أدب وثقافه

لماذا نشعر بم نشعر؟

المهندس والكاتب عزام حدبا 
مقتبس عن محاضرة في تيد اكس 

 

-الانفصال التدريجي


في السنة الأولى من الحياة يدرك الطفل بأنه موجود بكيان محسوس. ينظر إلى المرآة ويتعجب:

“أوه، هذا أنا!” يحرك يديه ويدرك انه هو. أصبح واعيا بجسده ولكن لم يتطور عنده الوعي بذاته

المشاعرية بعد، وهذا سبب الازعاج في أطفال السنتين. ربما شهدت هذا مع طفل يسير في السوق

اعلان

عيناه تشعان باللون الأحمر، يصرخ بكل إحباط وسخط لأنه لم يستطع الحصول على ما يرغب فيه،

ثم ينظر إليك مذهولا تماماً، لسان حاله: “لماذا لا تبكي؟” “نحن جائعون، نريد تلك الشوكولاتة. هنا

ينشأ الوعي بالذات الشعورية المنفصلة عن الوالدين. وذلك نوع من الرقي إلى مستوى أعلى، ولكنه

اعلان

لا يكتمل قبل بلوغه سنّ الثالثة إلى السادسة، حين يدخل الى “الذات العقلية المعرفية” ويعي امتلاكه

للهوية المتفردة.


-الوعي المحسوس: امتلاك القواعد


أحد الأشياء التي تحدث خلال مرحلة نشوء “الذات العقلية المعرفية” هي اللغة. نبدأ بإطلاق الاسماء

على عالمنا: قطة، كلب، مضرب، وكرة. ثم يصبح العالم مفهوماً لنا. الأطفال في الثالثة إلى

السادسة من أعمارهم يتعلمون ما يقارب ست كلمات في اليوم. ولكن بدءًا من المستوى الرابع الذي

يسمى الوعي المحسوس، يبدأون تعلم القواعد التي تتحكم بالمفاهيم. ثم يصبح كل شيء مفهوماً:

لماذا الكلب كلب، والقطة قطة؟ لماذا الأب أب، والأم أم؟ ما هي القاعدة؟ ثم ما بين السادسة

والتاسعة من العمر يبدأ المرح بالظهور. لذلك فإنك إذا تحدثت مع طفل في السابعة من عمره يمكنك

أن تبدأ المرح باللعب عكس القواعد. مثلاً: انظر إلى القطة تنبح؟ لا! القطط تموء! إنها لا تنبح!

وهذا يجعلهم يضحكون لأنك تعكس القواعد.


-المراهقة


هناك محاولات تحدث في سنوات المراهقة لتجاوز الذات المحسوسة وتخطّي القواعد، وهذا هو

السبب وراء خلافات المراهقة. سيحاول الوالدان كبحها وكأنها شيء سيء. لكن هذا خطأ، دعهم

يختبرون القواعد: أخبرتني أن أكون في المنزل عند العاشرة، وأنا أريد أن أعود عند الحادية

عشرة. علمتني أن أكون صادقاً؛ بينما أنت لست صادقاً، وتثور المعركة! سعيشون سنوات المراهقة

بكاملها. بصرف النظر عمن يربح المعركة، سواء الأم أو الأب أو الطفل، إلا أنها تستمر لبضع

سنوات.


-المجتمع


وفي نهاية المطاف يغادرون المنزل ولكن يدخل في اللعبة والد كبير جداً يسمى المجتمع ليفرض

قواعده. ينشأ الاعتقاد بضرورة حصولنا على درجة علمية، وظيفة، سيارة، منزل، تكوين أسرة،

نلتحق بإحدى الشركات، ونبدأ بالعمل وصولاً إلى أعلى السلم المهني باتباع القواعد. لذلك فإن

الكثير منا تصبح حياتهم نمطية محكومة بمجموعة من القواعد نلتزم بها جميعاً، وغالباً دون وعي

منا. وهذه هي الحال فيما تبقى من حياتك؛ حتى أنك لن تدرك حركتك وفق القواعد. قواعد لم تطبق

عليك بعد أخذ موافقتك؛ انما فرضها عليك أولياء الأمور أو المجتمع.


-تمحيص القواعد والبحث عن معنى


في مرحلة ما خلال حياتك، يحدث شيء مريع يجبرك على تمحيص القواعد. يمكن أن يكون ذلك

فقدان حبيب، انتهاء علاقة، الشائع أنه يحدث في منتصف العمر. ثم بعد ذلك تدخل المرحلة التي

نطلق عليها “مرضُ المعنى”، هناك خلل ما في صورة حياتك. أنا أتبع كل هذه القواعد، ولم أصل

إلى نتيجة. حصلت على وظيفة، منزل رائع، ودفعت الضرائب، كان ينبغي أن اعيش سعيداً هانئاً

إلى الأبد؛ لكنني لست كذلك! هذا هو “مرض المعنى” وهذا هو الألم الحقيقي. ينزلق الناس في هذه

المرحلة وغالباً ما يبدأون بالتعنيف، فيصبحون ساخطين وسلبيين. لدينا عدة طرق للتعامل مع الألم:


1- التخدير: لو أن بإمكاني حجب هذا السؤال الوجودي عن معنى الحياة!! إذا أسرفت في الشرب

مساء يوم الجمعة، فليس عليّ أن أفكر في هذا السؤال. لذلك بعض الناس يسرفون كل ليلة، أو في

إجازة نهاية الأسبوع، سواء بالكحول أو بالمخدرات. المشكلة تكمن عندما يزول الصداع الذي يعقب

تناول المخدّر، حيث يعود السؤال، لأنه ما يزال موجوداً! ولا تستطيع الإجابة.


2- بعد ذلك تشرع في الطريقة الثانية، وهي الإلهاء. هناك أنواع مختلفة من الإلهاء. الإلهاء يمكن

أن يحدث ببساطة عندما ترتاد الصالة الرياضية باستمرار: رفع بعض الأثقال. لأنني عندما أشعر

بالحماس، ليس عليّ التفكير في السؤال. تحصل على محفزّات الإندورفينات وهكذا دواليك. ولكنك

تدرك في حقيقة الأمر بعد مغادرتك الصالة الرياضية، أن السؤال عاد مرة أخرى! لذلك الصالة

الرياضية ليست حلاً.


3- ربما تلجأ إلى طريقة شائعة كثيراً: الجنس… أليس كذلك؟ لأنني عندما أكون غارقاً في حميمية

الاتصال الجنسي، ليس علي أن أفكر بالسؤال، لأنني مشغول جداً بما أنا فيه. لكن ربما أنك قد

لاحظت عند انتهائك، بأن هذا السؤال العنيف يعود مجدداً! لذا يصبح بعض الأشخاص أكثر تهوراً:

سأمارس الجنس مع شخصين، يحاولون من شدة اليأس النجاة من هذا السؤال المزعج حول معنى

الحياة.


4- إذا لم يجدي الجنس نفعاً – وهو لن يجدي في نهاية المطاف – فإنك تغرق في الماديات: الأحذية!

سأذهب وأشتري بعض الأحذية. سيارة، منزلاً، أو يختاً. نسقط في عالم الماديات، أو قد نصبح

مهووسين بالعمل لأنه بينما أعمل بجد، وعلي إنجاز الأعمال، فليس عليّ أن أفكر بهذا السؤال. لكن

لا شيء من ذلك يحل المشكلة!

-المشاعر والاحاسيس


لن تتمكن من علاج الشعور بالفراغ، أو الشعور بالقلق، بحلّ خارجي؛ خارج نفسك. لذا توقف عن

النظر هناك، وتوجه بنظرك إلى تجربة مشاعرك الخاصة. معظم الناس يعيشون غير واعين

بمشاعرهم بتاتاً، المشاعر(Emotion) هي طاقة متحركة (Energy in motion). الجميع لديهم

مشاعر مركبة من إشارات بيولوجية، إلا أن الأحاسيس(Feeelings) شيء مختلف تماماً.

الأحاسيس هي الوعي بالطاقة داخل عقولنا. الطاقة دائماً موجودة، لكن ليس بالضرورة أن نشعر

بها، نحن في الحقيقة لم نتعلم فهم مشاعرنا. لذلك نواصل حياتنا معتقدين أن ما نحسّ به لحظة بعد

لحظة سببه شخص آخر. نحن في الواقع نقول هذا: “أنت أزعجتني!” “أنت أفسدت سعادتي!” ونشير

بأصبعنا نحو الآخرين، معتقدين أن الآخرين هم سبب أحزاننا. لكن هذا ليس صحيحا. هل جاؤوا

إليكم وحقنوكم بالاحباط، بالعناصر الكيميائية للإحباط؟ هل استخدموا الإشارات الكهربائية للإحباط،

موجات الضغط، موجات الصوت؟ لا، أنت من قام بهذا! أنت كونت هذا الشيء بداخل نفسك لترد

على سلوكياتهم السيئة.


-تحديد مكانك في عالم المشاعر


اذا وضعنا كل المشاعر على خريطة لفضاء المشاعر: في المحور الأعلى منه يوجد تلك التي تشكل

طاقة أكبر، وفي الأسفل يوجد تلك الأكثر هدوءًا. وفي الجهة اليسرى توجد الأكثر إيجابية. وفي

اليمنى توجد الأكثر سلبية. بإمكانك الدخول إلى أحد المدارات الموجودة وتتجول لتشاهد موقعك

بالنسبة إلى المشاعر الأخرى. تبدأ الرحلة بمعرفة الكوكب الذي أنت عليه. تجد موقعك التقريبي في

الفضاء، تدخل إلى نظام شمسي محدد -الاجتماعي مثلا- ترى ما الكواكب المحيطة بك. تزور

لكوكب الشهرة. (أنا شعرت بأنني مشهور اليوم). بإمكانك أن تحدد مدى شعورك بالشهرة من

عدمها ثم تتجول حول هذا الكوكب.
-التجول
بعض الأشخاص لديهم شعوران فقط: “الاشمئزاز” أو “الرضى”. عليك أن تبدأ ببناء قاموسك،

وستكتشف خلال بنائك للقاموس أن بعض المشاعر مثل الترياق؛ بعضها أنجع مقارنة بغيرها. عند

التجول اسأل نفسك: هل هذا الشعور يفيدك فعلاً؟ هل حصلت على كوكب إيجابي كثيراً، هل يمكنك

البقاء هناك؟ إذا غضبت مثلا، فأنت في كوكب الغضب لكنك مجبر، هو تمكّن منك ولم تتمكن أنت

منه. طريقة السيطرة عليه تكون بتجسيده وعندها بإمكانك إحكام قبضتك عليه. (تقول في نفسك: انا

على كوكب الغضب الآن لكني لن ابقى فيه). إذا استطعت فعل ذلك بمشاعرك الإيجابية، فإنك قادر

على نقل نفسك إلى الجانب الإيجابي من الفضاء والبقاء هناك. ليس عليك نهائياً الشعور بشيء لا

تريد الشعور به. “البؤس” اختيار لست مضطراً للشعور به. لكن إن لم تسيطر عليه، فمن سيفعل؟

الإجابة دائماً شخص في الخارج.


-اسأل نفسك


إذا خرجت اليوم، اسأل نفسك سؤالاً واحداً: ما الكوكب الذي أنا عليه؟ وما الكوكب الذي أودّ أن

أكون عليه؟ وابدأ العمل على الانتقال إلى الكوكب الذي تريد بدلاً من ترك الحياة تدفعك إلى أي

مكان. تخيّل عالماً نكون فيه جميعاً قادرين على أن نكون على الكوكب الذي نريد، أو نتجول حول

ذلك النظام الشمسي أو تلك المدارات التي نود تجربتها. تخيّل عالماً يمكنك فيه الحديث إلى شخص

جذاب من دون شرب نصف لتر من الشجاعة قبل أن تتمكن من مقابلته. تخيل عالماً لست مضطراً

فيه إلى الشعور بالقلق خلال الامتحان أو إجراء مقابلة وظيفية، ودون أن تشعر بالخوف وأنت

تصعد المسرح. تخيل عالماً يتعرض فيه أطفالك للتنمر، لكنهم لا يأبهون له. إذا تمكنت من السيطرة

على مشاعرك، فإنك تستطيع تغيير حياتك بالكامل. ولذلك احثكم أن تسألوا أنفسكم عن الكوكب الذي

أنتم عليه، وتبدؤوا بوضع أنفسكم في مكان من الكون تودّون حقاً العيش فيه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى