طـارقُ على فضـائـيات العصر
بقلم الأديب المصـرى
د. طــارق رضـــوان
وما إن شَرعت فى كتابة مقالى الجديد عن الفضائيات،حتى إندهشت
من ثورة عارمة ونقاش حاد ، لكنه عتاب الأحبة بينى وبين الورقة
والقلم الصديق.صاحت وريقتى قائلة:” لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ”.
فسألتها “أظلمتك يا ورقتى الحبيبة؟!” قالت بلى فأنت تهملنى ولا تلجأ
لى إلا حين تحتاج أن تكتب على وجهى الصبوح، وكذلك قلمك هذا
جاحد لا يلمسنى إلا حين يحتاجنى للتعبير عن أفكاره.فعجزت
وأندهشت من إدعائها، وعجزت فلسفتى وقوة منطقى عن جدالها.لكنى
بعد برهة أردت أن أُعلِمُها شيئاً جديداً ،فسألتها “ألا تعلمى أن الصمت
أحياناً أبلغ من الكلام..فما الداعى أن أذكر تقديرى ومحبتى لك
علانيةً؟” وأن إهتمامى بك وحفاظى عليك فوق مكتبى أو فى أدراجه
قمة الإهتمام؟لكنها إشتكت حالها وقالت “إننى دوماً أُحملها ما لا طاقة
لها به من أفكار. وهذا من الأعباء الجثام. فتعجبت من قولها
وسالتها”ماذا لو أن الورق أمتنع عن تأدية الأمانة وتوصيل الرسالة؟!
قالت “حسناً… ولكن أتركنى الأن فالكل نيام وأنت أعتدت ان تكتب فى
الظلام ،وأعتدت أن توقظنى من أجمل الأحلام. فأردت أن أفوز بجولتى
هذه فأخبرتها سائلاً “ألا يكفيك أن مجدك ربى فى قرأنه: ” اقْرَأْ بِاسْمِ
رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3)
الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4)”. وذكرك وقرن اسمك بالجنه ” بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا
وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ” ﴿٢٢ الأعراف﴾ -“وَطَفِقَا
يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ” ﴿١٢١ طه﴾ – “وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا
يَعْلَمُهَا” ﴿٥٩ الأنعام﴾ – “فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَٰذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ” ﴿١٩
الكهف﴾
أخبرتها أنى أعلم قدرها وتاريخها، فكيف لى أن أهملها وأغفل قدرها؟!
ألا ترى أنك برديات فرعونية باهظة الثمن والقيمة؟ لك تاريخ مجيد
ولك متاحف بارعة الجمال. قالت: “إن الله كريم ، مجدنى وكرمنى.
لكنك لئيم تجحد بى ولا تعترف بدورى. فأحترت من أمرها وعجزت عن
تفنيد رأيها وإقناعها ، وخشية ان تهرب منى أفكارى وحينها…لن أجد ما
أكتبه على وجهها، حال موافقتها وإرضائها…فما الحل؟!!
وقفت حائرا وبين أصابعى قلمى نتفاوض كيف يمكننا إرضائها وإصلاح
الثقة بينا وبينها. فلا يعقل أن نغفل حقها ، ونحن نُعلم الناس حُسن
الخُلق وأدابها.فقررنا أن نلجأ لحيلة ماكرة لإستدراج ورقتى الطيبة
العنيدة وبدأت وقلمى فى حوار فسألته: أتذكر يا صديقى حقبة
“الأنتين” أو ” الإيريال” والتليفزيون وهل تعرف ما هى الفضائيات
الحالية؟” قال: “نعم ولكن الأمر يتعلق به نقاط كثيرة منها تعريف
الفضائيات، شروط القنوات الفضائية، فوائدها وأضرارها.
فلما عَلِمت وريقتى أن بمقالى رحلة متلفزة لذيذة وجولة ترى فيها
برامج وأفلام ومسلسلات عزيزة، راقها الأمر وهمت بقبول الكتابة
“خاصة أنى وعدتهما بأمثلة وحقائق يُندى لها الجبين وتقشعر لها
الأبدان وغير ذلك الكثير. وهنا بدأت وريقتى بالتحدث:”هيا دونوا
رحلتكم وسجلوا بحثَكم، لعل جهدى وجهدكم هذا يكون سبب فى
هداية عباد الله وعونهم.
وبدأنا بحقبة “الأنتين” أو ” الإيريال”:
ومن أدبيات تلك الحقبة التاريخية المندثرة، أن هناك فردا في الأسرة
(غالبا الأصغر القادر على الحركة الرشيقة) وظيفته الأساسية هي
تحريك الهوائي يدويا باستمرار وفي اتجاهات مختلفة إلى أن يتلقى
الصرخة الأخيرة من عند من يتابع الشاشة بالتوقف والتسمر وتثبيت
الهوائي عند تلك النقطة التي باتت فيها الصورة أوضح ما يكون.
ثم ظهرت الفضائيات: ويُعرف هذا المصطلح أيضاً باسم المحطات
التلفزيونيّة، ولقد سُمّيت بهذا الاسم؛ لأنّها ترتبط بشكل مباشر مع
الأقمار الفضائية، ومنها تصلُ إلى مختلف أجزاء العالم وفقَ منطقة البثّ
الذي يغطّيه القمرُ الصناعيّ الفضائيّ. وتتصفُ هذه القنوات بسمةِ
الشموليّة، أو تتسم بصفة التخصيص، أي تناول جانب واحد من
قطاعات الإعلام.
وكانت الفضائيات العربية الحديثة فى البدايات الأولى لها تتنافس في
الترفيه مع حذر شديد في تغيير مضمون نشرات الأخبار، فالرقيب
الأمني لا يزال من ذوي “الأنتين” وفكرة الفضاء التلفزيوني كلها بالنسبة
له بدعة مستحدثة.
وكان التنافس في نقل الأفلام الأحدث بما تيسر، لكن التنافس الأشد
كان بين القنوات اللبنانية الأكثر جرأة في برامج الترفيه والغناء
والرقص، ومن “كلاسيكيات”.
وتسألنى وريقتى “هل المشاهد القديم يختلف عن المشاهد الأن؟”
بالطبع هناك إختلاف جم حيث صار المشاهد مجرد متلق في حالة
استرخاء، وهو ما غير من نمطيات السلوك الاجتماعي بما تتضمنه من
قيم اجتماعية وسهرات متبادلة، ونوعية الحوار بين الأفراد والجماعات
البشرية في العالم العربي، وبدلا من مناقشة هموم العالم العربي
المشتركة، صار النقاش يدور حول البرامج المفضلة وتوزيع أوقات بثها
عبر رسائل نصية من الهواتف المحمولة. ثم تطورت الهواتف المحمولة ،،
ودخلت الفضائيات في منافسة عنيفة مع هذه التكنولوجيا الموازية
لها.فالهواتف المحمولة أصبح لها برامج ترفيهيه خاصة بهم مثل (فيس
بوك وانستغرام وتويتر). فبدأت تغريدات المشاهير تتحول لبرامج على
قنوات الفضائيات و أصبحت مادة للمناقشة. وأصبح كل شىء مباح
وممهد، صارت الفتوى تحت الطلب تصل ملـونة وبالصـوت والصـورة
من الدارسين وغير المؤهلين.
وللقنوات الفضائية شروط مثل: مراكز البثّ، التشفير والبث ،الطبق،
جهاز الاستقبال.
وصرنا نتعايش مع فتن الإعلام المنحرف الذي إستخدم أدوات متعددة
لتغيير عقائد ومفاهيم كثير من الناس: وأصبحت طاعة الوالدين عبث،
والمحبة للزوج ذلة وضعف ، وخدمته جبروت وقسوة! خيانة ، فجريمة
، حب مخز ، وتبرج فاحش مثير .. يفسد المرأة والرجل كلاهما ..
ولكن هل هذا التغيير والإنحدار فى المادة الثقافية (أو الوجبة الثقافية)
تم بشكل تلقائى دون تخطيط؟ ومن خطط لنجاح ذلك الفشل
الإعلامى؟ (يسألنى قلمى)
سأجيبك يا صديقى عن أصل الحكايةفهذا تصريح الكثير من رؤساء
أعدائِنا ممن استنتجوا أن زرع الفتن ومحاربة العقول أهون بكثير من
حرب السلاح والدبابات بل و أسرع نتائجاً ..فيقول أحدهم:
( إنه لا أحد أقدر على جر المجتمع إلى الدمار من المرأة فجندوها لهذه
المهمة )
ويقول أحد أقطاب المستعمرين:
( كأس وغانية تفعلان في تحطيم الأمة المحمدية أكثر مما يفعله ألف
مدفع ، فأغرقوها في حب المادة والشهوات ).
يقول الكاتب عائض البدراني من المدينة المنورة في ( مجلة الأسرة ) :
شبابُنا ضـاع بيـن الـدشُّ والقـدمِ **وهـام شوقـاً فمـالَ القلـبُ للنغـمِ
يقضي لياليه في لهـوٍ وفـي سهـرِ ** فـلا يفيـق ولا يصحـو ولـم ينـمِ
يقلّب الطرفَ حتى كـل مـن نظـرٍ **إلى قنـاة تبـثُّ السـم فـي الدسـمِ
فقلّـد الغـرب حتـى فاقهـم سفهـاً **وضـاق بالديـن والأخـلاق والقيـمِ
أرى سموماً أتت من ( سات ) يرسلها **إلى شبابٍ هوى فـي حالـك
الظلـمِ
أرى شباكاً من الأشرار قـد نصبـت **فما تصيد سـوى الغربـان والرخـمِ
كفى صدوداً عـن الإسـلام ويحكـمُ **فالعمرُ فـانٍ وحانـت ساعـة النـدم
أعمالكـم يـا عبـاد الله قـد كُتبـت ** ملائـك الله خـطّـت ذاك بالقـلـمِ
عودوا إلى الله شدُّوا العزم واتحـدو **اوحطمـوا الكفـر بالأقـدام
والهمـمِ
دعوا الحداثـة والتغريـب واتبعـوا ** نهجاً قويماً يُضـيء الـدرب للأمـمِ
هـذا كتـابٌ مـن الرحمـن أنزلـه **على البرية من عـرب ومـن عجـم
قد ضلَّ من يبتغي في غيـره شرفـاً **وبـات يغـرق فـي مستنقـع وخـمِ
وهـذه سـنـة المخـتـار بينـكـمُ **من مال عنهـا ورب البيـت ينهـزمِ
فوسائل الإعلام التي تحذر من الرذيلة وتتبنى الحملات الداعية إلى
وقفها ، هي نفسها التي تقوم بتغليف هذه المواد بأغلفة فاقعة الألوان
كالسياحة والفنون ومسابقات الجمال وإطلاق الحريات المبيحة للشذوذ
وتعاطي المخدرات ، وقبل ذلك وبعده يبرز التجاهل التام لتقاليد
الحشمة والعفاف واعتبارها من مخلفات العصور الماضية .
يا ســادة فتشوا عن نقص المناعة الإعلامي. فالتلفزيون أصبح الوالد
الجديد للأبناء. تحول الإنسان من الصياغات العاطفية والإنسانية إلى
شخص آلي مولع بـالأرقام ناهيك عن الانفصال العاطفي .
ولكل هناك شىء إيجابى بقضية الفضائيات ، شأنها فى ذلك شأن أى
إختراع حديث له إيجابيات وله سلبيات. وإستخدامنا لمثل هذه
الإختراعات هو الفيصل. وذكرت الباحثة الجامعية التونسية سنية
المنصوري في تصريحات لـ”إسلام أون لاين.نت” الخميس 31-7-2003
: إن وجود قنوات فضائية إسلامية أمثال اقرأ والمجد وغيرهما من
الفضائيات، قد مثل مصدرا بديلا للمعرفة الإسلامية وللفتوى الدينية،
خصوصا لدى الفتيات والنساء، في ظل غياب الدعاة والوعاظ الدينيين
عن المساجد والبرامج الإذاعية والتلفزيونية المحلية. و يُعد جود قناة
إسلامية بديلة موجهة للمرأة المسلمة خاصة ضرورة من الضروريات
وهذا ما أكدته الكاتبة رقية الهويريني في( مجلة الأسرة العدد 113)
لكن إذا أردنا أن نُقاوم هذه الموجة من الإعلام الفاسد ، لمن توجه
كلمتك وماذا تريد أن تقول فيها ؟! نوجهها إلى من أطلقوا على المنطقة
العربية الإسلامية ( الشرق الأوسط ) وهو مصطلح مضلل موغل في
العنصرية ، فهو يتخذ من أوروبا والغرب مقياساً نصبح نحن شرقاً
أوسط لهم واليابان شرقاً أقصى ، ولا معنى للمصطلح إلا إنساء الناس
أن المنطقة إسلامية. أسماء المدن الإسلامية تدفن وتستبدل بها أسماء
أجنبية يرددها الإعلام العربي. ففلسطين المحتلة أصبحت بالكاد (
الضفة وغزة ) . والدار البيضاء تصبح كازابلانكا. قد يستساغ أن ينحو
الإعلام الغربي هذا المنحى فذلك ديدنهم وتلك طبيعتهم لكن أن يحذو
حذوهم نفر من بني جلدتنا فذلك من قواصم الظهر (مجلة الأسرة العدد
63 جمادى الآخرة 1419 هـ)
39 % من الأبناء تعجبهم كلمات الأغنية و 31 % يشاهدونها لجمال
المغني / المغنية والراقص والراقصة
و 26 % منهم يجذبهم إخراج الأغنية وعلاقة المرأة بالرجل فيها و25
% يتابعها لما تحتويه من إثارة وتشويق .
وتفيد إحدى الدراسات العلمية الحديثة أن نسبة 69 % من الجمهور
العربي يشاهدون الفضائيات لمدة أربع ساعات يومياً .
و 40 % من هذه الفضائيات تتبع الحكومات العربية
والبقية تعتبر مستقلة ظاهرياً فقط ، وعلاوة على ذلك فهي تعبر بصورة
أو أخرى عن ثوابت النظام الذي ينتمي إليه أصحابها
وتمثل البرامج الإخبارية في هذه الفضائيات حوالي 5 % فقط .
وأخيرا فليس هناك توازن بين مخرجات التكنولوجيا وحاجيات
المجتمع العربي ..وهذا التفكك نتج عنه مفاهيم جديدة كغياب إحترام
الوالدين.والتفكك الأسري الذي نعيشه هو ضريبة الحياة الاستهلاكية
التي تم استيرادها من الغرب. نحن بصدد إستراتيجية تغييبية تفتيتية
رسمها الغرب ولم يكن يحلم بأن ينفذها أبناء الشرق بهذه الكفاءة.
قنوات الأغاني 88 قناة. قنوات الأفلام والمسلسلات 60 قناة. القنوات
الرياضية 50 قناة. قنوات الشعر والإنشاد 20 قناة.قنوات الإعلانات 8
قنوات. قنوات المطبخ والنساء 6 قنوات. هذا فضلاً عن 78 قناة
متنوعة تقدم قليلاً من النشرات والبرامج الهادفة والباقي أفلام
ومسلسلات وأغان هزلية. وكان من الواضح وجود 34 قناة شيعية على
القمر الصناعي المصري تبشر بالمذهب الشيعي في المنطقة السنية
وتدندن على وتر الشبهات.
علماً بأن هناك دراسة بجامعة الزقازيق كشفت عن أن حجم
الاستثمارات العربية في صناعة الفيديو كليب، بلغ 16.4 مليار
دولار.مليارات ضخمة من أموال المسلمين تستنزف من خلال الأبناء
المغيبين، وبعض الآباء المهووسين بأوهام اليانصيب، وذلك من قبل فئة
قليلة تمتلك القنوات الفضائية الهزلية. هناك غياب للضوابط الناظمة،
وقلة الكفاءات الإعلامية ونقص البرامج الهادفة، مما يهدد بقاء ونجاح
أعلب القنوات الفضائية.