المقالات والسياسه والادب

لا أدري إلى أي دار أرتمي، فكل الأماكن ليست موطني..بقلم مستشار محمود السنكري

لا أدري إلى أي دار أرتمي، فكل الأماكن ليست موطني

بقلم مستشار محمود السنكري

الحياةُ بحرٌ واسع، أمواجه متلاطمة، تُلقي بنا حيث تشاء، دون أن تمنحنا حقّ السؤال أو الاختيار كأننا سُفنٌ تائهة، تفتّش عن شاطئ يحتويها، عن ميناء يمنحها السكون.

لكن ماذا لو كان العالم بأسره لا يشبهنا؟ ماذا لو كنا في سفرٍ دائم، نجوبُ الدروب، نغادر المدن، نمرُّ على الأبواب، ونظلُّ في كل مرةٍ غُرباء؟

هناك لحظةٌ تتسلّل إلى القلب، حين نشعر أن لا مكان ينتمي إلينا، ولا موضع يمكن أن نحطَّ فيه رحالنا دون أن نشعر أننا عابرون، كل الأماكن تبدو كغرفٍ ضيقةٍ في نزلٍ مؤقت، لا تحمل رائحة الذكريات، ولا تمنحنا الأمان.

وحين نفكر في العودة، ندرك أن الأوطان نفسها تغيّرت، وأن ما كان مألوفًا صار غريبًا، وأنّ الأبواب التي تركناها مفتوحة، صارت مغلقة بأقفال الزمن والغياب.

الغربةُ ليست دائمًا في البعد، بل أحيانًا تكون أقسى وهي قريبة، قد نقف وسط الزحام ونشعر أننا وحدنا، وقد نجلس بين الأحبة ونحس بأننا غرباءٌ عنهم.

هو الشعور الذي يتجاوز المسافات المادية، ليجعل الفجوة أعمق مما يُرى.

نحن الذين نحمل أوطاننا في قلوبنا، نبحث عنها في العيون، في الضحكات، في الأحاديث التي تأخذنا إلى ماضٍ لم يكن يومًا ماضيًا، بل كان حياةً نابضةً لا تزال تتردد في صدورنا.

لكنه الحنين… ذلك الشعور القاتل الذي يمنحنا الأمل بينما ينهشنا من الداخل.

 نبحث عن الديار، عن الأمكنة التي تسكننا أكثر مما نسكنها، لكن كلما ظننا أننا اقتربنا، اكتشفنا أننا ما زلنا في التيه، نتبع ظلًّا بعيدًا لوطنٍ لا يُشبهه شيء.

أين أذهب إذن؟ إلى أي دارٍ أرتَمي؟

إذا كان القلب لم يعد يجد في العالم مكانه، فهل يكون الوطنُ روحًا نبحث عنها في الآخرين؟ أم يكون فكرةً نحملها معنا أينما حللنا؟

ربما الموطن الحقيقي هو ذلك الذي لا تغادره أرواحنا أبدًا، ذلك الذي يبقى وإن رحلنا، ويعيش فينا وإن أنكرنا الأماكن.

ربما نحن الوطن، وليس المكان.

مقالات ذات صلة