أدب وثقافه

القلوب وفيزياء الكم/ عزام حدبا

مبدأ التراكب في فيزياء الكم مبدأ محير للعقل فهو ينص على امكانية وجود جسيم كمومي في عدة حالات في نفس الوقت ولا تستطيع معرفة حالته ما لم نرصده. تخيل انك تركض في البرية وانت تظن ان هناك فهدا او اسدا يطاردك.. كيف ستعرف ما الذي يطاردك؟ ستنظر للخلف نظرة المرعوب وتعرف.. المثير في الموضوع إنه حسب مبدأ التراكب.. لو لم تنظر الى الخلف فالحيوان الذي يطاردك هو أسد وفهد في الوقت نفسه.
ما أشبه قلوب الآخرين بفيزياء الكم.. ففي معظم الأحيان نحن لا نستطيع أن نعرف ما فيها أبدا.. كأنها تملك حالتها الكامنة الخاصة بها.. وبما اننا لا نعرف الحالة الكامنة فسنسأل.. والسؤال هنا سيكون له نفس دور الرصد في التجربة السابقة.. سيعطيك جوابا حاسما ولكن هل هذا الجواب يتطابق بالضرورة مع الحالة الكامنة؟؟ ليس دائما.. قد يكون هذا الشخص يحبك لكنه يكابر ويرفض الاعتراف لأنه لا يرى أفقا لعلاقتكما.. أو على العكس من ذلك قد لا يشعر نحوك بأي عاطفة ولكنه يراعي مشاعرك ويشفق عليك أو هو مجبر على حسن معاملتك.. من الصعب برأيي ان نعرف حقيقة ما في قلوب الآخرين نحونا.. ومن الأصعب معرفة تغير حالتها.. فحتى لو أحبك هذا القلب يوما فأنت لن تعرف إن تحول مع الوقت، بالتأكيد لن يخبرك بالتحول لأنه سيراعي مشاعرك..
قد يظن البعض ان المعاملة والمواقف دليل على الحب.. ليس دائما.. قد يسيء اليك من يحبك بجنون وقد يحسن معاملتك من لا يشعر نحوك بشيء.. القضية قضية أخلاق كما يؤكد كانط وليست قضية مشاعر.. قد تقول معي .. وماذا يهمنا اذن من المشاعر؟؟ المعاملة الجيدة والاحترام أهم.. لن أستطيع أن اخالفك..
في مطلق الاحوال.. لا سبيل لحل هذا اللغز المحير.. نحن نعجز أحيانا عن معرفة مشاعرنا ودواخل قلوبنا.. فكيف لنا والحال كهذا أن نعرف ما في قلوب الآخرين نحونا؟؟؟ لذلك ليس لنا إلا ان نحكم على ظاهر هذا الانسان.. على تصريحه (شريطة ألا يكون مخادعا طبعا) إن صرح انه يحبك فهو يحبك وان صرح بالعكس فصدقه كذلك.. أي نعم لا يوجد دليل على التطابق بين التصريح وبين حال القلوب.. لكن الأسهل لنا أن نحسم الامور بدلا من أن نسهر ليالينا نفكر في هذا السؤال دون أن نجد اي جواب شاف..
هل هذا هو الدواء الناجع؟؟ ليس دائما.. ففي بعض الاحيان لا تستطيع حتى أن تسأل حتى تحسم.. وهنا نعود الى جمالية فيزياء الكم.. لا سبيل لك الان ان تعتبر أن هذا الشخص يحبك ولا يحبك في الوقت نفسه.. تماما كقطة شرودنغر: حية وميتة في نفس الوقت..

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى