نهضة مصر والتجربة اليابانية

122

بقلم د/مصطفى النجار
غدت اليابان بعد الحرب العالمية الثانية كرماد اشتدت به الريح لم تبقى منه شىء ، خسائر مادية وبشرية فادحة ، بلدا دمرت الحرب فيه كل شىء ، حتى أن الناظر إليها كان يظنها جزء من التاريخ لن يعود ، وفوجئ العالم باليابان تنبعث من رماد الحرب العالمية الثانية كقوة اقتصادية عالمية عظمى ، مما أدهش الكثير من علماء الإقتصاد والإدارة والاجتماع وغيرهم ، فتسابقوا لدراسة التجربة الفريدة ، وأجمعت الكثير من الدراسات العلمية لتلك التجربة الملهمة ، أن الفضل فى تلك النهضة السريعة القوية يعود للثقافة اليابانية ، تلك الثقافة التى استطاعت صياغة عنصرا بشريا فريدا ، يؤمن بالعمل والإنتاج بل يقدسه، ويؤمن بوطنه حد العشق والفناء من أجله.
لقد شكلت تلك الثقافة اليابانيين جميعا ، كبارا وصغارا ، بداية من المناصب العليا مرورا بالمدراء انتهاء بالعاملين فى جميع المؤسسات اليابانية ، سواء كانت مؤسسات حكومية أو أهلية ، إنتاجية أو خدمية ، قطاعا عاما أو خاصا ، وتميزت تلك الثقافة بالمبادئ الروحية التالية :
■خدمة الوطن من خلال الصناعة.
■التعاون و العمل بروح الفريق.
■اعتبار الشركة امتداد للعائلة.
■احترام القائد و إتباع التعليمات.
■تقديم المصلحة العامة على الشخصية و أدراك أن المكسب للجميع و الخسارة أيضا للجمبع.
و استلهم اليابانيون تلك القيم الذهبية منذ القدم من زراعة الأرز ، حيث صاغوها فى نشيد وطنى شعبى يتغنى اليابانيون به كل صباح منذ الطفولة حتى الممات ، وبذلك استطاع اليابانيون تحويل أربع جزر فى المحيط لقوة اقتصادية عالمية عظمى.
إن الخطوة الأولى فى النهضة المصرية تكمن فى صياغة عنصر بشرى مصرى يحاكى اليابانيين ، يخدم الوطن من خلال الصناعة وليست بالشعارات المنافقة الجوفاء، يؤمن بالعمل والإنتاج ويقدسه ، وليس بالنفاق الوظيفى حصدا لمغنم أو تفاديا لمغرم ، ويؤمن ببلده بل يعشقه ، ويقدم الصالح العام على الشخصى ويعمل بروح الفريق.
حين يشغل هذا العنصر البشرى الذى يمتلك صفات على هذا النحو جميع المؤسسات المصرية وفى كل المستويات ستنهض مصر حتما ، وحين تتمثل هذه القيم فى الجميع كبيرا وصغيرا دون استثناء ، ويعمل الجميع بمقتضاها ، فلننتظر عندها مصر العظمى وتلك مكانتها التى وضعها الأجداد فيها ، والتى يجب علينا نحن الأحفاد أن نعيدها إليها.

حفظ الله مصر

تحياتى وتقديرى