القسم الديني

فتاوى تهمك فى فضل العشر الاوائل من ذى الحجة

بقلم .وجدى نعمان

هل فضل الْعَشْرِ الأُوَلِ من ذي الحجة 

قاصر على الصوم فيها فقط كما يظن

البعض؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين،

والصلاة والسلام على أشرف

المرسلين، نبينا محمد وعلى آله

وأصحابه والتابعين، وبعد ….

فالْعَشْر الأُوَل من ذي الحجة أيام

مباركات، لها فضل عظيم، ففيها تَكْثُرُ

الخيرات، وتتضاعف الحسنات،

ويستحب فيها الإكثار من الطاعات.

أقسم ربنا بها في كتابه؛ وذلك لعظم

شأنها، وتنويهًا لفضلها؛ لأنه لا يقسم إلا

بشيء عظيم، فقال- عَزَّ من قائل -:

{وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 1، 2]،

رُوِيَ عَنِ سيدنا عبد الله بْنِ عَبَّاسٍ –

رضي الله عنهما -: أَنَّهَا الْعَشْرُ الْأُوَلُ مِنْ

ذِي الْحِجَّةِ.

وَهُوَ قَوْل مُجَاهِد وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك

وَالسُّدِّيّ وَالْكَلْبِيّ. تفسير القرطبي (20/ 39)

وبَيَّنَ النبي- صلى الله عليه وسلم –

فضلها، وأنها من أعظم أيام الدنيا، وأن

العمل الصالح فيها أفضل منه في

غيرها، فقال – صلى الله عليه وسلم -:

{مَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ 

إلى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ}، – الْعَشْر

الأُوَل من ذي الحجة- فَقَالُوا: يَا رَسُولَ

اللَّهِ، وَلَا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ ر

رسول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:

{وَلَا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ

خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ

بِشَيْءٍ} رواه الترمذي ت (3/ 122)،

وهذا الحديث يدل على فضل كل عمل

صالح صومًا كان أو ذكرًا أو صلاةً أو

صدقةً أو غير ذلك لاندراج الكل في العمل الصالح.

وفي هذه العشر يوم عرفة الذي أكمل الله فيه الملة، وأتم به النعمة، يمتن الله فيه على العباد، فيعتق رقابهم فيه من النار، ويباهي بهم ملائكته، فقال – صلى الله عليه وسلم -: {مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ} رواه مسلم (2/ 982).

ويستحب كثرة الدعاء فيه، قال – صلى الله عليه وسلم -: {خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ}. رواه الترمذي (5/ 572).

كما يسن صيامه، فقد سُئِلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ فَقَالَ: {يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ، وَالسَّنَةَ الْقَابِلَةَ}. رواه مسلم (2/ 819).
فيستحب الإكثار من الطاعات والعبادات في هذه العشر، وليس العمل الصالح في هذه الأيام المباركات قاصرًا على الصوم، بل فعل الخير أبوابه مُفَتَّحَةٌ ومُتَنَوِّعَةٌ، فكل قول وفعل يحبه الله ورسوله عمل صالح، وطاعة وقربة إلى الله، فإتقان العمل، وإخلاص القصد، والمشاركة الْفَعَّالَة في تقدم المجتمع ورقيه وبنائه، ومساعدة أفراده المكلومين المحتاجين تأتي على رأس أولوية العمل الصالح؛ لذا كانت الصدقة في هذه الأيام التي تَمُرُّ بالبلاد والعباد، جراء جائحة كورونا من أفضل القربات والطاعات؛ لأن نفعها لا يتوقف على المتصدق، وما يعود عليه من فضل وثواب، بل يتعدى إلى المحتاج الذي فقد عمله ، وتعطل مصدر رزقه، وأصبح لا يجد ما يعيش عليه .

قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: {أَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَطْعَمَ مُؤْمِنًا عَلَى جُوعٍ أَطْعَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ ثِمَارِ الجَنَّةِ، وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَقَى مُؤْمِنًا عَلَى ظَمَإٍ سَقَاهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنَ الرَّحِيقِ المَخْتُومِ، وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ كَسَا مُؤْمِنًا عَلَى عُرْيٍ كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ خُضْرِ الجَنَّةِ}. رواه الترمذي.
ومن المستحبات في هذه العشر صوم التسع منها؛ لأن صوم يوم العيد يحرم، ولكن تذكر العشر تغليبًا، وهذا الصوم مستحب لمن قدر عليه واستطاع القيام به، فقد ورد عن النبي – صلى الله عليه وسلم- أنه كان يصومها، ففي سنن أبي داود عَنْ بَعْضِ، أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ} سنن أبي داود (2/ 325). فمن صامها فله الأجر، ومن لم يصمها فلا إثم، ولا وزر عليه.
كما يستحب في هذه العشر الإكثار من صلاة النوافل، والمواظبة على الرواتب التابعة للفرائض، قال- صلى الله عليه وسلم – فيما يرويه عن رب العزة: {وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ} رواه البخاري (8/ 105)
كما يستحب قراءة القرآن، وكثرة الذكر بالتسبيح، والتكبير، والاستغفار، قال – صلى الله عليه وسلم-: {مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ}. رواه أحمد (10/ 296).

كما يستحب فيها عند الجمهور لمن أراد أن يضحي ألا يأخذ من شعر رأسه وأظافره شيئا حتى يضحي؛ لقوله – صلى الله عليه وسلم-: {إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعْرِهِ، وَلَا أَظْفَارِهِ شَيْئًا}.

رواه مسلم (3/ 1565). وهذا على سبيل الاستحباب لا الوجوب، فمن أراد الأضحية، وأخذ من شعره وأظافره فلا بأس ولا حرج عليه، لقول أم المؤمنين عَائِشَةَ- رضي الله عنها – أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَبْعَثُ بِالهَدْيِ مِنَ المَدِينَةِ، فَلَا يَجْتَنِبُ شَيْئًا مِمَّا يَجْتَنِبُ مِنْهُ المُحْرِمُ} متفق عليه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى