بعد الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله محمدا بن عبد الله وعلي آله وصحبه ومن والاه وعلي من استن بسنته وأقتفي أثره و اهتدي بهداه …
آثرت أن ابتدأ الكتابة في هذا المقال بما علقت به الأستاذة ( ميسا غانم ) علي المقال السابق ونص تعليقها (
لا بد لمن تصدى لمناقشة الملحدين أن يخلص نيته لله تعالى أولاً وان يكون ذو ثقافة ووعي في الدين يعينه على أن يحصن نفسه بداية، وأن يعرض بعدها لغيره الحجة الدامغة والدليل القاطع على كلامه وحديثه، خاصة أن الملحد يرفض مبدأ الإيمان القلبي بوجود الله لإصراره على معرفته بحواسه.
لذلك يجب استخدام الحجة العقلية والدليل المنطقي مع الملحدين، والإبتعاد عن الأساليب الفلسفية وقلب الحقائق وطرح المتناقضات.. وهذا يعني أن نبدأ النقاش مع الملحد عن سبب الوجود ومصدره، كونها أصل الموضوع؛ ثم عن صفات الموجود وهو الله؛
ومن الضروري وضع قواعد للحوار مع الملحد لا يجوز تجاوزها، ويجب أن نتذكر دائما أن الإيمان يدخل القلب عن طريق العقل ثم يستقر في القلب عاطفة، وهذا هو أسلوب القرآن الذي خاطب العقل ولفت انتباهه ومداركه للكون والحياة، وتذكيره بانه لا يستطيع أن يقيم الدليل على عدم وجود الله لا بالعقل ولا بالنقل.
كذلك يجب أن نذكّر الملحد ببعض اقوال الفلاسفة والعلماء عن الإمكانيات المحدودة للإنسان كما قال أرسطو: (الإنسان كائن محدود)، وفيه نقص وضعف لا يمكّنه من أن يلم بالله عز وجل، ثم إن هناك موجودات لا نراها ولا نستطيع إثبات وجودها.
و علينا الاستفادة من كلامه المتناقض وزلات لسانه كان يذكر الله أثناء الحوار دون إدراك منه.
كذلك علينا أثناء الحوار ان نطرح عليه أسئلة افتراضية عن أهمية وجود خالق في حياتنا رحمته واسعة وبابه مفتوح لكل من يطرق ابواب التوبة
ولا بد من نقض فكر الملحد قبل أن نبني أفكارنا، فنبدأ بإزالة ثقته بأفكاره وإلحاده والتدليل على وجود الخالق، ثم نتبعها بإزالة الشبهات، ثم أخيراً علينا أن نتذكر أن الكثير من النظريات يبنى على عدد قليل من البديهيات، ووجود الله أمر بديهي من الناحية الفلسفية، والكون وما فيه من نظام وتوافق يؤكد صحة هذه البديهية.)
هذا تعليق جميل قد أثلج الصدر وقد نصحت فوفت النصيحة جزاها الله خيرا .
نعود إلي بدء ظهور الإلحاد والنظريات التي أدت إلي ذلك ،
لم يقف الأمر عند العلماء ، فحتي الأدباء أعلنوا وفاة فكرة الدين و الخالق ، ومن أبرز الشعراء في هذه الفترة هو وليم بلاك وبدأ تدريجيا وخاصة علي يد الفيلسوف الألماني أرثر شوبنهاور بروز فكرة أن ” الدين هو من صنيعة البشر ” ابتكروها لتفسير ما هو مجهول لديهم ، وقد تزامنت هذه الأفكار مع أبحاث تشارلز داروين الذي كان مناقضا تماما لنظرية نشوء الكون في الكتاب المقدس ، وأعلن فريدريك نيتشة من جانبه موت الخالق الأعظم وقال ” إن الدين فكرة عبثية وجريمة ضد الحياة ، كما عد كارل ماركس الدين أفيون الشعوب ، وأنه يجعل الشعب كسولا وغير مؤمن بقدراته في تغيير الواقع ، وأن الدين تم استغلاله من قبل الطبقة البرجوازية لسحق طبقة الفقراء .
أما سيجموند فرويد فقد قال : إن الدين هو وهم كانت البشرية بحاجة إليه في بداياتها وإن فكرة وجود الإله هي محاولة من اللاوعي للوصول إلي الكمال في شخص مثل أعلي بديل لشخصية الأب .
كل هذه الأفكار وبصورة تدريجية ، ومع التغيرات السياسية التي شهدتها فرنسا بعد الثورة الفرنسية ، وبريطانيا بعد عزل الملك جيمس الثاني من إنجلترا عام ١٦٨٨ م وتنصيب الملك وليام الثالث والملكة ماري الثانية من إنجلترا علي العرش كان الاتجاه السائد في أوروبا هو نحو فصل السياسة عن الدين ، وإلغاء العديد من القيود التي كانت مفروضة من السلطات السابقة علي التعامل والتعبير ، وهي كانت تأخذ شرعيتها من رجالات الكنيسة .