أخبارالسياسة والمقالات

الأمن القومي: قراءة بين المفهوم والانماط

بقلم /أشرف فوزى

يشير مفهوم الأمن في أحد تعريفاته إلى

“القدرة التي تتمكن بها الدولة من تأمين

انطلاق مصادر قوتها الداخلية والخارجية،

والاقتصادية والعسكرية، في شتى المجالات

في مواجهة المصادر التي تتهددها في الداخل

والخارج، في السلم والحرب، مع استمرار

الانطلاق المؤمن لتلك القوى في الحاضر

والمستقبل تحقيقا للأهداف المخططة.

ويمكن تناول المفهوم ومستوياته وأبعاده على النحو التالي:
المستوي الأول: مفهوم الأمن ومستوياته:

للأمن أربع مستويات: أمن الفرد ضد أي أخطار

تهديد حياته أو ممتلكاته أو أسرته، والأمن

الوطني، ضد أي أخطار خارجية أو داخلية

للدولة وهو ما يعبر عنه “بالأمن القومي”،

والأمن الإقليمي، باتفاق عدة دول في إطار

إقليم واحد على التخطيط لمواجهة

التهديدات التي تواجهها، والأمن الدولي أو

العالمي، وتتولاه المنظمات الدولية مثل الأمم

المتحدة أو مجلس الأمن للحفاظ على الأمن

والسلم الدوليين.

وقد مر مفهوم الأمن القومي بمرحلتين

مهمتين نتيجة التطورات العالمية: في المرحلة

الأولي كان ينظر اليه بالنظرة الاستراتيجية

الضيقة وهي صد هجوم عسكري معادٍ وحماية

الحدود من الغزوات الخارجية والمحافظة

على الاستقلال الوطني، وفي المرحلة الثانية

صار على الدولة أن تؤمن مواطنيها سياسيا

واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ضد أخطار متعددة فرضتها طبيعة الانفتاح الواسع على

العصر الحديث.

وفي ظل انتهاء عصر العزلة، وذيوع فكر العولمة تراجعت سيادة الدولة وتناقصت استقلالية القرار الوطني لصالح قوي إقليمية أو دولية، فهناك قرارات أصبحت تصدر بالمشاركة بين السلطة الوطنية وغيرها من السلطات الخارجية مثل المنظمات الدولية، ولم تعد القرارات الاقتصادية حكرًا للمسئولين في الدولة وإنما أصبحت مشاعا، بالإضافة إلى تأثرها بالمؤسسات الخارجية كالبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية وغيرهما، مما يعد انتقاصا من السيادة ومن الأمن القومي.
وهكذا أصبحت مساحة التدخل الأجنبي في كثير من شئون الدولة ـ في ظل العولمة ـ أكبر من أي عصر مضي، واتخذت صورا متغيرة، كما سمحت بأدوار متعددة لبعض التيارات الاجتماعية والأفكار الجديدة ومنظمات المجتمع المدني المختلفة، كما أن ظاهرة العنف والإرهاب التي برزت خلال العقدين الأخيرين أدت إلى تغيير مفاهيم الأمن القومي للدول، فأصبح الأمن بالنسبة للولايات المتحدة مثلا يمتد إلى كل بقعة في العالم.
المستوي الثاني: أبعاد الأمن القومي:
تم استخدام اصطلاح الأمن القومي للتعبير عن مجموعة سياسات تتخذ لضمان سلامة إقليم الدولة والدفاع عن مكتسباتها في مواجهة الأعداء، سواء في الداخل أو الخارج، واتسع مفهوم الأمن في العقود الأخيرة ليشمل قضايا ليست بالضرورة ذات طابع عسكري أو أمني، ليشمل مجموعة من الاجراءات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بعد أن ثبت أن هناك مهددات للأمن القومي بخلاف العدوان والمهددات الخارجية. مثل صراع الفروق الطبقية وسوء توزيع الدخل وغياب العدالة الاجتماعية، ومن هنا. فإن شمولية الأمن تعني أن له أبعادا متعددة لها خصائصها التي تثبت ترابطها وتكاملها، وهي:
أولا: البعد السياسي.
ويتمثل في الحفاظ على الكيان السياسي للدولة وهو ذو شقين داخلي وخارجي. يتعلق البعد الداخلي بتماسك الجبهة الداخلية وبالسلام الاجتماعي والوحدة الوطنية. أما البعد الخارجي فيتصل بتقدير أطماع الدول العظمى والكبرى والقوى الاقليمية في أراضي الدولة ومواردها، ومدى تطابق أو تعارض مصالحها مع الدولة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وتحكمه مجموعة من المبادئ الاستراتيجية التي تحدد أولويات المصالح الأمنية وأسبقياتها.
ثانيًا: البعد الاقتصادي.
ويرمي إلى توفير المناخ المناسب للوفاء باحتياجات الشعب وتوفير سبل التقدم والرفاهية له. فمجال الأمن القومي هو الاستراتيجية العليا الوطنية التي تهتم بتنمية واستخدام كافة موارد الدولة لتحقيق أهدافها السياسية، كذلك فالنمو الاقتصادي والتقدم التكنولوجي هما الوسيلتان الرئيسيتان والحاسمتان لتحقيق المصالح الأمنية للدولة وبناء قوة الردع الاستراتيجية وتنمية التبادل التجاري وتصدير العمالة والنقل الأفقي للتكنولوجيا وتوطينها وبخاصة التكنولوجيا العالية والحيوية.
ثالثًا: البعد الاجتماعي.
ويرمي إلى توفير الأمن للمواطنين بالقدر الذي يزيد من تنمية الشعور بالانتماء والولاء.. فبغير إقامة عدالة اجتماعية من خلال الحرص على تقريب الفوارق بين الطبقات وتطوير الخدمات يتعرض الأمن القومي للخطر. ويرتبط هذا البعد كذلك بتعزيز الوحدة الوطنية كمطلب رئيسي لسلامة الكتلة الحيوية للدولة ودعم الإرادة القومية وإجماع شعبها على مصالح وأهداف الأمن القومي والتفافه حول قيادته السياسية، ويؤدي الظلم الاجتماعي لطبقات معينة أو تزايد نسبة المواطنين تحت خط الفقر إلى تهديد داخلي حقيقي للأمن القومي تصعب السيطرة عليه، وبخاصة في ظل تفاقم مشاكل البطالة والإسكان والصحة والتعليم والتأمينات الاجتماعية.
رابعا: البعد العسكري.
تتحقق مطالب الدفاع والأمن والهيبة الإقليمية من خلال بناء قوة عسكرية قادرة على تلبية احتياجات التوازن الاستراتيجي العسكري والردع الدفاعي على المستوى الإقليمي لحماية الدولة من العدوان الخارجي، عبر الاحتفاظ بهذه القوة في حالة استعداد قتالي دائم وكفاءة قتالية عالية للدفاع عن حدود الدولة وعمقها.
والقوة العسكرية هي الأداة الرئيسية في تأييد السياسة الخارجية للدولة وصياغة دورها القيادي وبخاصة على المستوى الإقليمي، ويمتد البعد العسكري إلى إعداد الدولة والشعب للدفاع ودعم المجهود الحربي في زمن الصراع المسلح ولتحقيق مطالب الردع في فترات السلم.
خامسا: البعد الثقافي.
ويقوم على حماية الفكر والمعتقدات ويحافظ على العادات والتقاليد والقيم. وهو الذي يعزز ويؤمّن انطلاق مصادر القوة الوطنية في كافة الميادين في مواجهة التهديدات الخارجية والتحديات الداخلية، ويوسع قاعدة الشعور بالحرية والكرامة وبأمن الوطن والمواطن، وبالقدرة على تحقيق درجة رفاهية مناسبة للمواطنين وتحسين أوضاعهم المالية بصورة مستمرة.
إن الدور الثقافي بالغ الأهمية في تحصين الوطن من الأطروحات الثقافية للعولمة وصراع الحضارات، إذا أخذناه بالمفهوم الشامل متضمنا الفكر والثقافة والتعليم والإعلام والفنون والأدب. فالأمن القومي يعني “تمكين الشعب من ممارسة منظومة القيم الخاصة به على أرضه المستقلة”
وأمام التعدد في الأبعاد، يمكن القول أن الهدف الرئيسي للأمن القومي هو التركيز على قيمة الانسان، فالقاعدة الشعبية العريضة هي ركيزة الأمن. ورغم أن القوة العسكرية مهمة ومطلوبة لكن هناك أيضا القوة الاقتصادية ونصيب الفرد من الدخل القومي، ودرجة نمو المجتمع، والمنظومة السياسية والاجتماعية السائدة التي تتيح لكل قوى الشعب التعبير عن نفسها، ومستوى التنمية، والمعادلة بين مستوى المعيشة ونفقات الدفاع، وتحديد المصالح الحيوية في الداخل والخارج، وأيضا تحديد الدوائر الحيوية وأولويتها

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى