أخبارالسياسة والمقالات

كيف افهم نفسي

للكاتبه ا.د. عطاف الزيات / فلسطينيه
أخطر مرض واجهه الإنسان على مدار التاريخ هو الجهل، مع أن الإنسان يولد جاهلاً {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} لكنه يتعلم بعد ذلك بالملاحظة والمحاكمة والتلقين والتجربة… وغير ذلك.
وتكمن المشكلة في أن تمرّ السنون ويبقى الإنسان جاهلاً، وأشد من ذلك: أن يكون جاهلاً بأنه جاهل؛ فهو لا يدري، ولا يدري أنه لا يدري! فتراه يُنكر على من تعلَّم، أو يدعي المعرفة دون أن يعرف رائحتها!
والفراغ الفكري عند أمثال هذه النماذج لا يعني بالضرورة حرفية الفراغ، فرأس الجاهل ليس عبارة عن إناء فارغ يمكن أن نملأه متى ما شئنا بما شئنا من العلم الصحيح والفهم النصيح؛ فصاحبنا يحشوه -طيلة الوقت- بالخرافات والأوهام، والمعلومات المحرّفة والمشوّهة، والمعطيات الناقصة، التي تربك -وربما تعطل- إدراج كثير من الأفكار السليمة ضمن تركيبته الفكرية السقيمة.
وعادة ما يلجأ الأخصائيون النفسيون إلى استعمال المنهج العيادي لمحاولة الوصول إلى أعماق النفس البشرية وكشف خباياها؛ فمن المفترَض أن هذا المنهج كفيل بإعطاء صورة شاملة عن الشخصية وجوانبها، فيسيرون في ذلك معتمدين أدوات متعددة، كالملاحظة العيادية، والمقابلة العيادية نصف الموجهة، واختبار الإحباط ونحوه، ولكن.. كلما ظن العلماء أنهم يتقدمون في معرفة النفس الإنسانية ويوشكون على الإحاطة بتفاصيلها الفرعية؛ تبرز لهم تساؤلات جديدة تفتِّق عندهم نظريات عديدة، بعضها يعرض احتمالات لم تكن من قبل، وبعضها يهدم ما سبق جملةً، أو يضعهم على أرجوحة (ربما)، ليرجعوا بخلاصة مفادها أنهم -حتى الآن- لم يقفوا على أرض صلبة مزروعة بالقطعيات واليقينيات والحقائق العلمية من الناحية النفسية، ولا تَقبل كثير من نتائجهم التعميم!
إن معرفة الإنسان بنفسه ليست على الإطلاق معرفة سهلة في متناول يده أو فكره، بل هي معرفة معقَّدة وبالغة التعقيد، تشبه لغزاً كبيراً متشابكاً، عميقاً كأعماق البحار، غامضاً  كغموض الظلام، مع أنه يبدو كوضح النهار، سهل ممتنع، سكت عنه جهابذة العلم وفطاحل العلماء، ولكنه لغز لا بدَّ من حلِّه!
من هنا كانت أفضل المحاكمات هي تلك التي نحشدها لمعرفة ذواتنا، وتقدير خطّ سيرنا، وفهم أحوالنا الخاصة، والوقوف على إمكاناتنا وقدراتنا الكامنة فينا، وحقيقة المعيقات التي نعاني منها وأسبابها ونتائجها، هذه المعرفة هي الطريق إلى معرفة الهدف من وجودنا، وإلى معرفة الموجد سبحانه، وقد ورد في الأثر: (مَنْ عرف نفسه عرف ربَّه)، وفي التنزيل: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}

زر الذهاب إلى الأعلى