المقالات والسياسه والادب

ليت الذكريات ترحل كما رحل أصحابها..بقلم مستشار محمود السنكري 

ليت الذكريات ترحل كما رحل أصحابها

بقلم مستشار محمود السنكري

الذكريات، تلك المساحات الزمنية التي تتشابك فيها الأحاسيس مع اللحظات، تظل حبيسة في عقولنا وقلوبنا رغم رحيل أصحابها عن عالمنا أو عن حياتنا. إنها تلك الومضات التي تنبثق فجأة، دون استئذان، لتعيد إلينا مشاهد كنا نظنها قد دفنت مع الأيام. ولكن، ماذا لو كان بإمكان الذكريات أن ترحل كما رحل أصحابها؟ هل كنا لنشعر بالراحة أم أن الفراغ الذي ستتركه سيكون أعمق وأقسى؟

يقال إن الإنسان يمتلك نعمة النسيان، لكنها تبدو نعمة صعبة المنال عندما يتعلق الأمر بمن أحببناهم حقًا. تمرّ الأيام، وتتبدل الفصول، ولكن تظل بعض الذكريات عالقة كأغنيات مألوفة تتردد في الخلفية. تلك اللحظات التي ضحكنا فيها من القلب، أو بكينا بصمت، أو جلسنا في هدوء مع من كنا نظنهم أبديين في حياتنا.

لا يمكن للزمن أن يمحو تلك الصور التي ارتسمت بعمق، ولا يمكن للمسافات أن تُضعف وقعها. كأن الذاكرة تتآمر علينا، تحتفظ بما يؤلمنا أكثر مما يبهجنا، وتعيد إلينا وجوهًا غابت وأصواتًا خفتت، فتجعلنا نتساءل: هل نحن سجناء ماضٍ لم يعد له وجود؟

لماذا لا ترحل الذكريات؟ الذكريات، على عكس الأشخاص، لا تخضع لقوانين الرحيل. ربما لأنها ليست مجرد أحداث مضت، بل هي أجزاء منا، نبضات سكنت أعماقنا، وتجارب شكّلت هويتنا. هي أدلة حية على أننا عشنا بصدق، أحببنا بصدق، وتألمنا بصدق.

ولعلها لا ترحل لأنها تحمل في طياتها دروسًا لم نستوعبها بعد، أو لأنها تذكّرنا بأن الحياة ليست خطًا مستقيمًا، بل متاهة من الفقد واللقاء، من البدايات والنهايات.

ربما يكون الحل ليس في رحيل الذكريات، بل في التصالح معها. أن ندرك أن الرحيل جزء من الحياة، وأن الفراق لا يعني نهاية الحب، وأن الألم الذي نشعر به هو دليل على عمق ما عايشناه.

إن قبول الذكريات، بحلوها ومرها، هو ما يمنحنا القوة لنمضي قدمًا. أن نحتفظ منها بما يلهمنا، ونترك ما يؤلمنا دون ندم. أن ندرك أن الأشخاص قد يرحلون، لكن تأثيرهم يبقى، وأن الذكريات التي تزعجنا اليوم قد تصبح ذات يوم تذكارات دافئة نسترجعها بابتسامة هادئة.

ختامًا.. الذكريات كأشجار الخريف مثل أوراق الشجر التي تتساقط في الخريف، قد تتساقط بعض الذكريات مع مرور الوقت، بينما تبقى أخرى متشبثة بأغصان الروح. لعل رحيل الأشخاص يعلمنا درسًا عظيمًا: أن نعيش اللحظة بصدق، أن نحب بلا تردد، وأن نتذكر بلا ألم.

ليتنا نتعلم أن الذكريات، مهما بلغت قسوتها، هي دليل على أننا عشنا، على أن القلوب التي تعرف الحب تعرف الفقد أيضًا، وأن ما يبقى منا في النهاية ليس ما فقدناه، بل ما تعلمناه من كل وداع.

مقالات ذات صلة