المقالات والسياسه والادب

مقال بعنوان الشعبونيه عند أهل نابلس في فلسطين

 للكاتبه ا.د.عطاف الزيات 

فلسطينةالشعبونية عادة نابلسية امتازت بها مدينة نابلس دون غيرها من مدن فلسطين، وتنسب لشهر شعبان، وهو الشهر الثامن في التقويم الهجري، يقوم فيها رجل البيت الأب أو الشقيق بدعوة النساء فقط من البنات والشقيقات والخالات والعمات ومن يتبعهن من الإناث والصبية الصغار لتناول الطعام والمبيت عنده، سعيا لتعزيز صلة الرحم وأواصر المحبة وألفة اللقاء، الشعبونية في شهر فضيل تكون فيه صلة الأرحام أسمى من أي شيء آخر، وفيه درجت عادات تُقرّب العائلة من بعضها وتجمع نساءها
الشعبونية بنابلس.. صلة الرحم بنساء العائلة
تقتصر عزومة شعبان او الشعبونية على النساء القريبات فقط دون الرجال
ت
قصص وحكايات نسجت في ذاكرة الحاج علي جود الله (أبو حسن)، كانت ولا تزال تحوم في باله ويستذكرها كل حين، وهي الآن وبمثل هذه الأيام تدق بابه أكثر من ذي قبل، فهي قصص العادة الشعبونية التي تتزامن مع شهر شعبان من كل سنة، وهي عادة توارثها النابلسيون منذ عقود خلت أبا عن جد.
والشعبونية عادة نابلسية امتازت بها مدينة نابلس دون غيرها من مدن فلسطين، وتنسب لشهر شعبان، وهو الشهر الثامن في التقويم الهجري، يقوم فيها رجل البيت الأب أو الشقيق بدعوة النساء فقط من البنات والشقيقات والخالات والعمات ومن يتبعهن من الإناث والصبية الصغار لتناول الطعام والمبيت عنده، سعيا لتعزيز صلة الرحم وأواصر المحبة وألفة اللقاء، ففي الأمر حكايات تروى وأناس ملهوفون للاستماع.
مثل تلك الحكايات لمّا تغادر مخيلة أبو حسن، فهي قصص الشعبونية في شهر فضيل تكون فيه صلة الأرحام أسمى من أي شيء آخر، وفيه درجت عادات تُقرّب العائلة من بعضها وتجمع نساءها كما لو أنها لم تغادرها قط عبر زواج أو غيره.
جانب من البلدة القديمة في نابلس حيث اشتهرت المدينة بالشعبونية
الطعام واللمّة
يقول الرجل الستيني لا أزال أذكر أبي “أبو السعيد” الذي كان ذائع الصيت ليس بحي الياسمينة حيث نقطن فحسب، بل في البلدة القديمة برمتها وهو يستعد لعزومة شعبان، حيث كان البيت يمتلئ بشقيقاتي والقريبات من النساء “الولايا”، وكن يأكلن الطعام الذي يعد خصيصا لهذه المناسبة، وليلا يتناولن الحلوى النابلسية (الكلاج) ويتسامرن ويتبادلن الأحاديث المشوقة.
أخذ أبو حسن على عاتقه إقامة الشعبونية وإحياءها منذ صغره، فكان ولا يزال يحافظ على دعوة قريباته ورحمه من النساء، ليحيين سوية الشعبونية بكل جمالياتها القديمة، خاصة أنه لا يزال يحافظ على بعض تقاليدها كأن يصنع الحلوى بيده.
لهذه الشعبونية طقوس كثيرة ومتنوعة في دمشق الصغرى (نابلس) كما يحب أهلها تسميتها، ترتكز بمجملها على اللقاء الجماعي “اللمة” بين العائلة وأحاديث نسوتها عن كل جميل عشنه داخل بيتهن، تداعبهن حكايات الماضي وعبقه، بينما تأخذ أخريات وهن يتناولن الشيشة النابلسية بالحديث عن حالهن وأسرهن، ومن كانت على مخاصمة مع شقيقتها أو إحدى قريباتها يتم لمّ شملها ورأب الصدع، لتتصافى النفوس.
يحق للمرأة التي “تشعبن” عند أهلها طلب ما تشتهيه من الطعام والشراب، ويكون ذلك طوال مدة إقامتها عند ذويها خلال أيام شعبان التي تمتد من ثلاثة أيام إلى أسبوع كامل، وخاصة الفطور الذي له طعامه المميز مثل قرص التوم والتمرية وحلاوة زلابية. والنوم يُعد أكثر الاختلاف ظاهرا في الشعبونية الآن، إذ أضحت العزائم والدعوات تقتصر على يوم واحد فقط، تعود فيه المدعوات لبيوتهن عقب يوم حافل وجميل، إضافة لإحضار الحلوى والطعام الجاهز، وتلاشت كذلك السهرات الطويلة والاحتفالات عقب تناول الغداء. لا يمكن للرجل -حتى وإن كان الأب- المكوث بين بناته وشقيقاته، فعادة ما يقتصر وجوده خلال عزومة الشعبونية على اللحظات الأولى فقط، ثم ينسحب ليفسح المجال أمام النساء ليعشن لحظاتهن الخاصة ويتبادلن أحاديث وقصصا مختلفة.
تلك اللحظات لا تنساها الحاجة محاسن سعيد (أم عبد الله)، حيث تعد اللحظات الممتعة التي قلما تعيشها الأخوات والشقيقات وبناتهن مع بعضهن، “فاللقاء يكون كما لو أننا لم نتزوج أو نخرج من بيت أبينا”.
وبرفقة بناتها وحفيداتها تذهب أم عبد الله كل عام لبيت العائلة، حيث يسكن شقيقها البكر الذي يقوم مكان الوالد في عمل الشعبونية. المخاشي والمحاشي
ولأن النساء مجتمعات فعادة ما يصنعن طعاما يحتاج لجهد جماعي، حيث تعد أكلات “المحاشي” مثل الكوسا وورق العنب وورق اللخنة الخضراء الموسمية وهي أشبه بورق القرنبيط، ومثل المنسف وما شابهه من الأرز والمرق.
بيد أن كثيرا من العائلات باتت تعتمد اليوم أكثر من أي وقت مضى على الطعام الجاهز أو الذي لا يحتاج لجهد كبير، ولذا يعج فرن عائلة مُنى الواقع داخل البلدة القديمة من نابلس بالحركة خلال هذه الأيام أكثر من غيرها، لا سيما رائحة شواء اللحوم التي تتداخل بين أروقة وأزقة البلدة القديمة.
وداخل فُرنه يواصل الحاج هلال (أبو عمار) عمله منذ ساعات الصباح في إعداد الأطعمة المشوية وأقراص “صفيحة” اللحم والبيض، حيث يعد كثيرون أطعمتهم داخل الفرن العربي الذي يعمل بالحطب ويضفي نكهة مميزة للطعام.
وهذا التحوّل بإعداد الطعام خارج المنزل لا يعيب الشعبونية أو ينتقص من قدر المدعوين، فالأوضاع الحياتية الآن اختلفت عن السابق، وباتت عائلات محددة، لا سيما القليلة الأفراد، هي من تقوم بإعداد الطعام بمنزلها.
وكذا الحال بالنسبة للحلوى، فقليل من لا يزال يتمسك بصنعها داخل المنزل، كما يقول أيمن التمام صاحب محل حلويات دمشق بمدينة نابلس.
ويضيف التمام أن الحلوى التي تقدم في شعبان لم تعد تقتصر على نوع محدد ولذا بات صنعها بالمنزل مرهقا، ويقول إنهم يشهدون حركة ونشاطا في البيع خلال شهري رمضان وشعبان، تختلف عن بقية أشهر السنة بكثير.

مقالات ذات صلة