وهل أملكُ يا حبيبي غير الإنتظار؟ سمر بودقّة
حينَ أذكُرُ كم أنَّنا كُنّا أحِبَّةً وبِشِدَّةٍ، تنتابُني حالَةٌ مِنَ الأسَفِ المُترَعِ بالحَنين…
كُنّا -كما يُقالُ-: “جَسَدَينِ بِروحٍ واحدة”
أَوَتَذكُرُ كَمْ تبادَلنا الحُبَّ فيما بَينَنا؟!…
وكَيفَ أنَّنا بَنَينا أعمِدَتَهُ سَوِيًّا يدًا بِيَد، وتجاوزْنا كُلَّ الصّخورِ التي رُمِيَت في طريقِ حُبِّنا ذاك؟!…
يَومَها، أشَحنا بِأبصارنا عن كُلِّ مَنْ أرادوا زَرعَ الشِّقاقِ فيما بَينَنا، ورغمًا عنهُم بَقينا مَعًا…
أذكُرُ جَيِّدًا ذلكَ المَساءَ الجميلَ حينَ هاتَفتَني وطَلَبتَ -راجِيًا- أن نَلتَقي، ووعَدتَني بِمُفاجأةٍ لكنَّكَ أصرَرتَ على كِتمانِ تفاصيلِها وكُنهِها…
وفي اليومِ المَوعود، تأنَّقتُ قدرَ استِطاعَتي، وخَرجتُ في طريقي لِلُقياك… تفاصيلُ ملامِحِكَ لا تَنمَحي مِن مُخَيِّلَتي، وكيفَ أنَّ الحُبَّ صبغَ وجنَتَيكَ بِلَونِ والوَردِ الخجولِ الجَميل، ومِن فَرطِ توَتُّرِكَ رُحتَ تُداعِبُ لِحيَتَكَ -بِلَونِها الأشقَرِ الضّارِبِ لِلحُمرةِ- التي أخبرتُكَ دَومًا بأنّي أعشقُها لِلغاية،
ويأسرني النَّظرُ إلَيها كُلَّما كُنّا في لِقاءٍ خَفِيّ، فَتُخفيها -مُمازِحًا- بِكِلتا يَدَيكَ إذا انتبهتَ لِتَحديقي، نعم، لَرُبَّما كُنتَ قادِرًا على إخفاءِ لِحيَتِك، لكنَّكَ كُنتَ عاجِزًا عن إخفاءِ حُبِّكَ المُتَّقِدِ في مُقلَتَيكَ اللَّتينِ كانَتا تَفضَحانِكَ كُلَّما نَظَرتَ إلَيّ…
ووَسطَ كُلِّ ذلكَ كنتُ سَعيدَةً لِلغاية، لِوجودِكَ بِجانبي
ولأنَّكَ كُنتَ رَجُلًا بكلِّ ما تَعنيهِ الكَلِمة…
في ذاكَ اللِّقاء أخرَجتَ من جَيبِكَ مِنديلًا حريرِيًّا -أحمَرَ اللَّونِ- مطوِيًّا بِعِنايَة، لَم يَكُن شفّافًا بِما يَكفي
لِأُخَمِّنَ ما بِداخِلِهِ، أمسَكتَ كَفَّيَّ ووضعتَ المِنديلَ فيهِما، وفَتَحتَهُ بِرِفقٍ لِأرى بِداخِلِهِ قِلادَتَين
صَغيرَتَين، نظرتُ جَيِّدًا فوَجَدتُ أنَّ اسمِيَ قد حُفِرَ بِعِنايَةٍ وخَطٍّ عربِيٍّ جَميلٍ عَلَيهِما…
قُلتَ لي بِصَوتٍ مُتَهَدِّجٍ حينَها وأنتَ تنظُرُ في عَينَيَّ: احفظيهِما جيِّدًا، واذكريني كلما نظرتِ إلَيهِما،
أعرِفُ أنَّ هَدِيَّتي مُتواضِعَةٌ ولَيسَتْ ذاتَ قيمَةٍ مادِّيَّةٍ تُذكَر، لكنَّني أحببتُ أن أترُكَ لي في قلبكِ ذكرًى
جميلةً، لرُبَّما ذهبتُ ذاتَ يَومٍ ولم أعُدْ أراكِ يا حَبيبة القَلبِ…
أذكُرُ أيضًا أنّي كنتُ أوشَكتُ على البُكاء مِنْ فَرْطِ تعلُّقي بِهِ، لم أُرِدهُ أن يقولَ مثلَ هذه الكلمات
المؤلمة، ولَم أكُن أتَوَقَّعُ أن نَصِلَ إلَيها، ولكن مِمّا يُعَزّيني أنَّني أعلَمُ يَقينًا أنَّهُ لم يكن يقصِدُ، ولكن
كلِماتهُ آلَمَتني…
أحسَستَ عِندَها بِشرودي وحُزني، فحاوَلتَ أن تُغَيِّر الموضوعَ وأن تُضفي عَلَيهِ بَعضَ المَرَح، فوَقَفتَ ورَكَضتَ مُسرِعًا إلى طرف الشّارِعِ الآخَرِ المُقابِلِ للمَقعَد مَكانِ جلوسِنا، وقُلتَ بصوتٍ مُرتَفِعٍ كَطِفلٍ جَذِلٍ: انتَظري قليلًا، ثوانٍ وأعود…
فَتَمتَمتُ لِنَفسي: وَهَل أملِكُ يا حبيبي غَيرَ الإنتِظار؟!…
وحينَ عُدْتَ كُنتَ تحمِلُ كَأسَينِ مِنَ العَصيرِ الذي أُحِبُّ، وأنا التّي هوى قلبُها بَينَ يَدَيها ظَنًّا مِنّي أنَّك رحَلتَ إلى غَيرِ رَجعَة…
هل كُنتَ تَدري كَم أحبَبتُك؟!…
هل كُنتَ تعلَمُ كم خِفتُ فَقدَكَ؟!…
لكنَّكَ مَضَيتَ آخِذًا مَعَكَ كُلَّ الأيّامِ الجميلَةِ تِلك، وافتَرَقَتْ طَريقانا…