أخبارالسياسة والمقالات
لاتسأل عن معروف انت صانعه
بقلمي //انتصار محمد صديق
صنائع المعروف تقي مصارع السوء…
وكما تَدين تُدان .. وكل ساقٍ سيُسقى بما سقى يوماً ما
كما حدث بالفعل في قصتي الواقعيه عام 1994كان هناك رجل لديه بنت جميله لكن ،يوما ما اشتدت عليها المرض وكان عمرها أربعة عشر عامًا وقتها فوجهه الأطباء لنقلها إلى مستشفى بالجزائر وبالفعل سافر إلى العاصمة الجزائر .
وصل إلى المستشفى، وسأل عن الجناح الخاص بمرض ابنته، فوجده بعيدًا، ولم يكن يعلم أن المستشفى كبير لهذه الدرجة، مدينة متكاملة يسير فيها الزائر بسيارته، فكيف بشيخ مثله!؟
مشي قليلاً، ولم يجد من يساعده، فتعب من الطريق ، وتعب السفر، وتعب الحاجة، وتعب المرض الذي ألَمّ ابنته كل تلك الأبتلاءات أرهقته نفسيا وماديا
جلس ليرتاح هو وابنته في مكان ركن السيارات،
وكان من التعب الدموع تملأ وجهه، ويخفي ذلك عن ابنته وعن الناس وبينما هو يبكي وإذ بسيارة فاخرة تركن بجواره، خرج منها شاب طويل القامة يرتدي ملابس بيضاء وعليها بطاقته المهنية تتدلى على صدره، ثم توجه نحوه وسأله عن حاجته ؟
فخنقته الكلمات ولم يقدر على الكلام ..
سأله: ياشيخ هل معك رسالة طبية؟ أعطني بطاقتك الشخصيه ؟
سلم الشيخ البطاقة للشاب، راح يتأمله من رأسه إلى قدمه وقد بدت عليه علامات الدهشة والاستغراب
ثم أرسل تنهيدة من أعماق جوفه، وجلس بجانب الشيخ وراح يتأمل في ملامحه وقام بتقبيل رأسه ولم يتمالك نفسه وبكت عيناه هو ايضا!
سأله الشيخ: ما بك يا ولدي!؟ هل أصابك مكروه لا قدّر الله!؟
قال: لا، وإنما أشفقت لحالك، ثم حَمَلَ ابنته بين يديه، وقال: تعالي يا شيخنا معي..
دخل الشاب جناح طبي متخصص، ووضع ابنته على كرسي متحرك، وأخذ يأمر وينهي، والكل يرفع له يده تحية تقدير واحترام ويتقربون إليه، يبدو أنه صاحب مكانة وشأن في هذه المستشفى !
وراح يطوف بالبنت بين قاعة المختبر والتحاليل، والتصوير بالأشعة، وقسم التخدير والجراحة العامة، وفي حدود الساعة الرابعة صباحًا كانت البنت قد أجريت لها عملية جراحة ناجحة واستعادت وعيها!!
حمد الله الشيخ وشكر الشاب الذي كان له سندًا وخير معينًا..
قال له :والله، سيبقى خيرك دين في رقبتي ما حييت
فقد كان كل مَن في المستشفى يخدمني خدمة استغربتُ من مستواها الراقي جداً، ولم أسمع بها سوى في المستشفيات الخاصه في هذا المجال..!!
وبعد ثلاثة أيام، أمره الطبيب الذي أجرى العملية الجراحية لابنته بمغادرة المستشفى، فطلب منه الشاب الذي قابله أول يوم أن يأتي پأبنته في بيته أسبوعًا آخر حتى تسترد عافيتها وتستكمل نقاهتها، لأن السفر متعب والمسافة بعيدة عليها !!
استحي من كرمه وخيره، لكنه استجاب له، وجلس عنده سَبع ليالٍ، وكانت زوجه الشاب تخدم ابنته هو وأولاده ويعتنون به وباأبنته ويعاملوه بمنتهى الرقة والذوق والأدب !!
وفي الليلة السابعة، لمّا وضعوا الطعام على السفره وحضروا للعَشاء امتنع الشيخ عن الطعام، وبقي صامتًا لا يتكلم ..
قال له الشاب : كُلْ ياشيخنا، تناول طعامك، هل بك من ألم ؟!
قال له وبصوت مرتفع ونبرة حادة: والله، لن أتناول لكم طعاماً إلا إذا أخبرتني مَن أنت؟ ومَن تكون؟
أنتَ تخدمني طوال أسبوع كامل، وأنا لا أعرفك وخدمتني واكرمتني انت وأسرتك، وأنا لم ألتقِي بك غير مرة واحدة في المستشفى، من أنت!؟
قال : يا شيخنا تناول طعامك وبعد العشاء أخبرك..
قال: والله لن تدخل فمي لقمة واحدة، ولن آكل طعامك إن لم تخبرني من أنت؟ ومن تكون؟
حاول الرجل التهرب من الجواب لكنه وأمام إصراره.. قال بنبرة خافتة: يا شيخ إن كنتَ تَذْكُر، فأنا ذاك الطفل الذي أعطيته خمسة دنانير عام 1964 ، عندما كنتُ أجلس خلفك في الاتوبيس
أنا إبن فلان إبن فلان..
قال له : آه تذكرت، أنت إبن فلان من قريتنا .. نعم، نعم، لقد تذكرت
قال الشيخ.
يومها أتذكر كنت في الاتوبيس متوجهاً من قريتنا إلى إحدى المدن القريبة، وكان يجلس خلفي ولدان صغيران عمرهما لا يتجاوز سبعة أعوام، سمعت أحدهما يحدث الآخر قائلاً له: هذا العام جفت السماء، والأرض لا تُنبت شيئًا، وأبي فلاح فقير ليس معه ما ينفقه عليَّ، ولذلك فأنا مضطر لترك الدراسة هذا العام!!
لمّا سمعت الطفلين يتحدثان عن الفقر والحِرمان بهذا الوعي الذي لا يدركه إلا الكبار، تأثرت وضاقت بي الأرض !
وعلى الفور أخرجت من جيبي خمسة دنانير وأعطيتها للصبي، وقلت له: خذ هذه الدنانير، والمبلغ وقتها يفي لشراء الأدوات المدرسية كلها..
رفض الولد الصغير أخذ الدنانير، قولت له: ولماذا يا ولدي!؟ قال: ربما يظن أبي أني قومت بسرقتها ويعاقبني؟؟ قلت: قل له فلان بن فلان أعطاني إيّاها لشراء الأدوات المدرسية، فإن أباك يعرفني تمام المعرفة..
فرح الطفل واخذ الدنانير وابتسم ابتسامة الرضا والسرور ووضعها في جيبه..
ونسيت من يومها هذا الموقف مع ذاك الصبي.