قصة أزهر السمّان مع  أمِير المؤْمنيِن المنصور بالبصرة

56

بقلم د/ محمد بركات

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

فبعض الناس قد تقبل منهم الطرفة ، ومنهم من يقبل وجوده وتردده علي بعض المجالس بما يمتلك من حسن الطلعة وخفة الروح وريحه الطيب ومنهم غير ذلك.

فمثلاً: يُقال أن جحا لم يجد حذاءه عندما خرج من المسجد؟
فصرخ في الناس مهدداً ومتوعداً:
(أقسم بالله إن لم تحضروا لي حذائي، لأفعل كما فعل أبي).

فاندهش مَنْ حوله، وسألوه:
وماذا فعل أبوك؟!
، فتجاهلهم جحا، وعاد إلى التهديد والوعيد مجدداً: (أحضروا لي حذائي، وإلا سأفعل كما فعل أبي).

فخاف الناس وأحضروا له (حذاءً جديداً) ثم سألوه بشغف:
هاه، قل لنا يا جحا ماذا فعل أبوك؟!.

فقال جحا وهو يرتدي النّعل الجديد:
(عاد إلى بيته حافياً)!.
فمثل هذه الدعابة تقبل عن البعض ولا تحط من شأن من يسمعها أو يقولها.

كَانَ الْمَنْصُور وَهُوَ بالبصرة قد أمر المسوِّدة أن يجلس فِي حلقة فِيهَا أزهر السمّان، فَلَمَّا أفضت إِلَيْهِ الخلافة وَفَدَ إِلَيْهِ أزهر فَقَالَ لَهُ:
مَا جاء بك يَا أزهر؟

قال: يا أمِير المؤمنيِن داري مستهدمة وعليّ دين مبلغهُ أربعة آلاف درهمٍ، وأريد أَن أزوج ابني محمدًا.

فَقَال المنصور: قد أمرنا لَك باثني عشر ألف درهم فخذها ولا تأتنا طالبا.
فأخذها وانصرف.

، فلمَّا كان العام المقبل أتاه، فلما رآه المنصور قال: ما جاء بك يا أزهر؟
قَال: أتيتك يا أمير الْمؤْمِنيِن مسلمًا.

فَقال: إنه ليقع فِي خلد أمير الْمؤْمنيِن أنك أتيت طالبا.
قال: ما أتيت إلا مسلمًا.
فَقَال: قد أمرنا لك باثني عشر ألفا فخذها ولا تأتنا طالبا ولا مسلما.

، فَلما كانت السنة الثالثة عادَ إِليه، فَقال: ما جاء بك يا أزهر؟
قال: أتيتك عائدا.

فَقَال: قد أمر لَك أمِير المؤْمنيِن باثني عشر ألف درهم، فخذها ولا تأتنا طالبا ولا مسلما ولا عائدا.
فلما كَانَت السنة الرابعة قدم علَيه فَقال:
ما جاء بك يا أزهر؟

فَقَال: سمعتك تدعو بدعاءٍ فجئتُ لأكتبه عنك.
فقَال له المنصور:
إنه غير مستجاب، قد دعوتُ اللَّه به ألا أراك فلم يجب، وأمر له باثني عشر ألفًا، وقال له: تعال متى شئت فَقد أعيتْ فيك الحيلُ”

(أنساب الأشراف ،البَلَاذري :٤ / ٢٦٢)