بقلــم الأديب المصرى
د. طــارق رضـــوان
أخذت أتجول بين أحبابى من عظماء التاريخ، وحادثتهم عما أقلقنى وأفزعنى ودمر أجيالنا ومستقبل أمتنا العربية والإسلامية. ودعوتهم إلى ندوة ثقافية بغرض التوعية والحفاظ على الشباب دعائم التنمية. فقالوا لا بأس… علينا الأذان وعلى ا لله الإجابة. وقبلوا المساعدة لأنهم عظماء ،ونال رجائى منهم الإستجابة. وبدأنا ندوتنا ومنتدانا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من شباب فسد وقلد بلا وعى .
فبدأت ندوتى بالترحيب بضيوفى الكرامفذكرتهم ونفسى بقول الله عز وجل : ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30]، وقال – تعالى -: ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ ( آل عمران: 165).
فالعصامي هو من يُبني نفسَه بنفْسِه. أما العظامي فهو من يَفتخرُ بعظامٍ لآبائه وأجداده. وكان من بين الحضور والذى بدأ الحديث مؤسس شركة آبل العالمية فقال أنه تم فصله من المدرسة وعمل في الإلكترونيات حتى اخترع شريحة لبرنامج وذاع صيته ومن ثم أصبح مؤسس لشركة آبل العالمية. ثم نهض الألباني إمام العصر وقال كنت أخصص جزءًا من وقتى لتصليح الساعات على الرغم من إنشغالى الشديد بطلب العلم.
ثم بدأت بعرض القضية عليهم فأخبرتهم أن الشباب والفراغ والجِدة مفسدة للحر. فالفراغ يسهل على قرناء السوء اصطياد الشباب ليوقعوهم في شراكهم وحبائلهم، وبداية الانحراف تكون عندما لا يكون للشاب هدف معين في الحياة، ولا يفكر بالمسؤولية، والتطلع للمستقبل. واذا اردنا لابنائنا صيفا نافعا ومفيدا، فلنشغل فترة الاجازة الصيفية بما يحقق لنا الاهداف التي نرجوها منهم، وامامهم اماكن كثيرة متوفرة لممارسة هواياتهم، واللهو البريء والالعاب النافعة، من النوادي والمراكز والنوادي الصيفية وحلقات تحفيظ القرآن الكريم ومراكز الشباب وحضور مجالس العلم، والقراءة والمطالعة، وغير ذلك كثير.
وإذا بضيفى الإمام البخارى ينهض فيُذكرالسادة الحضور بحديث المصطفى صلوات ربى وسلامه عليه فيقول: ” عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب على كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد. فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة. فإن توضأ انحلت عقدة. فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان”.
أخبرتهم أنى رأيت فى هذا الكوكب المُغيب قصات شعر غريبة ومستهجنة في كثير من فصولها وأشكالها, لا تعرف أو تميز في كثير منها الرجل من المرأة, قصات لفروة الرأس تنم على عدم وجود الثقافة أو أي إرث إجتماعي. والشعر منكوش ومنفوش كأنه مصعوق بالكهرباء. البنطال ضيق قصير تظهر منه مؤخرة الرجال والنساء, والقميص أو التيشيرت ضيق جدا يبرز القباحة للجسم.
وحكيت لهم أن رجلاً متعبداً في قرية كان قدوة للجميع لمستوى تدينه، وكان كل أهل القرية يسألونه في أمور دينهم ويتخذونه نموذجاً يحتذى في الإيمان بالله، وذات يوم حل طوفان بالقرية أغرقها بالماء، ولم يستطع أحد النجاة إلا من كان معه قارب، فمر بعض أهل القرية على بيت المتعبد لينقذوه فقال لهم: “لا داعي، الله سينقذني … اذهبوا”. ثم مر أناس أخرون وقال لهم نفس الكلام، ومرت أخر أسرة تحاول النجاة بنفس المتعبد وقالوا له:” اركب معنا نحن أخر من في القرية، فإن لم ترحل معنا ستغرق”، فأجابهم: “لا داعي، الله سينقذني … اذهبوا”. وعندما انتهى الطوفان وتجمع أهل القرية وجدوا جثة المتعبد. فثار الجدل بين الناس، أين الله؟ لماذا لم ينقذ عبده؟ .. وقرر البعض الارتداد عن الدين! حتى جاء شاب متعلم واعٍ وقال: “من قال لكم إن الله لم ينقذه؟ … إن الله أنقذه ثلاث مرات عندما أرسل له ثلاث عائلات لمساعدته لكنه لم يرد أن ينجو!”. إن الله لا يساعدنا بطرق إعجازية، إنما هو يجعل لكل شيء سبباً وعلى الإنسان الاجتهاد والأخذ بالأسباب كي ينال. يقول الشاعر:
استرشدَ الغربُ بالماضي فأرشده………..ونحنُ كان لنا ماضٍ نسيناه
إنا مشينا وراء الغربِ نقبسُ من………..ضيائهِ فأصابتنا شظاياهُ
أرى التفكير أدركه خمول *** ولم تعد العزائم في اشتعال
وأصبح وعظكم من غير سحر *** ولا نور يطل من المقال
أخذت أسأل وأستفتيهم فى قضيتى : ما هذه العبارات التى أستحى منها ولا أفهمها؟ وكأن اللغة بأثرِها تغيرت وحل محلها مصلحات جديدة.أين كنت حين تطورت مفردات العصر؟ أشعر أنى كنت بكهف مُنعزل. يا ويلى حين أذكر مقولة من عرف لغة قوم أمن مكرهم. وانا لم أعد أدرك نهجهم. كيف أمن على نفسى ومالى وأسرتى؟ وخرجت مهرولا مفزوعاً. لا يشغلنى شىء سوى أن أبحث عن أبنائى متسائلاً “أيعقل أن يكون أبنائى أنا نفسى هكذا، بمثل هذا الإنحدار الأخلاقى؟ يا للصاقعة التى حلت بفكرى حين علمت أنهم جزء لا يتجزء من هذا المجتمع الهالك. أين أنت يا أميرالشعراء؟ألم يسمعوا جميل قولك :” الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق”. لكن رحمة رب رؤوف تدركنى وأسمع فى أذنى ” إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56)”.
لا أنكر أن هذا أراح قلبى على أولادى قليلاً، لكنى ما زلت غير مقتنع بما نحن به من غربة أخلاقية داخل وطننا.إن الأمر إحتلال وغزو فكرى بلا أدنى شك. فأين خطئى؟وماذا كان ينبغى علىّ أن أفعل لأنقذ أبنائى، وسط كل هذه الشرور من نت وشبكات تواصل إجتماعى و أقمار صناعية وغياب دور مدرسة و إستخفاف لدور الأباء من جهة إعلام مُخرِف؟
الشباب لديهم أفكارهم وميولهم التي لا تتناسب مع ما تربى عليه الآباء, الانفتاح والتطور في نظام الديمقراطية الجديدة خلق نوع من الفوارق الكبيرة الشاسعة بين الأجيال, السعي الحثيث من قبل أولادنا وراء المال وجعله غاية الحياة أمر غاية في الإحباط التربوي خاصة أن هناك أعراف ومؤسسات إعلامية عملاقة تروج لهذه الافكار.
وعلق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أيضًا فشاركنا الرأى وقال : “إنِّي لأرى الرَّجل فيُعجبني، فأسأل: ألَه مهنة؟ فإن قيل: لا، سقط مِن عيني”؛ تاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي (ص : 202).
ومن مظاهر الفتور و الكسل عدم إستشعار المسئولية الملقاة على عاتق الشاب، والتساهل والتهاون بالأمانة التي حمَّله الله إياها، فلا تجد لديه الإحساس بعظم هذه الأمانة.
فلا تجد أنَّ همَّ المستقبل يجري في عروقه، أو يؤرق جفونه ويقضَّ مضجعه. ومما يلحق بهذا الباب أنَّك تجد هذا الفاتر أصبح يعيش بلا هدف، أو غاية سامية، فهبطت إهتماماته، وسفلت غاياته، وذلت مطامحه ومآربه. وتبعًا لذلك فلا قضايا وطنه ودينه تشغله، ولا مصائبهم تحزنه، ولا شئونهم تعنيه، وإن حدث شيء من ذلك فعاطفة سرعان ما تبرد وتخمد ثم تزول. ومن الواضح ضياع اوقات اولادنا في الصيف بالنوم نهاراً والسهر ليلاً وإدمان العاب الكمبيوتر والذهاب للمطاعم والتسكع في الأسواق لإيذاء المسلمين، ولا ننسى ان في فترة الصيف والاجازة اكبر نسبة للجرائم والسرقات والعياذ بالله، لأن اصدقاء السوء لا يتركون احدا الا وعرضوا عليه بضاعتهم الوضيعة. ، والتسكع في الشواطئ والأماكن العامة والأسواق وما يصاحب ذلك من إستهزاء بالناس وضحك ممجوج وتحرش بالفتيات وأذى لعموم المارة، فضلا عن قيادة السيارات بإستهتار ورعونة، والإستعراض بالدراجات النارية، ومضايقة العائلات حيثما ذهبوا. ان الشباب بحاجة الى قرار داخلي من عند أنفسهم.
وقام الشاعر الراقى الجميل عبد الرحمن الأبنودى وسأل مندهشاً ومنكراً ما يرى: ” أين الوطنية التى ناديت بها وتغنيت بها الأبنودى” كبرت وكل ما اكبر يكبر حبك فى قلبى…يكبر وأنا ليا غير وطنى وانتي وربي…ولما اأعود إليكي وأبوس على إيديكي…أنسى المدن يا امايا فى لمستك وعينيكى…وأرمى روحى عليكِ تطبطبى وتضمى…مابحسش بالبراح ده إلا فى قلبك يا أُمى…أيوه فى قلبك يا أُمى.”
فأمة يكسل أبناؤها هى أمة لا تبني ولا تُعمر بل تتراجع عن موكب التقدم والحضارة فأول ضريبة يدفعها المجتمع أن يصبحوا مسخا إمعه لا يدفعوا ولا ينفعوا. الكسول لا ينال شرف السيادة بين الناس، ولا في قومه، لأنه اكتفى بالكسـل،
ورضي أن يعيش عالة على غيره، ولذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه إني لأرى الرجل فيعجبني فأقول هل له حرفة فإن قالوا لا سقط من عيني.
يقول الشاعر منتقداً على أجيالنا الحالية:
فسل المعالي عن شجاعة خالد *** وسل المعارك هل رأته ذليلا
وسل الحضارة إن رأيت بهائها *** عمن أنار لهديها القنديلا
وسل المكارم والمعالي هل رأت *** من بعدهم في ذا الزمان مثيلا
هذى المكارم عندهم كبداية *** لسلوك درب ما يزال طويلا
في الأرض مجدهم ولكن قلبهم *** لجنة الفردوس رام رحيلا
وخذ المكارم لا تخف أعبائها *** عبء المكارم لا يكون ثقيلا
وشاركنا الحديث الإمام ابن القيم-رحمه الله فقال: أن العقلاء قاطبة متفقون على إستحسان أتعاب النفوس في تحصيل كمالاتها من العلم والعمل الصالح والأخلاق الفاضلة وطلب محمدة من ينفعهم حمده وكل من كان أتعب في تحصيل ذلك كان أحسن حالا وأرفع قدرا وكذلك يستحسنون أتعاب النفوس في تحصيل الغنى والعز والشرف ويذمون القاعد عن ذلك وينسبونه إلى دناءة الهمة وخسة النفس وضعة القدر
وذكر لهم ابن شداد رحمه الله أن هناك نماذج مشرفة مثل عيسى العوام رحمه الله(وللعلم هو مسلم وليس مسيحى كما ورد بفيلم الناصر صلاح الدين)، ففي إحدى الوقائع التي كانت بين صلاح الدين والنصارى: أن عواماً مسلماً كان يجيد العوم، يقال له: عيسى العوام وكان يدخل إلى البلد بالكتب والنفقات على ظهره ليلاً على غرة من العدو ـ البلد المسلمة كانت محاصرة بسفن العدو كانوا ينتظرون المدد ورسائل صلاح الدين التي يخبرهم فيها ماذا سيعملون ويمدهم بالنفقات لدعم الجهاد ـ فكان هذا الغواص المسلم يدخل من تحت سفن الأعداء ثم يخرج بعدها، ويدخل البلدة المسلمة وكان يغوص ويخرج من الجانب الآخر لمراكب العدو.
فتذكرت قول الحبيب محمد عليه السلام أيضا: ” المرء مع من أحب وله ما اكتسب”. وقال: «مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل حامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما ان يحذيك (يعطيك) او تشتري منه، او تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما ان يحرق ثيابك أو تجد منه ريحاً نتنة». قيمة الوقت الوقت أثمن ما في الوجود والحياة، بل انه هو الحياة.
وذكرتهم بقول النبى المختار عليه السلام: «إغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك»فالأديان جميعها تدعوإلى إستغلال وقت الفراغ خاصة للشباب وهنا نهض عمر بن الخطاب فأكد على ضرورة استخدام وقت الفراغ فيما يفيد الفرد والمجتمع فقال : «علموا أولادكم الرماية والسباحة ومروهم ان يثبوا على الخيل وثباً.
تابعنا على