أدب وثقافه

البركة هذا الجندي الخفي الذي نفتقده

بقلم د/ محمد بركات

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين وبعد:
ومن ﺃﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﺒﺮﻛﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻴﻮﺕ والتي نبحث عنها:
اعلم أن ﺍﻟﺒﺮﻛﺔ هي ﻛﻠﻤﺔ ﻧﺴﻤﻌﻬﺎ ﺩﻭﻣﺎ ﻭ ﻟﻜﻦ ﻟﻸﺳﻒ ﺍﻓﺘﻘﺪﻧﺎﻫﺎ ﻓﻲ ﺑﻴﻮﺗﻨﺎ ، ﻓﻼ ﺑﺮﻛﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻭ ﻻ ﺍﻟﺮﺯﻕ .. ﺍﻟﻴﻚ ﻣﻔﺎﺗﻴﺢ ﺍﻟﺒﺮﻛﺔﺍﻟﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ، ﻭ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﺍﻥ ﻭﺍﻟﺴﻨﺔ ..
🔑 ومن أهم ﻣﻔﺎﺗﻴﺢ ﺍﻟﺒﺮﻛﺔ المطلوبة :
أولا: ﺗﻼﻭﺓ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ : ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ( ﻭﻫﺬﺍ ﻛﺘﺎﺏ ﺃﻧﺰﻟﻨﺎﻩ ﻣﺒﺎﺭﻙ ) ﻓﺎﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺟﻌﻠﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﺮﻛﺔ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺗﺪﺑﺮﻩ ﻭ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﻋﻠﻲ ﺗﻌﺎﻟﻴﻤﻪ ﻓﻲ ﺷﺆﻭﻥ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ
ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻗﺎﻝ ﻧﺒﻴﻨﺎ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺻﺤﺒﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻋﻦ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻠﻰ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ( ﺗﺴﻜﻨﻪ ﺍﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﺗﻬﺠﺮﻩ ﺍﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﻭﻳﺘﺴﻊ ﺑﺄﻫﻠﻪ ﻭﻳﻜﺜﺮ ﺧﻴﺮﻩ ) .
ثانياً: ﺍﻟﺒﺴﻤﻠﺔ ﻭﺫﻛﺮ ﺍﻟﻠﻪ وهي محصلة البركة كلها:
ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ( ﺇﺫﺍ ﺩﺧﻞ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺑﻴﺘﻪ ﻓﺬﻛﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻨﺪ ﺩﺧﻮﻟﻪ ﻭﻋﻨﺪ ﻃﻌﺎﻣﻪ، ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻷﺻﺤﺎﺑﻪ ﻻ ﻣﺒﻴﺖ ﻭﻻ ﻋﺸﺎﺀ
ثالثاً: ﺍﻟﺼﺪﻗﺔ : ﻣﻦ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﺒﺮﻛﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﺍﻟﺘﺼﺪﻕ .. ﺧﺎﺻﺔ ﺻﺪﻗﺔ ﺍﻟﺴﺮ ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﻄﻔﺊ ﻏﻀﺐ ﺍﻟﺮﺏ .
رابعاً: ﺻﻠﺔ ﺍﻟﺮﺣﻢ : ﻭﻗﺪ ﺃﺧﺒﺮﻧﺎ ﻧﺒﻴﻨﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ ﺃﻥ ﺻﻠﺔ ﺍﻟﺮﺣﻢ ﻭﺣﺴﻦ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﻭﺣﺴﻦ ﺍﻟﺠﻮﺍﺭ ﺗﺰﻳﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺯﻕ ﻭﺗﻄﻴﻞ ﺍﻟﻌﻤﺮ .
خامساً: ﺍﻟﺘﺒﻜﻴﺮ ﻓﻲ ﻃﻠﺐ ﺍﻟﺮﺯﻕ :
ﺟﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ ( ﺑﻮﺭﻙ ﻷﻣﺘﻲ ﻓﻲ ﺑﻜﻮﺭﻫﺎ ) ﺃﻱ ﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﻟﻄﻠﺐ ﺍﻟﺮﺯﻕ ﺑﺎﻛﺮﺍ .
سادساً: ﺇﻗﺎﻣﺔ ﺍﻟﺼﻼﺓ : ﺍﻗﺎﻣﻪ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻟﻮﻗﺘﻬﺎ
ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ « ﻭﺃﻣﺮ ﺃﻫﻠﻚ ﺑﺎﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﺻﻄﺒﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻻ ﻧﺴﺄﻟﻚ ﺭﺯﻗﺎ ﻧﺤﻦ ﻧﺮﺯﻗﻚ ﻭﺍﻟﻌﺎﻗﺒﺔ ﻟﻠﺘﻘﻮﻯ »
سابعاً: ﺍﻟﺘﻮﻛﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺣﻖ ﺗﻮﻛﻠﻪ وهو الخير كله
: ﻟﻤﺎ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ « ﻟﻮ ﺗﻮﻛﻠﺘﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺣﻖ ﺗﻮﻛﻠﻪ ﻟﺮﺯﻗﻜﻢ ﻛﻤﺎ ﻳﺮﺯﻕ ﺍﻟﻄﻴﺮ ، ﺗﻐﺪﻭ ﺧﻤﺎﺻﺎ ﻭﺗﺮﻭﺡ ﺑﻄﺎﻧﺎ »
ثامناً: ﻣﻮﺍﺻﻠﺔ ﺍﻻﺳﺘﻐﻔﺎﺭ والقرب من الله : ﻭﺍﻻﺳﺘﻐﻔﺎﺭ ﺑﺤﺪ ﺫﺍﺗﻪ ﻣﺼﺪﺭ ﻟﻠﺮﺯﻕ
ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﻧﺒﻴﻨﺎ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ « ﻣﻦ ﻟﺰﻡ ﺍﻻﺳﺘﻐﻔﺎﺭ ﺟﻌﻞ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻪ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺿﻴﻖ ﻣﺨﺮﺟﺎ ﻭﻣﻦ ﻛﻞ ﻫﻢ ﻓﺮﺟﺎ ﻭﺭﺯﻗﻪ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻻ ﻳﺤﺘﺴﺐ »
اللهم إنا نسألك نهارا مُستبشراً و همّا راحلاً ويوماً رائعاً وقلباً مُطمئناً ورزقاً كثيراً وتيسيراً لأمورنا ،
اللهم اجعلنا ممن تفائل بخيرك فأكرمته وتوكل عليك فكفيته ولجأ إليك فأعطيته واستغاث بك فأغثته
اللهم أفتح لنا أبواب البركة والرزق والتيسير والفلاح والنجاح وأحفظنا من كل شر ومن كل سوء ومن كل بلاءء ولاتحوجنا الا اليك واشفي كل من يحتاج اليك.وسترنا بسترك الجميل وازل همومنا يارب العالمين
وقد كان أحد الصالحين يدعو:
“اللهم بارك لي في رزقي “
فسأله أحدهم لما لم تقل اللهم أرزقني ؟
قال : إن الله ضمن الرزق لكل حيّ من خلقه ،
ولكني أسأله البركة في الرزق فهي جند خفي من جنود الله، يرسلها لمن يشاء ، فإذا حلت في المال أكثرته، وفي الولد أصلحته، وفي الجسم قوته، وفي القلب أسعدته.
“فاللهم ارزقنا البركة في كل ما وهبتنا”.
وبعد الوضوء لمن يفتقدون البركة في البيوت يجلب البركة:
فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : أتيت رسول الله ﷺ بوضوء فتوضأ فسمعته يقول : ( اللهم اغفر لي ذنبي ووسع لي في داري وبارك لي في رزقي ) فقلت يا نبي الله ، سمعتك تدعو بكذا وكذا ، قال : ( وهل تركن من شيء )
( رواه النسائي في السنن الكبرى . وحسنه الألباني في صحيح الجامع ١٣٦ )
يقول الشيخ محمد ناصر الدين الالباني رحمه الله ” فقدنا البركة في بيوتنا بسبب عدم عملنا بسنة نبينا ﷺ في قول : ( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذنبي ووسع لي في داري وبارك لي في رزقي ) بعد الوضوء .
ومن أسباب البركة
لقد أشارت نصوص القرآن والسنة إلى أسبابٍ تُلتَمَسُ بها البَرَكَةُ من الله عز وجل، وفيما يلي بيان لبعض هذه الأسباب:
1- تقْوَى الله عز وجل والتوكُّل عليه: يقول الله عز وجل: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [سورة الطلاق، الآية:2-3]
، فليس هناك أعظمُ بركة من أن يأتيَ للإنسان رزقُه من حيث لا يحتسب ولا يتوقَّع، وأن يكون الله عز وجل هو حَسْبه وكافيه في تحقيق ما يؤمِّل ودفْعِ ما يحاذر، وأن يجعل الله تعالى له من كل همٍّ فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً؛ إنها أسباب البركة الواسعة، والعافية السابغة، والخير الكثير المتنوع المتعدد، تجتمع وتتكاثر حول من يتَّقي اللهَ ويتوكَّل عليه، ويمتلئ قلبُه بخشيته وتفويض الأمر إليه.
2- الاستغفار والعودة إلي الله مع ترك الإصرار: إن ذنوبَ الإنسان ومعاصيَه لتَحجُب عنه البركاتِ التي أودعها الله عز وجل في هذه الأرض، والتي بثَّها في وحيه المعصوم، وشريعتِه المحكَمة؛ فإذا به يسعى ولا بركة في سعيه، ويجمع ولا بقاء ولا قرار لما يجمعه، فإذا ما ثاب إلى رشده، وآبَ إلى ربِّه، ولهج لسانُه بالاستغفار؛ فإن هذا الاستغفارَ الحارَّ يمزِّق الحُجُبَ، ويحرق الأستار، التي كانت تَحول بين العبد وما ساق اللهُ له من البركات، فإذا بالخير يتدفَّق من كل جانب، وينحدر من كل صَوْب، على هذا النحو الذي صوَّره القرآن، قال تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّهُ كَانَ غَفَّاراً . يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَاراً . وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً} [سورة نوح، الآيات:10-12]
، وقال جلَّ شأنه: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} [هود:3].
3- الدُّعاء بالبركة: فمما لا شكَّ فيه أن الدعاء هو أقربُ الأسباب لنيل ما عند المولى عز وجل من الخير، فمن دعا الله تعالى بالبَرَكَة فاستجاب الله دعاءه؛ فإنه يحصِّلُ البَرَكَةَ من أخْصَرِ طرقها؛ لذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعطيها من يحب، فعن أنس قال: “مَاتَ ابْنٌ لِأَبِي طَلْحَةَ، مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ، فَقَالَتْ لِأَهْلِهَا: لَا تُحَدِّثُوا أَبَا طَلْحَةَ بِابْنِهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا أُحَدِّثُهُ. قَالَ: فَجَاءَ فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ عَشَاءً، فَأَكَلَ وَشَرِبَ، فَقَالَ: ثُمَّ تَصَنَّعَتْ لَهُ أَحْسَنَ مَا كَانَتْ تَصَنَّعُ قَبْلَ ذَلِكَ، فَوَقَعَ بِهَا. فَلَمَّا رَأَتْ أَنَّهُ قَدْ شَبِعَ وَأَصَابَ مِنْهَا، قَالَتْ: يَا أَبَا طَلْحَةَ أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ قَوْماً أَعَارُوا عَارِيَتَهُمْ أَهْلَ بَيْتٍ، فَطَلَبُوا عَارِيَتَهُمْ، أَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُمْ؟ قَالَ: لَا، قَالَتْ: فَاحْتَسِبِ بما كان ابْنَكَ. فغضِب أبو طلحة وانطلق حتى أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بَارَكَ اللهُ لَكُمَا فِي غَابِرِ لَيْلَتِكُمَا». قال: فحَمَلَتْ وأنجبت بعد ذلك عشرةَ أولادٍ كلهم يقرؤون القرآن (صحيح مسلم [2144]).
4- سلوك السبيل السَّويِّ في الكسب والاسترباح وطلب الرزق الحلال والتعفُّف عن الحرام وعن الشُّبُهات: فإذا كان المسلم ينشُد البَرَكَةَ في رزقه وفي صحته وفي ولده؛ فعليه بتحرِّي الحلال في التكسب، وبالترفُّع عن كل ما لا يحِلُّ له من المال والمتاع، وعليه بالصدق والأمانة والعِفَّة والصيانة، وألا ينغمس في الرِّبا أو الغشِّ أو ما شابه ذلك من المحرمات التي فيها أكلٌ لأموال الناس بالباطل، فإنه إن سار على منهج الله فإن البَرَكَة ستحِلُّ في كسبه ورزقه وحياته كلها. وهذه نماذجُ متفرقة من النصوص النبوية تقرِّر وتؤكد هذه الحقيقة: عن حَكيمِ بنِ حِزامٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، -أَوْ قَالَ: حَتَّى يَتَفَرَّقَا- فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا» (متفق عليه: رواه البخاري [2079]، ومسلم [1532]).
وعن ثوبان رضي الله عنه قال: “جاء حَكِيم بن حِزام فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه، ثم سأله فأعطاه، ثم سأله فأعطاه، فقال: «يَا حَكِيمُ، إِنَّ هَذَا المَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ، اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى». قَالَ حَكِيمٌ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ لاَ أَرْزَأُ أَحَداً بَعْدَكَ شَيْئاً حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه يَدْعُو حَكِيماً إِلَى العَطَاءِ، فَيَأْبَى أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُ، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ رضي الله عنه دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئاً، فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي أُشْهِدُكُمْ يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ عَلَى حَكِيمٍ أَنِّي أَعْرِضُ عَلَيْهِ حَقَّهُ مِنْ هَذَا الفَيْءِ فَيَأْبَى أَنْ يَأْخُذَهُ، فَلَمْ يَرْزَأْ حَكِيمٌ أَحَداً مِنَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى تُوُفِّيَ”
(متفق عليه، رواه البخاري [1396]، ومسلم [2434]).
وقال الله تبارك وتعالى عن الربا ومَحْقِه للبركة: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ}
[البقرة من الآية:276].
5- البر والصلة وحُسن المعاملة مع الخَلق: عن أنسٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ»
(متفق عليه: رواه البخاري [2067]، ومسلم [2557])،
والمقصود بقوله يُنسأ له في أثَرِه: أن تحصُلَ له البَرَكَةُ في عُمره، وأن يوفَّق للطاعات، ولعِمارة أوقاته بما ينفعه في الآخرة (انظر: فتح الباري [10/429]).
وعن عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «صِلَةُ الرَّحِمِ وَحُسْنُ الخُلُقِ وَحُسْنُ الْجِوَارِ، يَعْمُرَانِ الدِّيَارَ، وَيَزِيدَانِ فِي الْأَعْمَارِ» (رواه أحمد [25259]،
وقال الأرنؤوط: إسناده صحيح، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع [3767]).
6- حُسْن تنظيم الوقت والمبادرة إلى اغتنامه: فالوقتُ هو رأس مال المسلم، ومسؤولياتُه في هذه الحياة تضيق بها الأوقات، وتفنى فيها الأعمار؛ لذلك كانت المبادرةُ إلى اغتنام الوقت وحُسن تنظيمه واجباً من الواجبات الكبار؛ لأن واجباتِ المسلم لا تتمُّ إلا بهذا، وما لا يتم الواجبُ إلا به فهو واجبٌ، وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لأُمّتَه بالبَرَكَة في بكورها؛ لأن البكور مبادرةٌ إلى اغتنام الوقت، وتبكيرٌ إلى حسن استغلاله وتنظيمه؛
فعن صَخْر بن وَدَاعَة الغامِدِيِّ رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا»، وَكَانَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشاً بَعَثَهُمْ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، وَكَانَ صَخْرٌ رَجُلاً تَاجِراً، وَكَانَ يَبْعَثُ تِجَارَتَهُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ فَأَثْرَى وَكَثُرَ مَالُهُ (أخرجه أبو داود [2606]، والترمذي [1212] وقال: حديث حسن، وابن ماجة [2236]،
وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب [1693]: صحيح لغيره).
7- الجود والكرم والتكافل: يقول الله تعالى: {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِين} [سورة سبأ، الآية:39]، ويقول: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِـمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [سورة البقرة، الآية:261]،
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كُلُوا جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا؛ فَإِنَّ طَعَامَ الْوَاحِدِ يَكْفِي الِاثْنَيْنِ، وَطَعَامَ الِاثْنَيْنِ يَكْفِي الثلاثة والْأَرْبَعَةَ، كُلُوا جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا؛ فإن البَرَكَة في الجماعة» (رواه ابن ماجة [3287]، وحسَّنه الألباني في السلسلة الصحيحة [2691]، وصحيح الجامع [4501])،
وقال صلى الله عليه وسلم: «فَاجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ» (أخرجه أحمد [16078]، وأبو داود [3764]، وابن ماجة [3286]، وقال الأرنؤوط: حسن بشواهده).
8- الجهاد في سبيل الله: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ: الْأَجْرُ وَالمَغْنَمُ» (متفق عليه: رواه البخاري [2852]، ومسلم [1873])،
فالجهاد خيرٌ وبركة على هذه الأمَّة إلى يوم القيامة، فيه الأجر الكبير والثواب الجزيل، وفيه الرِّزق الواسع الشريف الذي هو أشرفُ الأرزاق، والذي هو رزق أشرفِ الخلق محمَّد صلى الله عليه وسلم: «وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي» (أخرجه أحمد [5114]، وأورده البخاري تعليقاً في باب الجهاد من صحيحه [4/40]، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع [2831] والإرواء [1269])،
وفيه -إلى جانب ذلك- قيامُ الدين، وتحقيقُ مصالح العباد في الدارَيْن. إن البَرَكَةَ نعمةٌ من نِعَم الوهاب، ونَفْحَةٌ من الواسع العليم، والكيِّس الفطِنُ هو الذي يلتمسها من المولى الكريم، ويدخل بالتماسه على ربه من الأبواب التي رضِيها وشرَعها، والتي ذكرْنا بعضها كأسبابٍ لتحصيل البركة، وإن المسلم -وبخاصة في هذه الأزمان- لفي مسيس الحاجة إلى نيل البركات؛ ليصلَ إلى ما يريد من خيرَي الدنيا والآخرة من أقصر الطُّرق وأخصرِها.
البركة في البكور
قال ﷺ : «بورك لأمتي في بكورها»
قال بعض السلف :-
“يومك مثل جملك إن أمسكت أوله تبعك آخره”
– أي إذا حفظتَ أول اليوم فإنَّ بقية اليوم يحفظ لك
يقول بعض العلماء كلامًا لطيفًا في هذا الباب :
“أول اليوم شبابه وآخر اليوم شيخوخته ومن شبَّ على شيءٍ شابَ عليه”
فإذا شبَّ الإنسان في أول اليوم على الذِّكر بقي اليوم محفوظًا ،
(بركـة البكـور
لفضيلة الشيخ عبد الرزاق البدر -حفظه الله –
[من شرح الأدب المفرد / ش88])
ذكر ابن القيم – رحمه الله
عنهم أنهم إذا كانوا
في سفر في الليل ،
وأخذ بهم التعب مأخذًا شديدًا وصلَّوا الفجر لا ينامون ،
مع شدة التعب لا ينامون حتى تطلع الشمس ،
رغبةً في عدم تفويت بركة هذا الوقت على أنفسهم ،
فيبقون ذاكرين لله عز وجل ، مستغفرين ، حامدين شاكرين ،
إلى أن تطلع الشمس ،
ثم ينامون لما هُم عليه من تعب ونصب بسبب السفر والجهد الذي هم عليه.
اللهم بارك لنا في أعمالنا وأعمارنا وكل زاد عندنا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى