أخبارالسياسة والمقالات

قيم الإنتماء والمواطنة وممارسات الديمقراطية

بقلم د.محسن قاسم

إن حب الوطن والانتماء له أمُر تدعو إليه الفطرة ، ويقره ويؤيده الكتاب والسنة ، فنجد الرسول صلي الله عليه وسلم عندما خرج مهاجراً من مكة إلي المدينة عبر عن حبه لمكة وأهلها واعتزازه بها في قوله (صلي الله عليه وسلم” ما أطيبك من بلد، وما أحبك إليَّ، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنتُ غيرُك”، فلم يدعه كفران أهلها واهانتهم له ، وتعذيبهم للقلة المؤمنة المستضعفة إلي أن يَغْفُل عن حبه وانتمائه للبلد التي وَلِدَ بها ونشأ وترعرع علي أرضها.

ويعد مفهوم الانتماء من المفاهيم المهمة في عالمنا المعاصر، والتي تربط الإنسان بالجماعات وتجعله يحبها ويفتخر بها ، ويعمل ويضحي من أجلها ، فحب الوطن والانتماء له يتضمن حب المواطنين الذين ينتمون الي هذه الوطن.

وتتضح علاقة المواطن بوطنه في إطار كفلي، كأن الانتماء يتوقف علي ما يمكن أن يكلفه الوطن من شعور بالأمن والاستقرار لأفراده ، إلا أن هذه العلاقة تتضمن أبعاد تماسك هذا الوطن ، وفي نفس الوقت هي في حاجة إلي تضامن فكر أفراده واتساقه في إطار جماعي يتحرك نحو تحقيق الأهداف القومية وتوظيف الامكانات والأهداف الفردية وصهرها في صورة جماعية طموحة تحفظ استمرارية هذا الوطن ونصرته.

وفي لفته خاطفة لِمَجْرَي الأحداث والواقع العربي اليوم ، نجد أن المجتمع العربي متنوع الثقافات واللهجات والمستويات المعيشية ، والموارد الطبيعية ، والانتماءات العرقية والقبلية وغيرها من الاختلافات ، والتي تميزت بنوع من التعقيد والتشابك ، الذي بدوره خلق نوعاً من السلبية علي المجتمع الشبابي العربي، تمثل في التهميش والتقصير، خاصة في أهم مرحلة عمرية وهي المرحلة التعليمية بمستوياتها المختلفة ، حيث تُكَرِس المؤسسة التعليمية قيم التلقي والخضوع لدي الشباب ، ولا تسمح لهم بالحوار والتفكير الحر، وهذه سياسة النظم المستبدة التي تحكم تحت وطأة القوة والبطش ، فلا مجال لفكر مخالف لفكر السلطة أو يُعارضها ، وبالتالي تخفت جذوة الابداع ، وتنذوي الكفاءات ، ويتخلف المجتمع عن ركب الحضارة ، ولا يستطيع السير في خطوط موازية للدول والكيانات المتقدمة، وترتب علي ذلك ضعف الانتماء للوطن ، وانتشار الهجرة الي الخارج ، وقلة الأهتمام بالشأن العام.

ومناط الخروج من هذه الأزمة علي حد فهم الباحث للظروف والتطورات المحيطة بنا، والأحداث الجارية ، يتمثل في تغيير وضعية المؤسسة التربوية “المدارس”، بحيث تقوم فيها التربية علي أساس من الحرية ، كقيمة هامة تسهم بالتفتح الذهني وتنمية الابداع لدي طلاب التعليم وتجعلهم أكثر إيجابية في مناقشة مشكلاتهم ومشكلات مجتمعهم .، (فكلما اُعْطِي الفرد مساحة أكبر من الحرية كلما اتسع ادراكه وثقافته ، وفهمه لدينه ونما وعيه ، وبالتالي تعمق انتماءه لبلده ، وذلك لأن الانتماء اتجاه سياسي اجتماعي نفسي يُبْنَي علي فكر وعقيدة، ويتجسد في صورة تضحية من أجل الوطن

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى