى رقمي، وأن مؤسسة بيت الحكمة، نجحت في تقديم أول مكتبة عربية رقمية.كما أن هناك 43 جامعة في الصين تدرس اللغة العربية. كما تم تأسيس جمعية بحوث الأدب العربى الصينى وأنشطته، حيث نظمت الكثير من المناقشات الأدبية الوطنية. مما أدى إلى تعميق فهم الأدب العربي ودراسته.
ورصد كتاب “تاريخ التبادلات الأدبية الصينية العربية” رحلة التبادلات بين الأدباء العرب والصينيين منذ القدم بين الحضارات الصينية والعربية، والترجمات الصينية الأولى للأدب العربي. فقديما عرفت الصين العرب منذ القرن الثاني قبل الميلاد. ثم كان (طريق الحرير) الذى لم يكن مجرد مشروعات إقتصادية وتبادل تجاري فقط ، ولكنه كان أيضًا تلاقح ثقافي وتبادل معرفي علمي وأدبي عمل على التقريب بين الشعوب العربية والشعب الصيني. ثم تبعه طريق الحرير البحري أو ما يعرف باسم طريق التوابل حيث توافد الكثير من التجار إلى الصين، مما أدى إلى التبادل الأدبي والثقافي والحضارى بين الشعب الصينى والشعوب العربية.وعلى سبيل المثال لا الحصر تجد قصة «صاحبة خان الجسر الخشبي» جاء بها التجار العرب إلى الصين. كما دعم الكثيرون من الكتاب الصينيين المعروفين والشخصيات الثقافية ذات الشأن بإبداعهم الأشقاء العرب حين غزت القوات البريطانية والأمريكية لبنان عام 1956.
وجدير بالذكر أنه في كل من الكتب القديمة سواء العربية أو الصينية تسجيلات عن الآخر، ومن الكتب الصينية القديمة هناك «كتاب هان» و«كتاب هان الأخيرة» و«سجل الاستدراكات» و«تونغ ديان» و«كتاب تانغ القديم»، وأنه من الكتب العربية التي جاء فيها ذكر للصين هناك «مروج الذهب» للمسعودي، «ورحلة ابن بطوطة» و«رحلات سليمان السيرافي» . فالأدب العربى والأدب الصينى لهما نفس الأهتمامات الأدبية فكلاهما يتحدث عن موضوعات مثل النضال من أجل التحرير الوطني، وقضايا الريف والأرض، والأعراف الإقطاعية، والقيود على النساء تلك الأعمال الأدبية التي تصور المجتمع والأسرة والحياة، وتستكشف الفلسفة والرمزية. وكنت قد كتبت مقال بعنوان “التشابه بين محفوظ وباجين شاهدان على العصر بقلم د/طارق رضوان”
دور حركة الترجمة:
وحديثا سافر بعض الصينيين المسلمين في ثلاثينيات القرن العشرين إلى مصر للدراسة في أزهرهاوصاروا علماء ذو إسهامات جليلة في التبادلات الثقافية الصينية العربية. منهم من ترجم «ألف ليلة وليلة»، ومنهم من ترجم «الأرض» للشرقاوي، ومنهم من ترجم أعمالا أدبية صينية بارزة مثل رائعة ماودون «منتصف الليل» ومنهم من ألف الكتب ومنهم من أفنى عمره في ترجمة معاني القرآن الكريم.
كما ترجم ما آن لى «البردة» للبوصيري. وفي العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين، تُرجمت أعمال لجبران خليل جبران، وطه حسين، ومحمود تيمور وقليل من الأدب القديم والحديث، وأنه في الخمسينيات ترجمت رواية الكاتب اللبناني جورج حنا «كهان الهيكل»، والمجموعة القصصية «دماء لا تجف» للكاتب المصري عبد الرحمن الخميسي، ثم «عودة الروح» للكاتب المصري توفيق الحكيم، و«الأرض» للمصري عبد الرحمن الشرقاوي، و«هاتف المغيب» للمصري جمال الغيطاني الذى قال عن كتاب الطاو ما معناه: “إن هذا الكتاب يشبه الفلسفة العربية الصوفية؛ إذ يبحث في جوهره عن الحقيقة، وسواء كان كتاب الطاو أو الكتب الصوفية فأنا أجد في كليهما بيتي الروحي”.
فصدرت «مختارات من الشعر العربي القديم»، و«مختارات من الشعر العربي الحديث»، وقد تُرجمت قصائد شعراء قدامى، كما ترجمت جنبا إلى جنب أشعار البياتي وسعاد الصباح وأدونيس وفاروق جويدة وغيرهم من الشعراء العرب المعروفين. كما تُرجمت أيضا القصص الشعبية وقدمتها إلى القارئ الصيني ومنها كليلة ودمنة، وعنترة بن شداد، وحي بن يقظان ورحلة ابن بطوطة وسيف بن ذي يزن وغيرها. ظهرت أول ترجمة صينية لـ «ألف ليلة وليلة» في عام 1903، حين ترجم تشو تسوا رين قصة “على بابا والأربعين حرامي”، وفي عام 1930، ترجم وانغ يوان فانغ مقتطفات من «ألف ليلة وليلة» “الليالي العربية”.
وبفضل ما كان لجبران من شهرة، بدأت الصين في ترجمة أعماله منذ زمن بعيد، وأن كل أعماله على اختلاف فترات إبداعه من رواية ونثر وشعر حظيت باهتمام المترجمين الصينيين. في عام 1931 ترجمت الكاتبة الصينية المعروفة بين شين رائعته «النبي»، وأعمال أخرى منها على سبيل المثال «الأجنحة المتكسرة» و«الروح المتمردة» و«العاصفة» و«الدموع والضحك».
دور النشر والمترجمون الصينيون، قد انتبهوا لأهمية محفوظ وأحبوا أعماله من قبل حصوله على نوبل بزمن طويل. وبعد حصول نجيب محفوظ على نوبل ترجم له الصينيين كثيرا من أعماله مثل «رادوبيس»، و«بداية ونهاية»، و«القاهرة الجديدة» و«زقاق المدق»، و«الكرنك»، و«ملحمة الحرافيش» و«حضرة المحترم» و«اللص والكلاب» و«دنيا الله» وغيرها.
وكذلك قامت دراسات صينية واسعة للأدب العربى ومنها دراسة تشي مينغ مين: «مقارنة بين “شعر الزهد” في العصر العباسي و “شعر الرهبنة ” في عصر أسرتي تانغ وسونغ»، وأطروحة قان لين جيوان «جبران في الصين»، وأطروحة شييه يانغ «دراسة في الأسلوب اللغوي عند نجيب محفوظ»، وكتاب شيوه تشينغ قوا «بستان الأدب العربي الكبير»، وكتاب دينغ شوهونغ «الأدب الشعبي العربي»، وأطروحة يوء يوء «ابن المقفع و الفكر الإصلاحي»، وكتاب تشونغ جيكون «تاريخ الأدب العربي» وغير ذلك كثير من المؤلفات ، وهذا بخلاف عدد لا بأس به من المعاجم في اللغتين الصينية والعربية.
وقد أولى العلماء العرب اهتماما كبيرا بالكلاسيكيات الصينية؛ فقد ترجموا «محاورات كونفوشيوس» و«كتاب الطاو» عدة مرات على أيدي مترجمين مختلفين. كما ترجموا كتاب «تشوانغ تسو»، و«كتاب التغيرات»، و«كتاب «فن الحرب لسون تسي بين»، و«كتاب الشعر»، وترجموا أيضا أشعار لي باي ودوفو، وبايجيو يي، وتاو يوان مينغ، ولي تشينغ تشاو، ووانغ واي، ولي شانغ يين وغيرهم من الشعراء، وهناك أيضا تراجم مبسطة لـ«قصص الأساطير الصينية» و«الأساطير الصينية القديمة» و«رحلة إلى الغرب» و«على حافة الماء» و«حلم المقصورة الحمراء».
الزيارات والمهرجانات الأدبية:
الكثير من الباحثين الصينيين زاروا البلاد العربية وشاركوا في فعالياتها الثقافية مثل “مهرجان مربد للشعر في العراق، و”مهرجان الجنادرية للثقافة والتراث” بالمملكة العربية السعودية، و”ندوة العلاقات الصينية العربية والحوار بين الحضارتين الصينية والعربية” بالمملكة العربية السعودية أيضا، و”المؤتمر العربي الصيني في لبنان”، و”المؤتمر الدولي الثالث عن جبران” والذي أقامته جامعة ميريلاند الأمريكية، “ومنتدى اللغة والثقافة المصرية الصينية” الذي أقامته جامعة قناة السويس في مصر،
الوسوم: هان يو العظيم/ عهد كوبلاى خان/ المغول/ مؤسسة بيت الحكمة/ ما آن لى/بردة البوصيرى/ أشعار البياتي وسعاد الصباح وأدونيس وفاروق جويدة/