منذ الأزل، كان الفرح والحزن وجهين لعملة واحدة تُسمى الحياة، لا يمكن لأحد أن يحيا دون أن يمر بلحظات من النشوة والانتصار، كما لا يمكنه أن يتجنب السقوط في براثن الألم والانكسار.
ومع ذلك، يبقى السؤال الجوهري: هل تنتهي الأحزان حقًا؟ وهل تختفي البشائر للأبد؟ الحقيقة التي ربما لا نرغب في الاعتراف بها هي أن الأحزان لا تنتهي، تمامًا كما أن البشائر لا تختفي، فكلاهما يسير في دورة أزلية تتكرر بطرق مختلفة، وذلك ما نطلق عليها جدلية الفرح والحزم في الحياة.
يعتقد البعض أن الحزن محطة مؤقتة، وأنه بمجرد تجاوز أزمة معينة، يصبح بالإمكان العيش دون ألم. لكن الواقع يؤكد العكس. فالأحزان لا تختفي؛ بل تتحول وتتبدل أشكالها. قد يختفي ألم الفقد، لكنه يتحول إلى ذكرى موجعة تستحضر الحنين. قد نتجاوز خيبة أمل، لكنها تترك أثراً يجعلنا أكثر حذرًا وأقل ثقة.
إن الحزن ليس مجرد شعور عابر، بل هو جزء أصيل من التجربة الإنسانية،
يتشكل الحزن في صور متعددة:
الحزن الوجودي، ذلك الشعور بالضياع والبحث عن معنى في عالم يزداد تعقيدًا.
حزن الفقد، سواء كان فقدان أشخاص عزيزين، أو فقدان أحلام وطموحات لم تتحقق.
حزن الخذلان، عندما يخيب ظننا فيمن وثقنا بهم، أو عندما تخذلنا الحياة نفسها.
كل هذه الأحزان لا تنتهي؛ بل تتحول إلى ندوب، نعيش بها ونتكيف معها، لكنها لا تختفي تمامًا.
البشائر أمل لا يموت وإن خفت بريقه، على الجانب الآخر، هناك البشائر، تلك اللحظات التي تمنحنا دفعة للحياة. قد تكون في كلمة مشجعة، في حلم تحقق بعد طول انتظار، أو حتى في لحظة سلام داخلي وسط زحام الحياة. المشكلة ليست في غياب البشائر، بل في عدم قدرتنا أحيانًا على رؤيتها.
في خضم الحزن، قد يبدو كل شيء مظلمًا، ولكن الحقيقة أن البشائر لا تختفي، بل تتوارى خلف غيوم الكآبة. هي هناك، تنتظر أن نرفع رؤوسنا لنراها. أحيانًا تأتي البشائر على هيئة أشخاص يدخلون حياتنا في الوقت المناسب، أو فرص غير متوقعة تغير مسارنا.
الحياة ليست فرحًا مطلقًا أو حزنًا دائمًا؛ بل هي مزيج منهما. التحدي الحقيقي ليس في محاولة إنهاء الأحزان أو التمسك بالبشائر للأبد، بل في إيجاد التوازن بينهما.
وهناك بعض الطرق لفعل ذلك:
قبول الحزن كجزء طبيعي من الحياة، دون أن يتحول إلى هوية دائمة.
وأيضاً البحث عن البشائر الصغيرة، مهما بدت ضئيلة، فهي التي تمنح الحياة طعمها.
في النهاية، لا الأحزان تنتهي ولا البشائر تختفي، ولكننا نحن من نختار كيف نتفاعل معهما. يمكننا أن نغرق في الأحزان، أو نبحث عن بصيص الأمل، أو حتى نتعلم كيف نعيش وسط كل ذلك دون أن نفقد أنفسنا.
فالحياة ليست وعدًا بالسعادة المطلقة، ولا تهديدًا بالشقاء الدائم، بل هي مسيرة متوازنة بين النور والظل، وبين الخسارة والرجاء.