الإمام السنوسي هو محمد بن علي السنوسي بن العربي، يعرف بالسنوسي الكبير، وهو المؤسس للدعوة السنوسية، والأسرة المالكة السابقة في ليبيا، وتنسب السنوسية لجده الرابع. وهو من سلالة الأدراسة الذين يتصل نسبهم بالامام علي بن أبي طالب والسيدة فاطمة الزهراء. ولد في بيئة عربية في ضاحية وادي مينا بمنداس الواقعة على ضفة وادي شِلْف (التابعة في الوقت الحالي لبلدة مستغانم في الجزائر)، كان مولده فى يوم الإثنين ١٢ ربيع الأول ١٢٠٢ هـ، الموافق ٢١ ديسمبر ١٧٨٧م. يرجع نسبه إلى الإمام علي بن أبى طالب كرم الله وجهه وهو كالآتى : “محمد بن علي بن السيد السنوسي بن العربي الأطرش ابن محمد بن عبد القادر بن أحمد شهيده بن محمد شائب الذراع بن أبي ذهيبة يوسف ابن عبد الله بن خطّاب بن أبي العسل علي بن يحيى بن راشد بن أحمد المُرابط بن منداس بن عبد القوي بن عبد الرحمن بن يوسف بن زيّان بن زين العابدين بن يوسف بن الحسن بن إدريس بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن حمزة بن سعيد بن يعقوب بن داوود بن حمزة بن علي بن عمران بن إدريس الأزهر الأصغر أمير المسلمين وباني مدينة فاس بن إدريس الأكبر أول ملوك الأدارسة في المغرب بن عبد الله الكامل بن الحسن المُثنّى بن الحسن السبط بن الإمام علي كرم الله وجهه وابن السيدة فاطمة الزهراء بنت الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم”. تُوفي والده وعمره سنتان وأعقبته والدته بقليل وتركاه صغيراً فتولت كفالته عمته فاطمة الزهراء بنت السنوسي بن العربي بوصية من والدة أخيها علي. أخذ العلم في بلدتي الواسطة وفاس، بدأ طلب العلم على يد علماء مستغانم ثم رحل إلى فاس سنة ١٨٢٨م والتحق بجامع القرويين وحصل على المشيخة الكبرى وعين مدرسا بالجامع الكبير بمدينة فاس، ودرس فيها الطرائق القادرية والناصرية والحبيبية والشاذلية والجازولية ولكن دعوته إلى جمع المسلمين أقلقت حكومة السلطان فرَحل أواخر عام ١٨٢٩م إلى عين ماضي حيث درس بها الطريقة التيجانية ثم قصد مدينة الأغواط في جنوب الجزائر. بعد احتلال فرنسا للجزائر قرر السفر شرقا ليطلع على أحوال العالم الإسلامي ويحج بيت الله، رحل إلى تونس فزار قابس، ثم طرابلس وبنغازي ثم بلغ مصر عام ١٢٣٩ هـ الموافق ١٨٢٤م، ثم واصل رحلته حتى بلغ الحجاز. كان الإمام السنوسي رحمه الله، زاهداً في الدنيا، راغباً في الآخرة، حريصاً على دعوة الناس للحق، ولم يحرص على جمع الأموال وحطام الدنيا الفاني. فى مكة المكرمة بدأت جهود الشيخ فى تأسيس الحركة السنوسية والتى قامت على الدعوة إلى التمسك بالكتاب والسنة، والعمل بهما، ونفض ما علق بالإسلام من أمور خارجة عنه بسبب الجهل بتعاليمه الصحيحة. ثم غادر مكة إلى طرابلس الغرب، فأقام أولًا في الجبل الأخضر، وأنشأ «الزاوية البيضاء» في الجبل الأخضر في ولاية طرابلس الغرب فكانت أم الزوايا السنوسية، انتشرت طريقته، وكثر مريدوه، وتوسع إنشاء الزوايا إذ بلغت الزوايا في جميع أنحاء ليبيا (٢٢) منها (١٨) في برقة، وبدأ يخطط لإصلاح حال المسلمين في برقة ليتمكنوا من الوقوف في وجه الهجمة الصليبية الجديدة التي تشنها دول أوربا. زار السنوسي الحجاز ثانية ووجد بعض المعارضة لأفكاره، ولما عاد عام ١٢٧٣هـ الموافق لعام١٨٥٦م، نقل مركزه إلى واحة الجغبوب في جنوب برقة، وهي مركز للقوافل، ليعمل على نشر الإسلام في وسط إفريقيا وبقي في جغبوب حتى وفاته. وفي الجغبوب أنشأ مدرسة ومكتبة وأعدّ الطلاب لنشر مبادئه الإسلامية، فكانوا دعاة مسلمين بين القبائل العربية والإفريقية، فانتشر الإسلام في «ودّاي»، وخاصة بعد تحريره قافلة عبيد أسلموا وصاروا دعاة. كانت الزوايا التى أسسها السنوسي مراكز نشاط علمي واجتماعي واقتصادي وإداري، حتى إن السلطة العثمانية اعترفت بهذه الزوايا ونشاطها الإسلامي وما تقدمه من جهود تتفق مع أهداف الخلافة الإسلامية العثمانية، وهي في الوقت ذاته قوة لمناطق إسلامية في وجه العدوان الصليبي الأوربي. ومن هذا الاتجاه كان اهتمام السلطان عبد الحميد الثاني بالطريقة السنوسية ودعمه لها. يعتبر الإمام السنوسي من أهم زعماء الإصلاح في العالم الإسلامي؛ لما لجهوده من أهمية تاريخية في تاريخ الحركات الإصلاحية في العالم الإسلامي، لأنه نجح في تأسيس الحركة السنوسية والتى قامت على الدعوة إلى التمسك بالكتاب والسنة والعمل بهما ونفض ما علق بالإسلام من أمور خارجة عنه بسبب الجهل بتعاليمه الصحيحة. كما كان لها أيضا التأثير الكبير في يقظة العالم الإسلامي في مواجهة الاستعمار الأوروبي في بلاد المغرب وجنوب الصحراء، حيث بدأت جهود الشيخ فى تأسيس السنوسية أولا بمكة المكرمة عام ١٨٣٧ه ، ليتخذ في النهاية منطقة برقة بليبيا مجالا لعمله عام ١٨٤٤ه ، فارتبطت هذه الدعوة بليبيا و كانت سببا في جمع شمل قبائل الصحراء الليبية. للإمام السنوسي العديد من المؤلفات والكتب، فله نحو أربعين كتاباً ورسالة، منها المطبوع، ومنها ما لم يطبع ولكن ورد ذكره في الكتب المطبوعة مما يؤكد على وجودها. نتناول أولا الكتب المطبوعة من مؤلفات السنوسي هي : ( شفاء الصدر بأري المسائل العشر، إيقاظ الوسنان في العمل بالحديث والقرآن، كتاب المسائل العشر المسمى بـ«بغية المقاصد في خلاصة الراصد»، السلسبيل المعين في الطرائق الأربعين: وهو بهامش الكتاب السابق، الدرة السنية في أخبار السلالة الإدريسية وما في حكمها من السادات العلوية ممن له ولاية في الأقطار المغربية، رسالة مقدمة موطأ الإمام مالك، رسالة المسلسلات العشرة في الأحاديث النبوية، المنهل الروي الرائق في أسانيد العلوم وأصول الطرائق). أما الكتب التي لم تطبع وورد لها ذكر في الكتب المطبوعة مما يؤكد وجودها فهي : (الشموس الشارقة في أسانيد شيوخنا المغاربة والمشارقة، سوابغ الأيد بمرويات أبي زيد، الكواكب الدرية في أوائل الكتب الأثرية، البدور السافرة في عوالي الأسانيد الفاخرة، هداية الوسيلة في اتباع صاحب الوسيلة، رسالة شاملة في مسألتي القبض والتقليد، رسالة جامعة في أقوال السنن وأفعالها، شذور الذهب في محض محقق النسب، موضوعة تاريخ أسلاف السنوسي، طواعن الأسنة في طاعني أهل السنة، رسالة السلوك) هذه هي أهم الكتب التي ألفها السنوسي وقد شملت هذه المؤلفات عدداً من المواضيع، وكان أكثرها يتناول مباحث فقهية وصوفية، وفيها كتاباً أو كتابين يتناولان مواضيع تاريخية. من أقوال الإمام السنوسي رضي الله عنه : ” وبعد ، أخي فالمطلوب منا جميعاً إقامة ما خلقنا لأجله من العكوف على التزام محققات العبودية واجتناب دواهي منازعات الربوبية ، بتعمير ظواهرنا بالأدب على متابعة أفعال وأقوال عبده وصفيه الأنور صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وذلك بتعمير بواطننا بمراقبته تعالى في جميع حركاتنا وسكناتنا بحيث لا نفعل ولا نقول إلا ما نعلم أنه يرضى عنه ، وندع كل ما سواه ، ونخلص ذينك من شوائب الأكدار وملاحظات الأغيار بحيث يكون نصب العين في كل مشهد بكل ما يرى ويشهد “. للإمام السنوسي أيضا أشعار جميلة بديعة فى الزهد والتصوف، يقول الامام السنوسي رحمه الله : إلا إنما الدنيا غضارة أيكة إذا اخضر منها جانب جف جانب* هي الدار: ما الآمال إلا فجائع علينا ولا اللذات إلا العطائب* ومالذة الأولاد والمال والمنى لدينا ولا الآمال إلا المصائب * فلا تكتحل عيناك يوماً بعبرة على ذاهب منها فإنك ذاهب* ومن أشعاره أيضا : وهبني علمت الكيمياء ونلتها وأتقنتها صبغاً واتقنتها صنعاً* ولخصت تسيير الكواكب كلها ببحثي وتدقيقي ونلت بها مسعى* وملكت أموال البرايا بأسرها وجالت يدي في أصفهان الى صنعا* أليس مصيري بعد ذلك كله الى تحت هذا التراب في حالة شنعا* فقل للذي يمسى ويصبح همه لغير رضا الرحمن: ياخيبة المسعى* كان للإمام السنوسي ولدان وهما : محمد الشريف السنوسي (والد السيد أحمد الشريف السنوسي)، ومحمد المهدي السنوسي (والد الملك محمد إدريس السنوسي ملك ليبيا). وبعد عطاء كريم فى حياة كريمة حافله بالعلم والتقوى والزهد والإيمان، توفي محمد بن علي السنوسي في واحة الجغبوب، وقبره لايزال فيها إلى اليوم، ففي شهر شعبان لعام ١٢٧٥هـ، اشتد عليه المرض حتى صار يغيب عن إحساسه، وكان يقول: (أهل الله حملونا شيئاً كثيراً لو نزل على الجبال الراسيات لما أطاقته)، ثم ارتفع بعضُ ذلك المرض منتصف المحرم، عام ١٢٧٦هـ، ثم تزايد عليه الألم، والأسقام، وصار يغيب أحياناً، ويضيق أحياناً إلى أن توفاه الله يوم الأربعاء من شهر صفر الخير بعد طلوع الشمس، رحم الله العالم الجليل الإمام السنوسي رحمه واسعه وأجزل له العطاء إنه بكل جميل كفيل.