أخبارالسياسة والمقالات

إضاءات مع ابن زيدون وقصيدته أضحى التنائي بديلا من تدانينا 

إعداد/ د. محمد أحمد غالى
الشاعر الأندلسي الكبير ابن زيدون هو : “أحمد بن عبد الله بن أحمد بن غالب ابن زيدون، المخزومي الأندلسي، أبو الوليد” (١٠٠٣ ـ ١٠٧١) م، وزير وشاعر وكاتب، من أهل قرطبة فى بلاد الأندلس. وُلد ابن زيدون في عام ٣٩٤هـ الموافق لعام ١٠٠٣م، في أحد أحياء قرطبة، وتمتدّ جذوره العربية إلى قبيلة بني مخزوم التي كان لها شأن كبير ومكانة عظيمة في الجاهليّة والإسلام، وقد جاء أجداده من المغرب. كما كان بيت بني زيدون من أكبر بيوت قبيلة مخزوم عزاً وجاهاً وثقافةً وأدباً. كان والد ابن زيدون معلمه الأول، فقد كان ضليعاً في علوم اللغة العربية وآدابها، فعلم ولده منذ صغره وأحضر له الأساتذة الذين علموه مختلف العلوم. وكان ابن زيدون مقبلاً على العلم راغباً فيه، فأخذ ينهل من العلم من هنا وهناك، فكان يحضر الدروس في الجوامع ويرتاد دور الكتب. كان ابن زيدون من أبرع وأقدر شعراء العصر الذي عاشوا فيه، لذا أُطلق عليه لقب بحتريّ المغرب تشبيهاً له بالشاعر البحتريّ؛ وذلك لتميّزه في موهبته وتميز شعره بالسهولة والعذوبة. وهو صاحب قصيدة “أضحى التنائي بديلا من تدانينا” التى تعد من أروع القصائد الأندلسية المعروفة فى التراث العربي الأندلسي. كما كان معروفا بطبقته الرفيعة في النثر أيضاً، وهو صاحب (رسالة ابن زيدون) التهكمية، والتى بعث بها عن لسان ولادة بنت المستكفي إلى ابن عبدوس الذي كان يزاحمه على حبها. وله رسالة وجهها إلى ابن جهور طبعت مع سيرة حياته في كوبنهاجن. وطبع في مصر من شروحها (الدر المخزون وإظهار السر المكنون). انقطع إلى ابن جهور (من ملوك الطوائف بالأندلس) فكان السفير بينه وبين الأندلس، فأعجبوا به. اتهمه ابن جهور بالميل إلى المعتضد بن عباد فحبسه (ويرى المستشرق كور «A. Cour» أن سبب حبسه اتهامه بمؤامرة لإرجاع الأمويين)، فاستعطفه ابن زيدون برسائل عجيبة فلم يعطف عليه، فهرب واتصل بالمعتضد صاحب إشبيلية فولاه وزارته، وفوض إليه أمر مملكته فأقام مبجلا مقرباً، وظل في بلاطه في إشبيلية معززاً مكرماً حتى توفي المعتضد وتولى ابنه المعتمد على الله الحكم، فظل إلى جانبه ومات في أيام حكمه في صدر رجب لعام ٣٧٤هـ الموافق لعام ١٠٧١م، بمدينة إشبيلية ودفن بها. لإبن زيدون ديوان شعر طُبع عدة مرات، ومن أشهر قصائد ابن زيدون قصيدته التى نتناولها فى هذا المقال وهي قصيدة “أضحى التنائي بديلا من تدانينا”، المعروفة بالنونية ، والتي يقول فيها :
أَضحى التَنائي بَديلاً مِن تَدانينا
وَنابَ عَن طيبِ لُقيانا تَجافينا**
أَلّا وَقَد حانَ صُبحُ البَينِ صَبَّحَنا
حَينٌ فَقامَ بِنا لِلحَينِ ناعينا**
مَن مُبلِغُ المُلبِسينا بِاِنتِزاحِهِمُ
حُزناً مَعَ الدَهرِ لا يَبلى وَيُبلينا**
أَنَّ الزَمانَ الَّذي مازالَ يُضحِكُنا
أُنساً بِقُربِهِمُ قَد عادَ يُبكينا**
غيظَ العِدا مِن تَساقينا الهَوى فَدَعَوا
بِأَن نَغَصَّ فَقالَ الدَهرُ آمينا**
فَاِنحَلَّ ما كانَ مَعقوداً بِأَنفُسِنا
وَاِنبَتَّ ما كانَ مَوصولاً بِأَيدينا**
وَقَد نَكونُ وَما يُخشى تَفَرُّقُنا
فَاليَومَ نَحنُ وَما يُرجى تَلاقينا**
يا لَيتَ شِعري وَلَم نُعتِب أَعادِيَكُم
هَل نالَ حَظّاً مِنَ العُتبى أَعادينا**
لَم نَعتَقِد بَعدَكُم إِلّا الوَفاءَ لَكُم
رَأياً وَلَم نَتَقَلَّد غَيرَهُ دينا**
ما حَقَّنا أَن تُقِرّوا عَينَ ذي حَسَدٍ
بِنا وَلا أَن تَسُرّوا كاشِحاً فينا**
كُنّا نَرى اليَأسَ تُسلينا عَوارِضُهُ
وَقَد يَئِسنا فَما لِليَأسِ يُغرينا**
بِنتُم وَبِنّا فَما اِبتَلَّت جَوانِحُنا
شَوقاً إِلَيكُم وَلا جَفَّت مَآقينا**
نَكادُ حينَ تُناجيكُم ضَمائِرُنا
يَقضي عَلَينا الأَسى لَولا تَأَسّينا**
حالَت لِفَقدِكُمُ أَيّامُنا فَغَدَت
سوداً وَكانَت بِكُم بيضاً لَيالينا**
إِذ جانِبُ العَيشِ طَلقٌ مِن تَأَلُّفِنا
وَمَربَعُ اللَهوِ صافٍ مِن تَصافينا**
وَإِذ هَصَرنا فُنونَ الوَصلِ دانِيَةً
قِطافُها فَجَنَينا مِنهُ ما شينا**
لِيُسقَ عَهدُكُمُ عَهدُ السُرورِ فَما
كُنتُم لِأَرواحِنا إِلّا رَياحينا**
لا تَحسَبوا نَأيَكُم عَنّا يُغَيِّرُنا
أَن طالَما غَيَّرَ النَأيُ المُحِبّينا**
وَاللَهِ ما طَلَبَت أَهواؤُنا بَدَلاً
مِنكُم وَلا اِنصَرَفَت عَنكُم أَمانينا**
يا سارِيَ البَرقِ غادِ القَصرَ وَاِسقِ بِهِ
مَن كانَ صِرفَ الهَوى وَالوُدُّ يَسقينا**
وَاِسأَل هُنالِكَ هَل عَنّى تَذَكُّرُنا
إِلفاً تَذَكُّرُهُ أَمسى يُعَنّينا**
وَيا نَسيمَ الصَبا بَلِّغ تَحِيَّتَنا
مَن لَو عَلى البُعدِ حَيّا كانَ يُحَيّينا**
فَهَل أَرى الدَهرَ يَقضينا مُساعَفَةً
مِنهُ وَإِن لَم يَكُن غِبّاً تَقاضينا**
رَبيبُ مُلكٍ كَأَنَّ اللَهَ أَنشَأَهُ
مِسكاً وَقَدَّرَ إِنشاءَ الوَرى طينا**
أَو صاغَهُ وَرِقاً مَحضاً وَتَوَّجَهُ
مِن ناصِعِ التِبرِ إِبداعاً وَتَحسينا**
إِذا تَأَوَّدَ آدَتهُ رَفاهِيَةً
تومُ العُقودِ وَأَدمَتهُ البُرى لينا**
كانَت لَهُ الشَمسُ ظِئراً في أَكِلَّتِه
بَل ما تَجَلّى لَها إِلّا أَحايينا**
كَأَنَّما أُثبِتَت في صَحنِ وَجنَتِهِ
زُهرُ الكَواكِبِ تَعويذاً وَتَزيينا**
ما ضَرَّ أَن لَم نَكُن أَكفاءَهُ شَرَفاً
وَفي المَوَدَّةِ كافٍ مِن تَكافينا**
يا رَوضَةً طالَما أَجنَت لَواحِظَنا
وَرداً جَلاهُ الصِبا غَضّاً وَنَسرينا**
وَيا حَياةً تَمَلَّينا بِزَهرَتِها
مُنىً ضُروباً وَلَذّاتٍ أَفانينا**
وَيا نَعيماً خَطَرنا مِن غَضارَتِهِ
في وَشيِ نُعمى سَحَبنا ذَيلَهُ حينا**
لَسنا نُسَمّيكِ إِجلالاً وَتَكرِمَةً
وَقَدرُكِ المُعتَلي عَن ذاكَ يُغنينا**
إِذا اِنفَرَدتِ وَما شورِكتِ في صِفَةٍ
فَحَسبُنا الوَصفُ إيضاحاًّ وَتَبيينا**
يا جَنَّةَ الخُلدِ أُبدِلنا بِسِدرَتِها
وَالكَوثَرِ العَذبِ زَقّوماً وَغِسلينا**
كَأَنَّنا لَم نَبِت وَالوَصلُ ثالِثُنا
وَالسَعدُ قَد غَضَّ مِن أَجفانِ واشينا**
إِن كانَ قَد عَزَّ في الدُنيا اللِقاءُ بِكُم
في مَوقِفِ الحَشرِ نَلقاكُم وَتَلقونا**
سِرّانِ في خاطِرِ الظَلماءِ يَكتُمُنا
حَتّى يَكادَ لِسانُ الصُبحِ يُفشينا**

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى