بقلم د/ محمد بركات
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فلا شك أن النية هي قوام كل عمل طيب أم سيء.
والأعمال بدون نية صحيحة صادقة لا قيمة لها ولا وزن مهما كانت كبيرة أو عظيمة بمقياس أهل الدنيا.
ومهما أعطيت عليها أعلي الجوائز والأوسمة في الدنيا فمعيار القبول هو (أحسن عملا) عمل موافق الشريعة والسنة الشريفة ومع صوابه إخلاص لا رياء فيه ولا شبهة.
واعلم أن النية تفرق بين العادة والعبادة، فهذا غسل، وهذه نظافة، يعني: اغتسل غسل شرعي، وهذا غسل نظافة، ففرقت بين العادة والعبادة.
والنية تفرق بين أنواع العبادات وآدائها، فهذه التي صليناها هي فرض العشاء، هذه التي تصليها بعدها هي الراتبة، التي صليتها حينما دخلت المسجد أول ما دخلت، هذه تحية المسجد، التي صليتها قبل الفجر هذه راتبة الفجر، التي صليتها بعدما أقيمت الصلاة هذه الفريضة، فالنية تفرق بين أنواع العبادات.
وتفرق كذلك في الصوم فهذا صوم فرض، قضاء، وهذا نذر، وهذا تطوع، فهذا أيضاً داخل في قوله: إنما الأعمال بالنيات، فتميز النية بين هذا وهذا.
أهل النوايا هم أهل العطايا والهدايا قلوبهم طاهرة نظيفة، ولهم في كل عمل يقومون به عبادة وثواب لأن الإخلاص والنية الصادقة متوفرين فيه.
وهنا يؤكد بعض أهل العلم علي أن جميع الأعمال التي بالجوارح، وباللسان، لا تصح إلا بنية، أو لا بد فيها من نية.
والمرء يؤجر علي صدق نيته وطهارة قلبه.
نتعرض للكثير من للمواقف كل يوم ونبتك هي من تفصل فيها ،فربما أوقفت سيارتك ونزلت لتزيل حجرا من وسط الطريق .
وربما نزلت لتنقذ حيوانا جريحاً علي وشك الموت.
وربما.. وربما الكثير والكثير من هذه المواقف النية وفقط
كالمرأة التي سقت الكلب، وغفر الله لها بسبب ذلك، هذه لم يذكر أنها نوت، فدل على أن مثل هذا لا يحتاج إلى نية، وجدت إنسان يحتاج إلى من يبصره بالطريق، ومن يدله على مكان، فدللته ولم تستحضر نية، تؤجر، تبسمت في وجه إنسان، تبسمك في وجه أخيك صدقة
(أخرجه الترمذي، أبواب البر والصلة عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في صنائع المعروف (4/ 339)، رقم: (1956)، وابن حبان، كتاب البر والإحسان، باب حسن الخلق (2/ 221)، رقم: (474).
نعم لربما وجدت في طريقك إنساناً في حال من العطش، أو في حال من الجوع ،أو في حال من التعب، أو المرض أو الضيق فقمت بحمله معك في سيارتك أو علي دابتك و لم تنو شيئاً، لم تنو التقرب إلى الله، فهذا لا إشكال فيه، ويؤجر فلا حرج علي فضل الله تعالي علي عباده ولك فيه بفضل الله الأجر من الله .
، لكن النية تزيد الأمر جمالاً وقبولا عند الله تعالي.
فلا مجال لنية فاسدة، أو الرياء أو السمعة، فإذا سلم من هذا فإنه يؤجر بفضل الله تعالى، فالذي يعمل من أجل أن يكفي نفسه السؤال والحاجة، ويكفي أولاده وأهله، يسعى عليهم يؤجر على العمل، بخلاف من يعمل تكثراً لطلب الدنيا، فمثل هذا لا يؤجر، وكذلك حينما يطعم امرأته، قال: تبتغي بها وجه الله لكنه ليس بشرط.
لأن النبي ﷺ قال: وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر.
(أخرجه مسلم، كتاب الزكاة، باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف (2/ 697)، رقم: (1006).
وتذكر جيداً قول النبي ﷺ وإنما لكل امرئ ما نوى هذه الجملة الثانية كما سبق ليست بتكرار للأولى، ولكنها تبين هنا أحكام العاملين، لكل امرئ ما نوى، هنا الأعمال تعتبر بالنيات، هنا يكون للعاملين ما نووه.
نعم فنية المؤمن خير من عمله
( العسكري في الأمثال والبيهقي في شعب الإيمان)
ويصدق في هذا الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم «من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منزلة الشهداء وإن مات على فراشه». ويعني هذا الحديث أن الرجل إذا لم يكن مستطيعاً أن يبني مسجداً أو مستشفى على سبيل المثال، لكنه نوى أن يفعل ذلك لو رزقه الله المال ثم مات على تلك النية فإن الله يكتب له أجر من عمله إن شاء الله.
وجاء عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: «إن الله عز وجل ليعطي العبد على نيته مالا يعطيه على عمله، وذلك أن النية لا رياء فيها، والعمل يخالطه الرياء». (أخرجه الديلمي).
ويقول الدينوري في كتاب المجالسة: عن عبدالله بن مسلم بن قتيبة قال: تأويل حديث النبي صلى الله عليه وسلم «نية المؤمن خير من عمله»، أن الله عز وجل يخلد المؤمن في جنته بنيته لا بعمله، ولو جزي بعمله لم يستوجب التخليد، لأنه عمل في سنين معدودة، والجزاء يقع بمثلها وأضعافها.
وإنما يخلده الله عز وجل بنيته لأنه كان ناوياً أن يطيع الله أبداً لو أبقاه ابداً، فلما اختدمه دون نيته جزاه عليها التخليد أبداً، وكذلك الكافر نيته شر من عمله لأنه كان ناويا أن يقيم على كفره أبداً، فلما اختدمه الله عز وجل دون نيته جزاه التخليد في جهنم أبداً. (انظر المجالسة ج4 ص202)
ويقول ابن تيمية رحمه الله: هذا الحديث بيانه من وجوه:
1. النية المجردة من العمل يثاب عليها المسلم، والعمل المجرد عن النية لا يثاب عليه.
2. من نوى الخير وعمل منه ما قدر وعجز عن إكماله، كان له أجر عامل، ففي الحديث «إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم، قالوا: وهم بالمدينة يا رسول الله؟ قال: وهم بالمدينة حبسهم العذر». (متفق عليه)
3. القلب ملك البدن والأعضاء جنوده، فإذا طاب الملك طابت جنوده، والنية عمل الملك بخلاف الأعمال الظاهرة فإنها عمل الجنود.
4. توبة العاجز عن المعصية تصح عند أهل السنة. (انظر مجموع الفتاوى ج22 ص243)
اعملوا الخير ولا تتكاسلوا وتتهاونوا في فعله وآدائه فربكم سبحانه وتعالى أكرم الأكرمين
، ولتكن النية الصالحة هي الدابة التي تمتطوها إلي خير ما تفعلون فتنالوا الأجر العظيم والثواب المقيم وهداية وتوفيق رب العالمين.
تابعنا على