أدب وثقافه

شقائق الــرجال”بين تاليس وابن حزم

بقلــــم الأديب المصــــرى

د.طــارق رضـــوان جمعـــه

أصابَكَ عشقٌ أم رُميتَ بأسهمِ

فما هذهِ إلا سـجيّـةُ مُغـــرَمِ

أصابك سهـم أم رُميتَ بنـظـرةٍ

فمـا هـذه إلا خطيئةُ مـن رُمـي

ألا فاسقِني كاسـاتِ راحٍ وغنِّ لـي

بذِكـرِ سُــليـمــةَ والكمانِ ونغِّـني

تعد هذه القصيدة من روائع الشعر العربي وهي للشاعر اليزيد ابن معاوية. كما ذكر ابن حزم “الحُبُّ-أعزّك الله- أوله هزل، وآخره جِد. دقّت معانيه لجلالتها عن أن توصف، فلا تُدرك حقيقتها إلا بالمعاناة!”.

هذا المقال موجه لأي شخص سبق له البحث عن شريكه الرومانسي السابق على جوجل أو على فيسبوك. بمجرد أن يعترف المرء بذلك، فإن المقال سيأخذه إلى آفاق شيقة لفهم الكيفية التي يعمل بها العقل، وأهمية الحب، وأيضًا دور الحب كنقطة ضعف أمام بعض الحالات النفسية. في إطار المفهوم البشري الواسع للحب، وما إذا كان حسّياً أو روحياً، ملموساً أو متخيلاً، يظل الإتفاق على أنه شعور إنساني.

ما الفرق بين العشق والهوس والحب؟

يصنف الهوس على أنه اضطراب عقلي (ذهني) يتميز بالنشاط الزائد والمرح والغرابة ، ويكون الفرد مليئا ً بالحيوية ، لايكاد ينتهي من شيء أو عمل حتى يبدأ في الأخر ، وقد يبدأ في عمل قبل أن ينتهي من الأول وقد يصل نشاطه إلى درجة العدوان والتحطيم ، وتميز أفكاره بأنها غير منتظمة فهو ينتقل من فكرة إلى فكرة بسرعة دون داع وتتميز لغته بالإغراق من التفاصيل التي ليس لها أهمية وقد تظهر بعض الأعراض الثانوية مثل القلق والشك واضطراب الوعي وقد تظهر في الحالات الشديدة الضلالات والهلاوس. الهوس ليس شيئا إيجابيا أبدا، حتى إذا كنا مهووسين بمساعدة العالم أو نشر الحب، على الرغم من كون ذلك أمر إيجابي في جوهره.

 وعندما ينتهي بنا الحال إلى الإفراط في التفكير في شيء ما، فإننا نقلب التوازن الدقيق داخل عقولنا . إذا كان هناك من يركز فقط على شخص يحبه في النهار والليل، فهو يجعل جميع الخلايا العصبية في دماغه تذهب إلى هذا الجزء من التفكير فقط، وبمرور الوقت تشكل الخلايا العصبية روابط وتقيم علاقات وتتكاثر في العدد. ومن الناحية المثالية يجب تقسيم الخلايا العصبية في الدماغ بالتساوي، بين العمل والأسرة والحب والحياة الإجتماعية والرعاية الذاتية، لا يجب أن تتجمع الأفكار في جانب واحد فقط من الدماغ.

والعشق عبارة عن حالة مرضية تحدث نتيجة للمغالاة الشديدة في الحب، مما ينعكس ذلك بآثار سلبية على شخصية العاشق تتظاهر باضطرابات جسمية، فضلا على الإضطرابات السلوكية والتي كثيرا ما تدفع الشخص المصاب لأن يرتكب تصرفات غير عقلانية.

 فالعشق مرض. فليس من الممكن أن نحصل على كل ما نحتاجه في الحياة من إنسان آخر، وإذا حاول أحد فعل ذلك فسوف يخنق الشخص الآخر، ويشعر بالإعتمادية والتوتر، وهذه كلها نتائج سلبية سواء للمهووس أو للشخص الذي يتعامل معه على حد السواء .

بينما الحب إحساس داخـلي جاهـز فطري بداخلنا و ينمو إذا واتته الظـروف. و هـو ينمو دائماً من الداخـل . والحب هو تعلق روح بروح ، وإشتباك نفس بنفس ، دون النظـر إلى جمال جسد ، أو حسن مظهر. وهو فرصه ليصبح الإنسان أفضل وأجمل وأرقى. وعندما لا تسير علاقة الحب على ما يرام، تبدأ جميع أنواع المشكلات في الحدوث، مثل الوَلَه، والغيرة المرضية، وإنكسار القلب، والتعلُّق غير اللائق، والإدمان. وهناك مضاعفات نفسية جسيمة لتجربة الوقوع في الحب على نحوٍ قاسٍ، وهذا أمر يجب أن نتعامل معه بشكل أكثر جدية.

 لذلك أعتقد “تيري أوربوتش” أنه إذا كان الناس يشعرون بعدم الأمان، فإنهم ليس لديهم الثقة في أنفسهم، ومن ثم فإن هذا الشخص أو هذه العلاقة تشغل ذلك الفراغ أو هذه المشكلة، لذلك إذا كان الشخص لا يشعر بالرضا عن نفسه، سيستخدم صديق ليخبره كم هو شخص جيد، شخص جميل، شخص ذكي، ويرى تيري أوربوتش أنه في كثير من الأحيان يحدث ذلك لأننا أصبحنا نعتمد على الآخرين لتحديد شخصيتنا وصفاتنا .

وقولوا لها يامنيـةَ النفـسِ إننـي

قتيلُ الهوى والعشق لو كنتِ تعلمـي

ولا تحسبـوا إنـي قُتلـت بصـارم

ولكن رمتني من رباهـا بأســهمِ

لها حُكمَ لقمـانٍ وصـورةُ يوسـفٍ

ونَغـمـةُ داودٍ وعـفـةُ مـريـم

ولي حزنُ يعقوبٍ ووحشـةُ يونـسٍ

وآلامُ أيـــوبٍ وحَـســرةُ آدمِ

ويرى ابن حزم أن أول علامة من علامات الوقوع في الحب، هي “إدمان النَّظر”، إلى الشريك، أو المحبوب. وإدمان النظر، أي إطالته وتكراره تحديقاً ومعاينة، يتم عبر العين بصفتها “باب النفس” وبصفتها “المنقّبة” عن خفاياها، يقول ابن حزم واصفا العين بأنها المعربة عن باطن الروح. فتذهب عين العاشق، حيث يذهب المعشوق، ولا ينشغل عنه لحظة: “فترى الناظر، لا يطرف، يتنقّل بتنقل المحبوب، وينزوي بانزوائه، ويميل حيث مال، كالحرباء في الشمس!”.

فدَع عنكَ ليلى العامريةِ إنني

أغارُ عليها من فم المتكلمِ

أغارُ عليها من أبيـها وأمِـهـا

إذا حدّثاها في الكلامِ المُغَمغَمِ

أغارُ عليهـا مـن أخيها وأختِـهـا

ومن خُطوةِ المسواك إن دار في الفم

أغار علـى أعطافهـا مـن ثيابهـا

إذا ألبستهـا فـوق جسـم منْـعـم

وأحسَـدُ أقداحًـا تقـبّـل ثغـرهـا

إذا أوضعتها موضعَ اللثمِ فـي الفـمِ

فالشخص الذي يشعر بحالة من عدم الإستقرار النفسي الشديد لأنه لم يتلقَّ الحب الكافي في طفولته ربما يكون أكثر عرضةً للغيرة المرضية. غير أن العوامل المحددة التي تجعل من شخصٍ ما هشًّا ربما تختلف إختلافًاً كبيرًا عن العوامل التي تؤدي إلى النتيجة نفسها في شخصٍ آخر.

وبغض النظر عن حالة التَّوَهُّم المتبادل، فلديك الشخص الذي يقوم بالملاحقة، وذاك المصاب بالهوس الشديد، وذلك المقتنع تمام الإقتناع بمنظومة فكرية رومانسية تقول بأنه لن يشعر بالسعادة إلا مع شخص معين. في هذه الحالات يحدث إنكار للواقع على نحوٍ غير معتاد.

وماذا عن الرجل الذي مارس الجنس مع 3,000 بغي؟ أنت تعتقد أنه مدمن، ولكن ليس مدمنًا على الجنس. الأمر المثير للإهتمام فعلًا بشأن هذا الشخص كان نظرته للجنس باعتباره وسيلةً لإنشاء علاقات رومانسية مع البغايا بهدف جعلهن يحببنه في النهاية. كان هذا الشخص مدمنًا لشعور بأن شخصًا ما يحبه. وكان بمجرد أن يجعل واحدةً منهن تقول له: “أنا أحبك”، يمضي في طريقه إلى بغيٍّ أخرى.

وأيضاً من الكتب التى تستحق القراءة كتاب “العشق فى النصوص المقدسة” للدكتورة زهرة ثابت، والذى صدر عن دار الرافدين. يقوم هذا الكتاب برصد ظاهرة العشق فى النصوص المقدسة، فعلى الرغم مما تذخر به هذه النصوص من تجارب فى العشق وأخبار العشاق وأحوالهم ظل العشق من المسائل الممنوع طرقها لإلباسه بالجنسانى وبالخطيئة. واللافت للإنتباه أنّ ظاهرة العشق فى النصوص المقدّسة ظلّت مطموسة ومغيّبة، بل يمكن القول إنّها بقيت “عتبة لا يمكن ولوجها للأحكام المعياريّة التى طوّقتها، فجعلتها ملتبسة فى الضمير الجمعى بمفهومى الجنس والخطيئة.

بكيتُ على من زيّنَ الحسنُ وجههـا

وليس لهـا مِثْـل بعـربٍ وأعجُـمِ

عراقيةُ الألحـاظِ .. مكيـةُ الحشـا

هلاليـةُ العينيـنِ طائـيـةُ الـفـمِ

وممشوطةٌ بالمسكِ قد فاحَ نَشرهـا

بثغـرٍ كـأن الـدرَّ فيـهِ منـظـمِ

العلامة الثانية، بعد تفحّص ملامحه، هي الإقبال بالحديث إليه. ويرى أن الإقبال بالحديث إلى المحبوب، أمر غير اختياري، أي أن المعجب يضطر بالتوجه بحديثه لمن يحب: “فما يكاد يقبل على سوى محبوبه، ولو تعمّد ذلك، وإن التكلف ليستبين لمن يرمقه فيه، والإنصات لحديثه إذا حدّث، واستغراب كل ما يأتي به، وكأنه عين المُحال!” وإنه لشدة تعلّقه به، يصدّقه “وإن كذب” في كلامه، ويوافقه “وإن ظلم!”.

وعلامة الحب الثالثة هي: الإسراع بالسير نحو المكان الذي يكون فيه، ثم “تعمّد” الإقتراب والقعود بالقرب منه، يقول ابن حزم، وبعد تعمد الإقتراب من الشريك المحبوب، يتعمد التباطؤ بالإبتعاد عنه، ذلك أنه تعلق به وسارع للقائه، حبا، فلذلك فهو “يستهين بكل خطب جليل داع إلى مفارقته” فيسعى للبقاء قريبا منه، بأي سبيل ممكن.

العلامة الرابعة من علامات الوقوع بالحب، وهي عندما يصاب الشخص بـ”البَهت” وتقع عليه “روعة” عند رؤية من يحب، فجأة بعدما طلع أمامه، بغتة. إذ ذاك، يكون الوقوع في الحب، قد اكتمل على وجه التقريب، إلا أن علامة أخرى إضافية، تقطع الشك باليقين، لإزالة تشابه المشاعر، تؤكد الحب لا عاطفة أخرى، وهي الاضطراب.

يقول ابن حزم، إن الاضطراب الذي يصاب به المرء، عند سماع اسم المحبوب، من علامات الحب، إلا أنه يحدد لذلك الاضطراب أن يحدث حتى لو رأى المحب، ما يشبه محبوبه، وليس محبوبه نفسه. أي وقوع الاضطراب لمجرد رؤية الشبيه.

العلامة السادسة، وهو عندما يجود المرء بكل ما يقدر ليبدي محاسنه أمام من يحب، ليرغّبه في نفسه. وعلى هذا، يقول ابن حزم، كم رأى بخيلاً، صار بسبب الحب، كريماً، وكم من جبان صار شجاعاً، وكم من غليظ طبع، تطرب ولانَ وترقّق، وكم من جاهل تأدّب، وكم من فقير تجمَّل وتزيّن. كل هذا بسبب الوقوع في الحب، وهو العلامة القصوى التي لا يحتاج بعدها، إلى أي دليل على الهوى.

عمل فرانك تاليس طيلة عقود مع مرضى يعانون حالةً كان يطلق عليها يومًا ما “داء الحب”. ويرى تاليس أن الأفكار المتداولة حول الحب الرومانسي هي أفكار واهمة بالأساس، وذلك لأن الاعتقادات المصاحبة للحب الرومانسي لا تنسجم مع الواقع. إن الفكرة التي مفادها أن هناك شخصًا مميزًا في مكانٍ ما ستسوقه الأقدار إليك تمثل أحد الاعتقادات القوية، وهي فكرة واهية تمامًا، إلا أنها إحدى الأفكار التي يؤمن بها الكثير من الناس، وهي فكرة رسختها هوليوود ورسخها أدب الخيال الرومانسي.فالملاحقة أمر مزعج وخطير للغاية، وإذا تماديتِ قليلًا في هذه التصرفات فسرعان ما ستجد نفسك قد تجاوزتِ حدكِ إلى حدود التحرش أو التصرف بطريقة توصَف بأنها مُقلقة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى