القسم الديني

سفينة النجاة للمؤمن الدعاء

بقلم د/ محمد بركات

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
فإن من العبادات المرجوة المقبولة غير المؤاخذ بها ولا المردودة عبادة الدعاء والابتهال لله تعالي .
فكم من أمور لا تكشف ولا تصرف ولا تجاب ولا يقدر لها القبول ولا الرجاء إلا بالدعاء وبالدعاء فقط.
يقول الله تعالي:
{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }
[سورة البقرة، الآية: 186]
فمن يتأمل هذه الآية (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي) فقد أضافهم الله إليه، وهذا يقتضي التشريف، فهؤلاء أهل العبودية الخاصة، وهم أهل الإيمان، وأهل الاستجابة والطاعة، فأضافهم إليه، فهذه الإضافة تقتضي تشريفًا وخصيصة لأهل الإيمان نعم فعبودية أهل الإيمان الذين سلكوا طريق الإيمان والطاعة والعبادة.
ولاحظ هذا التعبير القرآني الرفيع ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ )[سورة البقرة، الآية:186]
فإني قريب، فكان هذا هو الجواب، فالله -تبارك وتعالى- قريب يسمع دعوتك، ولو كنت تُناجيه بحيث لا يسمعك من بجوارك، وهو قريب -تبارك وتعالى- قُربًا خاصًا من الداعين، فقُربه -تبارك وتعالى- من البعد منه ما هو قُرب عام، ومنه ما هو قُرب خاص، فالله -تبارك وتعالى- ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة، حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له.
ويقول تعالي:
{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (سورة غافر، الآية: 60)
جاء في تفسير الإمام الطبري رحمه الله:
يقول تعالى ذكره: ويقول ربكم أيها الناس لكم ادعوني: يقول: اعبدوني وأخلصوا لي العبادة دون من تعبدون من دوني من الأوثان والأصنام وغير ذلك ( أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) يقول: أُجِبْ دعاءكم فأعفو عنكم وأرحمكم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
و عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله: ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) يقول: وحَّدوني أغفر لكم.
و عن النعمان بن بشير, قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ” الدُّعاءُ هُوَ العِبادَةُ” وقرأ رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي ) .
* قال مطرف بن عبدالله: تذاكرت جماع الخير؟فإذا الخير كثير: الصيام ، والصلاة ، وإذا هو في يد الله تعالى ، وإذا أنت لا تقدر على ما في يد الله إلا أن تسأله فيعطيك؛ فإذا جماع الخير : (الدعــــــــــــــاء)
وقوله تعالى: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} فالآية تدل على الوجوب للأمر في الآية ولأن ترك العبد دعاء ربه من الاستكبار وهو كفر .
، وقال تعالى :{واسألوا الله من فضله}
، وقال تعالى: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين }
، وقال تعالى: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى }
قال بعض السلف رضوان الله عليهم:
[ من أراد أن يعرف معرفته بالله، فلينظر إلى ما وعده الله ووعده الناس بأيهما قلبه أوثق ]
، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء وحث عليه : فمن الأحاديث :
[ادع إلى ربك الذي إن مسك ضر فدعوته كشف عنك والذي إن ضللت بأرض قفر فدعوته رد عليك والذي إن أصابتك سنة فدعوته أنبت لك ]
(رواه أحمد وغيره ).
وحديث أنس رضي الله عنه : [إن الله حيي كريم يستحيي أن يبسط العبد يديه إليه فيردهما صفرًا ]
، وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرًا].
(رواه أبو داود)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه:
[إن لله تعالى عتقاء في كل يوم وليلة لكل عبد منهم دعوة مستجابة ]
(رواه أحمد) .
وعن أبي أمامة رضي الله عنه [ما أنعم الله على عبد نعمة فحمد الله عليها إلا كان ذلك الحمد أفضل من تلك النعمة … [رواه الطبراني وحسنه الألباني.
قال وهب بن منبه رضي الله عنه لرجل كان يأتي الملوك : تأتي من يغلق عنك بابه ويظهر لك فقره ويواري عنك غناه وتدع من يفتح لك بابه نصف الليل ونصف النهار ويظهر لك غناه ويقول ادعني استجب لك
وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
[لا يُغني حذر من قدر ، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم يَنْزِل ، وإن البلاء ليَنْزِل فيتلقاه الدعاء ، فَيَعْتَلِجَان إلى يوم القيامة]
(رواه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه . وحسنه الألباني في صحيح الجامع)
وهذا قول خالد الربعي رحمه الله يقول :
عجبت لهذه الأمة !
أمرهم بالدعاء ووعد بالإجابة وليس بينهما شرط !
فسئل عن هذا؟
فقال: مثل قوله:{وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات} فها هنا شرط[أي البشارة مشروطة بالإيمان والعمل الصالح]، وقوله{فادعوا الله مخلصين له الدين} فها هنا شرط ، أما قوله:{ادعوني أستجب لكم} فليس فيه شرط.
(تفسير القرطبي رحمه الله).
وروت أم الدرداء-رضي الله عنها-قالت:كان لأبي الدرداء ستون وثلاثمائة خليل في الله يدعوا لهم في الصلاة، فقلت له في ذلك، فقال: إنه ليس رجل يدعو لأخيه في الغيب إلا وكل الله به ملكين يقولان: ولك بمثل. أفلا أرغب أن تدعوا لي الملائكة].

اللهم إنا نسألك التوفيق والسداد واليسر والبشر والصلاح والتقوي والعافية، ونسألك الفردوس الأعلي من الجنة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى